بالتزامن مع زيارة المبعوث الأمريكي إلی لبنان… ما هي رسالة “هدهد” حزب الله؟
حزب الله اللبناني، الذي حقّق منذ انضمامه إلى معركة طوفان الأقصى في ال8 من أكتوبر 2023، العديد من المفاجآت ضد الکيان الصهيوني، سواءً على مستوى العمليات أو على مستوى الكشف عن الأسلحة المختلفة، نشر ظهر الثلاثاء الماضي، صوراً لكل المناطق الحساسة وموانئ الكيماويات والنفط وحيفا الواقعة شمال الأراضي المحتلة، والتي تعدّ جزءاً من بنك أهداف المقاومة اللبنانية في شمال فلسطين المحتلة.
المواقع الحيوية الإسرائيلية في مرمى المقاومة اللبنانية
في مقطع الفيديو الذي نشره حزب الله في هذا الصدد، اتضح أن طائرة “الهدهد” دون طيار التابعة للمقاومة اللبنانية، تحلق في سماء حيفا شمال فلسطين المحتلة دون أن تتمكن دفاعات الجيش الصهيوني من استهدافها، وقد قامت بمهمتها في تصوير المواضع المطلوبة بدقة.
تم تصوير هذا المقطع بعد فترة وجيزة من العمليات الانتقامية التي نفّذها حزب الله في شمال فلسطين المحتلة، رداً على الجريمة الإرهابية التي ارتكبها الاحتلال باغتيال القائد العسكري لحزب الله “الحاج أبو طالب” وعدد من رفاقه، وقبل أيام، وفي السياق نفسه، هدّد حزب الله المحتلين بأنهم إذا ارتکبوا أي حماقة، فإن ميناء حيفا سيكون بالكامل في مرمى المقاومة.
وفي هذا الصدد، لا بد من دراسة الأبعاد الاستراتيجية والرسائل الأمنية العسكرية والسياسية لعملية حزب الله، المتمثلة في طائرة “الهدهد” دون طيار.
الموقع الاستراتيجي وأهمية ميناء حيفا بالنسبة للصهاينة
قبل دراسة هذه الرسائل، لا بدّ من إلقاء نظرة على موقع حيفا شمال الأراضي المحتلة، وأهميتها الاستراتيجية على مختلف المستويات بالنسبة للصهاينة.
يعتمد الکيان الصهيوني بشكل كبير على الموانئ البحرية لاستيراد وتصدير البضائع، بنسبة تصل إلى 90%، كما تم تسليم جزء كبير من هذه الموانئ للقطاع الخاص لتطويرها وتحديثها، لاستيراد أو تصدير أكبر قدر ممكن من البضائع، ما يساعد على زيادة أرباح الإسرائيليين، ويوجد في فلسطين المحتلة 5 موانئ، 4 منها تطل على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وميناء واحد يطل على البحر الأحمر.
في هذه الأثناء، يعتبر ميناء حيفا من أهم الموانئ في فلسطين المحتلة، وهو أمر بالغ الأهمية للصهاينة، و يعتبر هذا الميناء بوابةً إلى البحر الأبيض المتوسط، وتسمح محطات ميناء حيفا بدخول السفن الكبيرة ونقل أي نوع من البضائع، مثل الحاويات والحبوب والمواد الكيميائية والمركبات والوقود وغيرها.
ويقع هذا الميناء بجوار أكثر طرق الشحن ازدحامًا في العالم، سواءً في الطريق إلى قناة السويس أو الخروج منها، كما يعتبر ميناء حيفا من أكثر الموانئ تقدماً في فلسطين المحتلة، ويقوم بعملية تفريغ وتحميل البضائع بأنظمة كمبيوتر متطورة وبسرعة كبيرة.
