الرد الأمريكي الهزيل والهجمات المستمرة من قبل فصائل المقاومة
عندما ننظر بشكل سطحي إلى تطورات المنطقة، يبدو أن أمريكا ليس أمامها مهمة صعبة في التعامل مع فصائل المقاومة.
تمتلك واشنطن الجيش رقم واحد في العالم، من حيث المعدات المتفوقة والتقنيات المتقدمة، وإن العدد الأكبر من حاملات الطائرات والغواصات النووية والطائرات المقاتلة المتقدمة كلها تحت تصرف الجيش الأمريكي، لكن الولايات المتحدة واجهت تحديًا خطيرًا في الممارسة العملية لردع قوى المقاومة الإقليمية.
منذ أكتوبر/تشرين الأول وبعد عمليات طوفان الأقصى وبدء الحرب الصهيونية على غزة، نفذت قوى المقاومة الإقليمية الداعمة لفلسطين أكثر من 160 هجومًا على القوات الأمريكية.
وتأتي هذه الهجمات لأن قوى المقاومة تعتبر أمريكا الداعم الرئيسي والعمود الفقري لحرب الکيان الإسرائيلي ضد غزة، حيث وصف الهجوم على الأهداف والمصالح الأمريكية بأنه رد فعل على قصف غزة.
بعض هذه الهجمات کان من دون إصابات، والبعض الآخر ارتبط بأكبر قدر من الخسائر ضد القوات الأمريكية، بما في ذلك الهجوم الذي وقع قبل ثلاثة أسابيع على القاعدة العسكرية الأمريكية في الأردن، وأدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين، وإصابة عدد منهم بجروح خطيرة.
وفي الوقت نفسه، وبالتزامن مع العمليات البرية لقوات المقاومة في العراق وسوريا، تشن القوات اليمنية منذ أشهر هجمات بالصواريخ والطائرات دون طيار ضد السفن التجارية المتجهة إلى الکيان الإسرائيلي في البحر الأحمر، وسيطروا على هذا الممر المائي الذي يمرّ عبره نحو 30% من التجارة العالمية.
هشاشة الرد الأمريكي
مع استمرار هجمات قوى المقاومة الإقليمية ضد الأهداف الأمريكية في المنطقة والسفن التابعة للکيان الإسرائيلي في البحر الأحمر، بدأت الولايات المتحدة عمليتها لضرب قوى المقاومة.
حيث قصفت المقاتلات الأمريكية أكثر من 85 هدفاً في العراق وسوريا في 3 شباط/فبراير، أي قبل نحو 10 أيام، ثم في الجولة الأولى مما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرد على حادثة الأردن ومقتل جنود أمريكيين، قصفوا عدة أهداف في العراق وسوريا.
كما كثّف التحالف العسكري الأمريكي والبريطاني هجماته ضد القوات اليمنية في 5 فبراير/شباط الماضي، أي منذ الأسبوع الماضي وحتى الثلاثاء من الأسبوع الجاري، وفي أقل من 24 ساعة تعرضت مناطق مختلفة من ميناء الحديدة في اليمن للقصف مرتين على الأقل.
وقبل أيام، وخلال الهجوم الأمريكي علی العراق، استشهد أحد قادة كتائب حزب الله، إحدى فصائل المقاومة الناشطة في المنطقة، في قصف لمقاتلات أمريكية، وفي الوقت نفسه، تتواصل الغارات الجوية الأمريكية على أهداف في سوريا بكثافة متزايدة.
وعلى الرغم من الكم الكبير من الهجمات التي شنتها القوات الأمريكية ضد جماعات المقاومة في العراق وسوريا وحتى اليمن، إلا أن أياً من هذه الهجمات لم تتمكن من وقف الهجمات المناهضة لأمريكا في المنطقة، حيث تستمر فصائل المقاومة في استهداف أهداف ومصالح أمريكا والکيان الإسرائيلي في العراق وسوريا والبحر الأحمر، وحتى في فلسطين المحتلة.
ورغم القصف الأمريكي على صعدة وضواحي صنعاء اليمنية، لا يزال اليمنيون يستهدفون ميناء أشدود جنوب فلسطين المحتلة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وليس هناك ما يشير إلى أن الولايات المتحدة أو التحالف البحري البريطاني في البحر الأحمر، تمكن من إيقاف قوات المقاومة.
وفي الواقع، فإن سلسلة الهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة ضد جماعات المقاومة، لم يكن لها أي تأثير على إرادتهم ووقف هجماتهم ضد الولايات المتحدة، ولا تزال هجمات قوى المقاومة في المنطقة ضد أمريكا مستمرة.
ويعتبر منتقدو جو بايدن من الحزب الجمهوري السياسات الحالية للبيت الأبيض غير فعالة، ويرون أن التهديدات والهجمات الحالية للولايات المتحدة ضد قوى المقاومة في المنطقة هزيلة.
تهديدات فاقدة للمصداقية أم حرب واسعة النطاق؟
من خلال مهاجمة البيت الأبيض، فإن الجمهوريين المنتقدين لبايدن في الولايات المتحدة، يرون أن التهديدات والهجمات الأمريكية الحالية في المنطقة ضد قوى المقاومة فاقدة للمصداقية وهشة، ويطالبون بالمزيد من الهجمات الواسعة النطاق.
لكن حقيقة الأمر هي أن قوى المقاومة الإقليمية تعززت بعد الهجمات الأمريكية الواسعة في المنطقة، وفي الواقع فإن تشكيل مجموعات المقاومة، هو نتيجة مباشرة للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
ولذلك، من المحتمل أن الهجمات الأمريكية الأكثر اتساعًا في المنطقة، لن تؤدي فقط إلى القضاء على مجموعات المقاومة، بل ستؤدي أيضًا إلى توسع مجموعات جديدة وتطور مجموعات المقاومة الحالية، ومن الناحية العملية فإن القوات الأمريكية في المنطقة ستواجه المزيد من التحديات.
والحقيقة أن الهجمات الأمريكية ضد قوى المقاومة في المنطقة، قد فقدت مصداقيتها، لكن حتى الهجمات الأمريكية الأكثر اتساعاً في المنطقة، وهي رغبة الجمهوريين المتطرفين، لن تؤدي إلى القضاء على جماعات المقاومة في المنطقة وإضعافها، بل سنشهد على الأرجح تشكيل جماعات مقاومة جديدة.
إن مجموعات المقاومة الحالية في العراق، هي نتيجة مباشرة للاحتلال العسكري والحرب الشاملة للولايات المتحدة في العراق، كما أن وجود مجموعات المقاومة في سوريا بعد هزيمة “داعش”، كان بسبب استمرار وجود الولايات المتحدة.
التناقضات الداخلية لسياسة واشنطن الخارجية
إن الوجود الأمريكي الحالي في المنطقة، يأتي نتيجةً للتناقضات العميقة في سياستها في الشرق الأوسط. أي إن أمريكا تريد من ناحية الابتعاد عن المنطقة وتعزيز وجودها في شرق آسيا للسيطرة على الصين، ومن ناحية أخرى لا تريد ترك المنطقة لمنافسيها.
وفي الواقع، لم تتمكن أمريكا حتى الآن من التوصل إلى نتيجة واضحة حول وجودها أو عدم وجودها في سوريا والعراق، رغم أنها تواجه ضغوطاً متزايدةً للانسحاب من البلدين.
فلا أحد يستطيع حتى الآن أن يشرح بشكل كامل لماذا لا تزال القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف بسوريا، والتي تم إنشاؤها أثناء القتال ضد “داعش”، نشطة وماذا يفعل الأمريكيون هناك؟
في مؤتمر صحفي مع الصحفيين بعد الهجمات ضد الولايات المتحدة في سوريا والعراق، لم يتحدث المسؤولون الأمريكيون عن الردع، بل عن محاولة “إضعاف” قدرات جماعات المقاومة.
قد يكون هذا الموقف أكثر واقعيةً بعض الشيء، لكن الحقيقة هي أننا لا نرى حتى ضعف جماعات المقاومة في الهجمات الأمريكية، وكأن الردع الأمريكي في المنطقة قد وصل إلى طريق مسدود.
المصدر/ الوقت