التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 29, 2024

حماس والتكتيكات الناجحة لتبادل الأسرى 

كتائب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لا تزال توجه صفعاتها باتجاه حكومة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها، الذي يزعم بأنه “غير قابل للهزيمة” منذ أحداث أكتوبر 2023، وفي هذه المرة، نجحت المقاومة في غزة في تقديم درس لا يمكن نسيانه لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بكل أقسامه السرية والمعلنة، على الرغم من انتشار دبابات الاحتلال وجنوده في عدة مناطق شمالية في قطاع غزة، تجاوزت استخبارات المقاومة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وشركاءه الأجانب، وظهرت هذه الفعالية بوضوح خلال عملية تسليم الأسرى، حيث غادرت فرق المقاومة المكان بسيارات رباعية الدفع، وقامت بتسليم الأسرى، ثم عادت إلى مواقعها في وقت قياسي، كان هذا المشهد صاعقًا للجميع، وخاصة لأولئك الذين اعتبروا أنفسهم لا يقهرون ويمتلكون واحدة من أقوى القوات العسكرية في العالم.

حماس تصفع تل أبيب ومخابراتها

الجملة التكتيكية المنظّمة من قِبَل حركة حماس، وبشكل خاص كتائب القسام في إدارة صفقة تبادل الرهائن والأسرى، أثارت فضولًا كبيرًا وعلامات استفهام في أوساط المراقبين والمحللين السياسيين، وما يعد مهما بالنسبة للجهات المعنية في أجهزة الاستخبارات، وخاصةً مع تفوق حركة حماس في إدارة عملية التبادل بطريقة استثنائية وفعّالة، هو التفاصيل الدقيقة لكيفية تنظيم عمليات الاستلام والتسليم، والتي تضمنت مفاجآت أدت إلى فقدان الاستخبارات الإسرائيلية في لحظات حرجة، وخاصةً في دواوين وتكتيكات المقاومة، وكانت إحدى هذه المفاجآت هي صمود حركة حماس في قضية تحديد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم، ما قوّض الهدنة وأعاق تنفيذها لمدة تقارب السبع ساعات مساء السبت.

ويبدو الانطباع الحالي أن حركة حماس، التي تسيطر بشكل كامل على الميدان والمداخل والمخارج، بما في ذلك مناطق شمال قطاع غزة، تستمر في تحكمها رغم الهجمات القوية واستمرار وجود جيش الاحتلال في المنطقة، يلاحظ أن حركة حماس أصرت في التفاصيل التنظيمية غير المعلنة حتى الآن على توجيه سيارات الصليب الأحمر، التي من المفترض أن تقل الأسرى والرهائن الإسرائيليين إلى معبر رفح ثم معبر كرم أبو سالم في منطقة محددة، أو ما يُعرف في علم الاستخبارات بـ”المنطقة المعلومة”، قبل نقلها إلى ما يُعرف بـ”نقطة الصفر” أو “نقطة الموت”.

وفي اليوم الثالث، تم اختيار نقطة معلومة وسط الأهالي والناس، وفي المكان الذي تتجمع فيه سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر، يتم فحصها بواسطة فريق فني تابع لكتائب القسام، يمتلك أجهزة استشعار ويقوم بالبحث عن أي علامات تشير إلى وجود أجهزة تجسس، وبعد الفحص، الذي يُعتبر شرطًا لعملية التسليم، يُزوَّد فريق الصليب الأحمر الدولي بإحداثيات النقطة الميتة لاستلام الرهائن، ويتم هذا الإجراء قبل دقائق فقط من اللحظة المناسبة للانتقال من حيثيات إلى حيثيات، أو من إحداثيات إلى أخرى، لتنفيذ عملية التسليم، ويظهر بوضوح أن كتائب القسام قد درست كل التفاصيل وأخذت في اعتبارها، عند تسليم الرهائن الإسرائيليين، جميع المقتضيات والاحتياطات الأمنية الوقائية.

وعملية الاتصال وتفتيش سيارات الصليب التي ستنقل الرهائن الإسرائيليين تتم في إحداثيات أو أماكن مختلفة عن تلك النقطة التي يتم فيها التسليم فعلياً، برفقة حراسة مسلحة، وفي اليوم الأول، تم اعتماد نقطة ميتة مختلفة عن النقطة الميتة في اليوم الثاني، ولكن المفاجأة التي أرهقت أجهزة الموساد والاستخبارات والشاباك كانت في أن عملية التسليم في اليوم الأول تمت في إحدى المناطق التي تسمى “عزبة بيت حانون”، بمعنى آخر، في منطقة قريبة من الحدود المفترضة مع قطاع غزة، وشكلت تلك النقطة في مزرعة وسط غابة من المدرعات والآليات الإسرائيلية صدمة واسعة النطاق للجانب الإسرائيلي.