من جهة أخرى، لا تقتصر أهمية ميناء حيفا على دوره الاقتصادي فحسب؛ بل ترتبط أيضًا بالموقع العسكري المهم جدًا لهذا الميناء، لأنه في جانبه الشرقي توجد قاعدة الأسلحة البحرية “البولونيوم”، والتي تحتوي على صواريخ ذات رؤوس نووية، وتعدّ هذه القاعدة مكان انتشار الغواصات العسكرية، وخاصةً من نوع دولفين، المجهزة لحمل صواريخ ذات رؤوس نووية.
کذلك، يعدّ ميناء حيفا أيضًا منطقةً مهمةً لتفتيش السفن الحربية التابعة للكيان الصهيوني، وبه موقع لبناء السفن الحربية، وأرصفة ميناء حيفا مجهزة بأنظمة قتالية وفنية ولوجستية، تدخل في إطار المهام البحرية للکيان الإسرائيلي.
ولهذا السبب، أحدث نشر صور كل المواقف الحساسة لکيان الاحتلال في حيفا، موجةً كبيرةً من الذعر في الأوساط الصهيونية، ومنذ الليلة الماضية، ما زالوا يحققون ويحللون هذا الإجراء المذهل للمقاومة اللبنانية.
من ناحية أخرى، يقع مركز “رافائيل” الذي يحمل اسم مجلس تطوير الأسلحة الإسرائيلي، والذي يعتبر أحد أكبر مراكز تطوير وبناء أنظمة الأسلحة البحرية والجوية والبرية في العالم، في حيفا أيضًا، ويستخدم جزء منه كمختبر لتصميم الأسلحة النووية.
کما يعتبر مطار حيفا الدولي أقدم مطارات الکيان الصهيوني، وهو يقع عند مدخل مدينة حيفا المحتلة؛ حيث يقع مصنع بناء السفن الصهيوني.
سبق أن توقعت مؤسسات ومراكز أمنية تابعة للكيان الصهيوني، أن يكون مطار حيفا ومركز رفائيل من أهداف المقاومة اللبنانية في أي حرب واسعة النطاق، لكن قدرة حزب الله على تحديد وتحليل والتعرف على كل المواقع الحساسة في حيفا، شكّلت صدمةً كبيرةً لهذه المؤسسات وغيرها من الدوائر الأمنية والعسكرية التابعة للکيان الإسرائيلي، حيث أدركوا أن كل القدرات العسكرية في القطاعات البرية والجوية والبحرية، وكذلك جميع المرافق الاقتصادية المهمة لـ “إسرائيل”، تقع في مرمى حزب الله.
رسالة حزب الله العملية لأمريكا والکيان الإسرائيلي
في غضون ذلك، ينبغي أن نلاحظ أن حزب الله قد نشر صورا لمواقف حساسة لکيان الاحتلال في حيفا، بينما كان المبعوث الأمريكي المثير للجدل عاموس هوكشتاين، الذي سافر إلى فلسطين المحتلة الاثنين الماضي وإلى بيروت أمس، يتحدث مع السلطات اللبنانية للضغط عليهم، لإقناع حزب الله بتهدئة الجبهة الجنوبية في لبنان، ووقف عمليات المقاومة لهذا البلد ضد الکيان الصهيوني في شمال الأراضي المحتلة.
حزب الله الذي أكد مراراً وتكراراً على موقفه الثابت في دعم غزة والدفاع عن لبنان، وأعلن أنه لن يناقش أي تهدئة في جنوب لبنان قبل توقف الحرب في غزة بشكل كامل، بإصداره الفيديو المذكور بالأمس، بعث برسالة عملية إلى أمريكا والکيان الإسرائيلي.
وذكرت بعض وسائل الإعلام اللبنانية، أمس، أن هوكشتاين كان حاملاً رسالة تهديد من الکيان الإسرائيلي إلى السلطات اللبنانية، مفادها بأنه إذا لم تهدأ جبهة جنوب لبنان، فإن تصعيد التوتر سيكون أمراً لا مفر منه.
وبهذا يكون حزب الله قد أجاب عملياً على الصهاينة، وعلى المبعوث الأمريكي الذي كان في الواقع ممثلاً لکيان الاحتلال. وهذا ما أشارت إليه وسائل الإعلام العبرية أيضاً، وأعلنت أن الصور التي نشرها حزب الله للمواقع الإسرائيلية في حيفا، تزامناً مع زيارة هوكشتاين إلى بيروت، هي إجراء مثير للقلق، ويعني ذلك أن “إسرائيل” ستدفع ثمناً باهظاً في أي حرب واسعة النطاق.
وفي الواقع، على عكس الکيان الصهيوني، الذي تواصل منذ بداية الحرب مع أطراف مختلفة، وحاول وضع أمريكا والغرب كوسطاء لوقف إطلاق النار مع المقاومة اللبنانية، ولم يقم إلا بالتهديدات والخطابات الفارغة، فإن حزب الله قد نقل رسالته بشكل مباشر وعملي إلى الاحتلال دون أي وسطاء.
الأبعاد الاستراتيجية والرسائل الرئيسية لعملية “الهدهد” التي نفّذها حزب الله
نشير هنا إلى خمس رسائل رئيسية لعملية حزب الله في حيفا عبر طائرة “الهدهد” دون طيار:
الرسالة الأولى تتعلق برسالة الردع الموجهة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بأنه إذا ارتكب أي حماقة وينوي توسيع الحرب على لبنان، فإن كل المواقع التي تظهر في الفيديو الذي نشره حزب الله، ستكون تحت نيران صواريخ حزب الله.
وتتعلق الرسالة الثانية بإظهار الضعف الفني للجيش الصهيوني، الذي لم يتمكن حتى من معرفة أن طائرة حزب الله دون طيار، تقوم بعمليات تصوير لمواقع الکيان الحساسة في منطقة استراتيجية مثل حيفا.
وأظهر حزب الله أنه قادر على تنفيذ معادلاته الخاصة بالصراع مع الکيان الصهيوني، بحيث إذا أرادت “إسرائيل” اختراق سماء لبنان، فإن حزب الله يخترق سماء فلسطين المحتلة بشكل أعمق.
والرسالة التالية تتعلق بإظهار القدرة الاستخباراتية والمعلوماتية للمقاومة اللبنانية، بحيث إن الجيش الإسرائيلي غير قادر حتى على رصد أدوات حزب الله الاستخباراتية، ناهيك عن اعتراضها وإسقاطها.
لقد أظهرت المقاومة اللبنانية أن مجموعة الأهداف المحددة في فلسطين المحتلة، تضم منشآت حيوية واستراتيجية للكيان الصهيوني، والتي يمكن لأي استهداف لها أن يصيب هذا الکيان بالشلل التام.
ويعتقد الخبراء أن فيديو حزب الله المذكور، يحمل أيضًا رسالةً تهدف إلى زيادة عدم ثقة المستوطنين الصهاينة تجاه الجيش الإسرائيلي، ليعلم الصهاينة أن جيشهم، على عكس ما يزعمون وعلى الرغم من الدعم اللامحدود من أمريكا، ضعيف جداً.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن المستوطنين والدوائر والخبراء والمؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية التابعة للكيان الصهيوني، يواجهون تطوراً مفاجئاً لم يشهدوه من قبل.
ومن المؤكد أن عملية حزب الله هذه، سيكون لها تأثير نفسي سلبي ومدمر للغاية على الصهاينة، وعلى السلطات السياسية والعسكرية لهذا الکيان، أن تأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار في حساباتها القادمة لأي حرب واسعة النطاق، وبالتالي فإن خياراتها محدودة للغاية.
وبالإضافة إلى النتائج الرادعة التي تحملها هذه العملية الاستخباراتية التي قام بها حزب الله للبنان، فإن هذا الحدث يساعد أيضاً في تعزيز وترسيخ موقع المقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويدرك الصهاينة أن عواقب قاتلة تنتظرهم إذا سعوا إلى توسيع الحرب على أي من الجبهات.
المصدر/ الوقت