نظرة على نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق وأثرها على الانتخابات البرلمانية المقبلة
بعد مرور أكثر من 10 سنوات على آخر انتخابات محلية، أجريت أخيرا انتخابات مجالس المحافظات في العراق يوم الاثنين الماضي 18/12/2023، في جميع محافظات العراق الـ 15، باستثناء محافظات إقليم كردستان، للتنافس على 285 مقعدا.
تم إنشاء مجالس المحافظات في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، وكانت مهمتها انتخاب حكام الأقاليم وإدارة ميزانيات الصحة والتعليم والنقل، وأجريت انتخابات مجالس المحافظات الأسبوع الماضي في 15 محافظة من أصل 18 محافظة عراقية بعد هذه العطلة، ومن المقرر أيضاً أن تجري المحافظات الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية في إقليم كردستان العراق انتخابات منفصلة العام المقبل.
وفي هذه الانتخابات، تم تخصيص 10 مقاعد للأقليات العراقية، بما في ذلك الأكراد الفيليين والتركمان والكلدان والصابئة والمسيحيين والإيزيديين والآشوريين والأرمن، وحسب آخر التقييمات الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية، فإن هذه الأقليات تشكل 5% من سكان البلاد، وأجريت انتخابات مجالس المحافظات في أجواء آمنة ومستقرة، وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق نتائجها النهائية يوم الخميس الماضي.
وأوضح “باسل حسين”، المشرف على الانتخابات في مفوضية الانتخابات العراقية، أن النتائج النهائية قابلة للمراجعة، وأشار إلى أن استقبال الاحتجاجات بدأ يوم الجمعة وسيستمر حتى نهاية الدوام الرسمي يوم الأحد، ويرى العديد من المحللين أن نجاح إجراء هذه الانتخابات يشكل اختبارا للعملية الديمقراطية في العراق؛ لأن حلقة الوصل للانتخابات النيابية المقبلة هي بداية العام 2025، وهي التي ستحدد موازين القوى السياسية في المستقبل، وإن إجراء هذه الانتخابات بعد إرساء الاستقرار السياسي والأمني بعد سنوات من الحرب ضد الجماعات الإرهابية، سيكون أيضًا اختبارًا جديًا لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
نجاح الائتلاف الشيعي في انتخابات مجالس المحافظات
وحسب النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات في العراق، حققت القوى والأحزاب العربية الشيعية المنضوية تحت راية “الإطار التنسيقي” نجاحا كبيرا في هذه الانتخابات، وخاصة في جنوب ووسط العراق، واستطاعت الحصول على أكبر عدد من المقاعد في أغلب المحافظات، وهو ما جعل البعض يعتبر هذه القضية تعزيزا لسيطرة هذا التحالف على الحياة السياسية العراقية.
وأظهرت النتائج النهائية للتصويت أن ائتلاف “نبني” بزعامة هادي العامري حصل على 43 مقعدا، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق 35 مقعدا، و24 مقعدا لائتلاف “القوات الحكومية” بزعامة عمار الحكيم، وحصل تحالف “التقدم الوطني” بزعامة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي السابق على 21 مقعدا.
وفي هذه الانتخابات التي قاطعها التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، تنافس 5904 أشخاص على 275 مقعدا، و في هذه الأثناء، يقال إنه بعد إعلان النتائج في 9 محافظات وسط وجنوب العراق، تشكل الآن خطان واتجاهان، الاتجاه الأول هو التنظيمات المنتصرة التي ستحصل على منصب المحافظ الآن، والاتجاه أو الخط الثاني هو القوى المحسوبة على ائتلاف الإطار التنسيقي الذي يملك حاليا أغلبية مجلس النواب، وعلى سبيل المثال، في محافظات بغداد وذي قار وميسان والبصرة وبابل وكذلك واسط، حصل هذا الائتلاف على أصوات جيدة، ومن حيث عدد المقاعد، كان من بين الأحزاب أو الائتلافات الأربعة الأولى، وأبرز هذه الائتلافات هي “نبني” بزعامة هادي العامري، و”دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، ومن بعدهم ائتلاف “القوات “الحكومية ” بزعامة عمار الحكيم وحيدر الحكيم.
وفي بغداد، عاصمة العراق، التي تتمتع أصواتها بأهمية خاصة؛ وجاء ائتلاف “حكومة القانون” و”نبني” على رأس القائمة بحصوله على 9 مقاعد من إجمالي 52 مقعدا، يليه ائتلاف “التقدم” بزعامة محمد الحلبوسي، وفي محافظة ذي قار، حصل ائتلاف “نبني” على 5 مقاعد من أصل 18، يليه ائتلاف حكومة القانون بـ 4 مقاعد، كما حصلت قوى الحكومة الوطنية على مقعدين، وفي الوقت نفسه، فاز ائتلاف “تقدم” في محافظة الأنبار بأكبر عدد من المقاعد، وبعد ذلك، واجهت أحزاب بارزة مثل “السيادة” و”العزم” الشعبية العامة لسكان بغداد، وفي محافظة البصرة جنوب العراق، فاز بالمركز الأول ائتلاف “تصميم” بزعامة “اسعد العيداني” المحافظ الحالي.
نجاح العرب والتركمان في كركوك والمناطق المتنازع عليها
وفي محافظتي ذي قار وميسان، فاز ائتلاف “نبني” بزعامة هادي العامري بأكبر عدد من المقاعد؛ وفي محافظة المثنى، حصل ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على أكبر عدد من الأصوات، وفي المحافظات الشمالية من العراق، تمكن حزبا “الجماهير” و”تقدم” من الحصول على أكبر عدد من الأصوات في محافظة صلاح الدين، وفي محافظة نينوى ومركزها الموصل، احتل تحالف “نينوى لحلها” (نينوى لأهلها) المركز الأول، وبعدها حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على المركز الثاني، وفي مدينة كركوك، شهد الحزبان العربي والتركماني نجاحات كبيرة مقارنة بالأكراد
وسيؤدي ذلك إلى تعقيد عملية انتخاب مسؤولي المحافظة في هذه المدينة الغنية بالنفط والمتنازع عليها، وخاصة إذا لم يتم تشكيل ائتلاف كبير في مجلس المحافظة لتحديد المناصب الرئيسية.
جرت انتخابات مجالس محافظات العراق في حين ظهرت في البداية تناقضات في إحصائيات المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات، و لا سيما العدد الفعلي للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما ومعايير مشاركة الأشخاص المؤهلين للمشاركة في الانتخابات، من المؤشر العام لـ«العمر» (ثمانية عشر عاماً) إلى شرط «الحصول على بطاقة انتخابية»، وأثار هذا الموضوع شكوكاً حول نسبة المشاركين الفعلية إلى المستحقين، و بدأت هذه الشكوك عندما أعلنت جمانة الغلاي، المتحدثة باسم المفوضية العليا للانتخابات العراقية، في 14 سبتمبر 2023: أن إجمالي عدد الناخبين المؤهلين في الانتخابات يزيد على 23 مليون ناخب، لكن أولئك الذين سجلوا حصلوا على تصاريح البطاقات البيومترية، وهناك أكثر من 16 مليون شخص، ومليوني شخص آخرين ستصدر بطاقاتهم قريباً، ليبلغ عدد من يحق لهم التصويت 18 مليون شخص، وفي المقابل، لن يتمكن 5 ملايين مواطن من المشاركة في التصويت لعدم وجود بطاقة بيومترية لديهم.
وفي هذا الصدد، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مرة أخرى، أن 16,158,788 شخصاً في العراق يحق لهم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات 2023 من خلال الحصول على “البطاقة الانتخابية”، وأعلنت هذه اللجنة أخيراً في 19 كانون الأول/ديسمبر 2023 أن 41 بالمئة من الأشخاص المؤهلين (6,599,668 شخصاً) شاركوا في انتخابات مجالس المحافظات.
ونتيجة توفير هذه الإحصائيات جعلت مراكز الرصد والمسح لديها نوعان من الإحصائيات والنسب المئوية لمشاركة الناس في شروط الانتخابات.
وبناء على الاحصائيات المبنية على مؤشرات العدد الإجمالي للمؤهلين، تقدر نسبة مشاركة أبناء محافظة بغداد بـ 17.7%، ولسكان محافظات العراق الشيعية الـ 9 28.43%، ولسكان محافظة بغداد 28.43%، والمحافظات السنية والمختلطة في انتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الأول 2023، وحسب هذا النوع من الإحصائيات، مقارنة بانتخابات الفترة الخامسة لمجلس النواب العراقي (2021)، فقد حصل سكان محافظة بغداد على 41.55%، كما حصل سكان 9 محافظات شيعية في العراق على انخفاض بنسبة 25.83% المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات العراقية (2023). لكن سكان خمس محافظات سنية ومختلطة زادت مشاركتهم بنسبة 22.55%، وهناك أمر آخر له تأثير على الإحصائيات ولا ينبغي إغفاله، وهو مقاطعة مقتدى الصدر للانتخابات وحركات الاحتجاج المعروفة باسم “تشرين”.
والآن، في ظل إعلان النتائج النهائية للانتخابات في ظل مقاطعة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، ظهر نوع من الفتور السياسي في العراق، فضلا عن اختلاف وجهات النظر والمواقف حول الانتخابات ونتائجها، وبالطريقة التي يتصرف بها المسؤولون المنتخبون، يمكننا أن نقول نوع وطريقة أدائهم في مجالس المحافظات، وسيكون ذلك بمثابة سيف ذي حدين، بمعنى أنه إذا كان المسؤولون المنتخبون، وخاصة في محافظات العراق المهمة والغنية، كما في البصرة وكركوك، يستطيعون العمل بنجاح ويمكنهما بناء الثقة؛ ستتعزز فترة الاستقرار النسبي في العراق، وستطمئن حكومة السوداني إلى إجراء الانتخابات البرلمانية واستكمال فترة رئاسة الوزراء، ويمكنها من خلال تغيير الأولويات أن تولي المزيد من الاهتمام لمسألة الخدمات العامة، والاهتمام بمسألة معدل البطالة، ومحاربة الفساد المستشري في العراق، ووجوب التركيز في أماكن مختلفة، بما في ذلك بعض المؤسسات الحكومية.
أما إذا حدث العكس، وأصبحوا غير قادرين على تقديم الخدمات للمواطنين على الرغم من وجود قوى موحدة تقريبا، فإن إجراء هذه الانتخابات سيعتبر غير ضروري وأداة لمأسسة الفساد وسيؤثر بشكل عام على شرعية حكومة العراق في المستقبل، و تهدد النظام السياسي في هذا البلد، وخاصة أن بعض الناس (وهم عدد غير قليل) ليس لديهم موقف جيد تجاه مجالس المحافظات ويعتقدون أن هذه المجالس هي حلقة أخرى من حلقات الفساد ونهب الخزينة وسيطرة المتنفذين على المشاريع والاستثمارات في عموم المحافظات وإجراء هذه الانتخابات، وتحديدا مجالس المحافظات المنتخبة لن يؤدي إلا إلى فرض مليارات الدنانير على الحكومة.
وبسبب هذا التوجه السلبي، يعتبر هؤلاء أن مجالس المحافظات هي مراكز للفساد والتربح والمحسوبية، ولا يؤمنون بالمشاركة في مثل هذه الانتخابات، ونتيجة لذلك، ونظراً للاعتبارات المهمة ووجود مواقف سلبية، فإن مجرد الفوز في الانتخابات والوصول إلى مجلس المحافظات، لا يعني فقط نهاية العمل، بل سيكون بداية طريق صعب ومتعرج؛ لأن الفائزين في هذه الانتخابات يجب عليهم في المقام الأول إرضاء مؤيديهم وجماهيرهم والتأكد من تقديم الخدمات لهم، وهي مهمة صعبة لإقناع مقاطعي الانتخابات بأن الفريق الجديد والفائز فالانتخابات خيار جيد وفعال للتعامل مع المشاكل القائمة.
وعلى الجانب الآخر من الموضوع، فإن الطريقة التي قد يتصرف بها المسؤولون المنتخبون قد تؤدي إلى توسيع جبهة المقاطعين للانتخابات في المستقبل وتضر بالعملية السياسية والديمقراطية وستكون لها عواقب مؤسفة بلا شك على انتخابات مجلس النواب المقبلة، ونتيجة لذلك، أصبحت الكرة الآن في ملعب المُنتخبين، ما يعني أنهم نالوا ما أرادوا من خلال توليهم المقاعد والمناصب في غياب المقاطعين، ولقد وصلوا، ولكن النقطة المهمة هي أنهم إذا لم يتصرفوا بشكل جيد ولم يبذلوا الجهود الكافية لخدمة المواطنين؛ ستكون هذه فرصتهم الأخيرة، وإذا أضاعوا الوقت فلن يكون هناك أي فرصة اخرى.
المصدر/ الوقت