وتم التسليم بسلاسة مع وجود كاميرا تظهر الحيثيات، فيما اعتبرت مصادر في حركة حماس أن الحديث عن أجهزة تنصت وملامسات مع طاقم الصليب الأحمر أُخذ بالاعتبار والحسبان، وأكدت المصادر أن الفريق الذي سلم الدفعة الأولى من الرهائن ليس الفريق نفسه الذي سلم الدفعة الثانية، ولن يكون نفسه الذي سيسلم الدفعة الثالثة أو الرابعة خلال أيام الهدنة، والمفاجآت الأمنية اتخذت عدة أشكال وأنماط في السياق الأمني هنا، وتمت دراسة الاعتبارات بكل عناية ومن كل الجوانب، بما في ذلك اعتبارات صناعة الصورة للرهائن قبل تسليمهم وظهورهم بملابس نظيفة، بما في ذلك أطقم البيجامات والسراويل والقمصان.

ضغوط متزايدة على الكيان

تواجه “إسرائيل” ضغوطًا متزايدة لتمديد فترة الهدنة المقررة لأربعة أيام فقط حتى الآن، في إطار حربها على “حماس”، بينما يخشى مسؤولون عسكريون أن تؤدي هدنة أطول إلى إضعاف الجهود الإسرائيلية للقضاء على الحركة الإسلامية، وفي المجموع، سلّمت حركة “حماس” الجمعة والسبت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر 26 أسيراً إسرائيلياً، يحمل بعضهم جنسية أخرى، بينما أطلقت “إسرائيل” سراح 78 أسيرًا فلسطينيًا، وكان جميع المفرج عنهم من النساء والأطفال.

كما أطلقت حماس، خلال اليومين الماضيين، 15 أجنبيًا غير إسرائيلي في إجراء غير مدرج في الاتفاق، وينص الاتفاق، الذي تم بوساطة قطرية وبمشاركة الولايات المتحدة ومصر، على إطلاق سراح 50 أسيرًا لدى “حماس” في مقابل إطلاق سراح 150 أسيرًا فلسطينيًا على مدار الأربعة أيام المقررة للهدنة، وهي قابلة للتمديد، ويُعتبر هذا القرار إضافيًا إلى عدد الأسرى الذين قامت “حماس” بإعادتهم، ويُشير إلى وجود ضغوط داخلية كبيرة في “إسرائيل” لتسوية هذه القضية، ومع ذلك، يمنح هذا الإجراء فرصة أكبر لـ “حماس” لإعادة بناء صفوفها والتعافي وإعادة التسلح، ما قد يؤدي إلى استعادتها للقوة والعودة إلى النشاط القتالي، وفقًا لتحليلات بعض المحللين.

وتزيد هذه الاتفاقية الضغوط الدبلوماسية على “إسرائيل” من قبل المجتمع الدولي، ما يعني أنه سيتراجع التأييد الدولي للسماح بمزيد من القصف على غزة، وهو ما يفضي إلى أزمة إنسانية، ويقول أندرياس كريغ، أستاذ دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن: “الوقت يلعب ضد إسرائيل كما هو الحال دائمًا، وكلما استمرت فترة الهدنة زاد صبر المجتمع الدولي على استمرار الحرب”.

وتعبر هذه التطورات عن تصاعد الضغوط الدبلوماسية على “إسرائيل”، حيث يعتبر الجيش الإسرائيلي التصعيد وتحقيق أهدافه ضد حركة حماس أمرًا حاسمًا، في زيارة للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة، وقد أكد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أن الهدنة لن تستمر لفترة طويلة وستكون قصيرة، مشددًا على أن أي مفاوضات إضافية ستجري “تحت النيران”، و يظهر هذا التصعيد العسكري والتهديد بتوسيع العمليات العسكرية تحت غطاء الهدنة، ما يعزز التوتر في المنطقة.

والهجمات المستمرة منذ 27 أكتوبر على قطاع غزة تُظهر تصاعد التوترات والعنف، حيث تصاحب هذه العمليات قصفًا مكثفًا وعمليات برية واسعة داخل القطاع، وتقديرات حكومة حماس تشير إلى أن هذا القصف أسفر عن وفاة نحو 15 ألف شخص، بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، ويزداد الضغط لتمديد الهدنة، خاصةً من داخل الكيان حيث يتظاهر الآلاف مطالبين بإطلاق سراح الأسرى.

أيضا، التظاهرات الحاشدة في تل أبيب تشهد مطالبات لإطلاق سراح الأسرى، حيث كتب على إحدى اللافتات عبارة “أخرجوهم من الجحيم”، وفي هذا السياق، يعبّر مسؤول عسكري إسرائيلي عن التزام الكيان بإطلاق أكبر عدد ممكن من الأسرى، ولكنه يعبر عن قلقه من أن تمديد فترة الهدنة قد يمنح “حماس” فرصة لإعادة بناء قدراتها والهجوم على المحتلين مجددًا.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق