التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, مارس 18, 2025

الذكرى السادسة والأربعين للثورة الإسلامية في إيران 

سياسة ـ الرأي ـ
تحتفي الجمهورية الإسلامية الايرانية بالذكرى السادسة والأربعين على قيام الثورة الإسلامية، هذه الثورة التي فجرها الشعب الإيراني عام 1979م بقيادة الإمام الراحل آية الله الخميني الذي كان يبث خطاباته الروحية الحماسية من باريس كقائد تاريخي لأحد أهم الثورات في التاريخ المعاصر.

ولن نتطرق في سياقنا التالي إلى إرهاصات الثورة وأسبابها ووضع إيران الملكية قبل ذلك التاريخ ولكننا نكتفي بالقول إن إيران كانت تسمى “شرطي” الولايات المتحدة في المنطقة، وكانت السفارة الأميركية تقع على مساحة كبيرة في قلب العاصمة طهران ومع قيام الثورة قامت مجموعة من الطلاب الثائرين بالسيطرة على السفارة معلنة أن أولى مراحل الثورة هو التخلص من التبعية للقوى الاستعمارية ودخول عهد جديد يقوم على الاستقلال الوطني والاعتماد على الذات في تطوير البلاد.

لقد اعتمدت إيران على استثمار ثروات البلاد لصالح الشعب الإيراني والدفاع عن مصالح الوطن الاستراتيجية والسعي لتطوير البلاد صناعيا وعسكريا لبناء جيش قوي قادرا على صد التهديدات الخارجية وكذلك في بعض المجالات الأخرى مثل التكنولوجيا النووية والطب والأسلحة البالستية، كل تلك التطورات بنيت على قواعد سياسية متينة ومرجعية نظام قوي حافظ على حالة من الثبات والصمود في وجه الضغوطات الخارجية والعقوبات الدولية طوال 46 عام، بل طوعت إيران تلك العقوبات فوصلت إلى مرحلة متقدمة من العلوم نافست بها على الصعيد الدولي، ومع تزايد مستوى الضغط الذي وصل إلى مرحلة التهديد بتوجيه ضربات عسكرية بقيت إيران على نهجها الثابت المقاوم دون تفريط في مساراتها الاستراتيجية لتقدم نفسها ضمن القوى الصاعدة على الساحة الدولية، وفي المفاوضات النووية مع مجموعة 5+1 قدمت إيران نموذجا استثنائيا في سياسة النفس الطويل وأجبرت تلك القوى على الجلوس معها لتوقيع اتفاقية نووية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بتمهيد اطاري في العاصمة العمانية مسقط.

لقد قدمت إيران نموذجا دوليا فتحولت من بلد تحكمه الارادة الخارجية إلى بلد ينطلق سريعا في مجالات التطور والنمو تحكمه الأرادة الوطنية رغم المحطات الصعبة التي مرت على الثورة ولكن قوة النظام الجمهوري ومؤسساته الحصينة مثل مؤسسة تشخيص مصلحة النظام ولجنة صيانة الدستور وقدرات جيشها وحرسها الثوري وقوة الباسيج وأسلحتها الاخرى ووعي شعبها والتزامه مع مرجعيته الفقهية فوظفت أوراقها القوية في خدمة مصلحة الجمهورية، مما جعل من نظامها الجمهوري ثابتا لا يتزعزع ثم آلت مرجعيتها وقيادتها بعد ذلك إلى الامام السيد على الخامنئي لاستكمال انطلاقها نحو المنافسة في نادي القوى العالمية ووصلت إلى غزو الفضاء عبر برامجها الفضائية وتشكيل قاعدة وطنية من العلماء الإيرانيين في مجالات الفضاء والطب والذرة ووصلت في مجالات التصنيع إلى مستويات متقدمة في مختلف مجالات التصنيع والتكنولوجيا النووية والصواريخ البالستية العابرة للقارات، وهكذا عندما تمتلك الدول إرادتها الوطنية وتسخر مواردها لخدمة شعبها فوصلت إيران إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي رغم استمرار وتنوع العقوبات الأميركية والدولية عليها.

وتخطت إيران كل المحطات بسلام مؤكدة على قوة الجمهورية وقوة النظام في مواجهة الأزمات، ومازالت القوى المعادية تعول على إضعاف إيران من الداخل إلا أن ذلك أصبح أمرا مألوفا واكتسبت إيران من تجاربها السابقة مناعة تامة، إذن إيران تثبت قدرتها كدولة مهيمنة اقليميا تتحرك بقوة نحو المنافسة العالمية مسجلة حضورها في نادي الأقوياء.

ويأتي الأهم في الاستراتيجية الإيرانية الذي رسخته إيران الثورة في توجهها ونهجها ورؤيتها الخاصة بدعم قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان حيث تبنت دعم القضية الفلسطينية وارتبطت بها عقائديا مما جعلها على خط العداء مع القوى الاستعمارية بشكل مباشر، لذلك وجهت إيران رسائلها القوية في أكثر من مناسبة لقوى الاستكبار العالمي وكيان الاحتلال الصهيوني في وقت كانت تدرك فيه مستوى قدراتها التي حققت لها خاصية الردع مع تلك القوى ومع الكيان الصهيوني أو “الغدة السرطانية” كما سماها آية الله الخميني، وهذا السلوك والنهج الإيراني في دعم قوى المقاومة شكل لها قاعدة جماهيرية قوية وارتباطا فكريا وعقائديا مع فكرة المقاومة، ومازال الدعم الإيراني لقوى المقاومة يعتبر نهجا رئيسا ضمن أولويات السياسة الإيرانية كما أن الاحداث اللاحقة زادت من نفوذ إيران في المنطقة وأصبحت على تماس مباشر مع حدود فلسطين المحتلة.

لقد أفشلت إيران كل مخططات الاعداء لاشغالها ببعض الأزمات والحروب وفوبيا تصدير الثورة واللعب على الوتر الطائفي والمذهبي وشيطنة إيران وبث روح العداء مع الطرف العربي المجاور الذي استخدم كورقة في مواجهة إيران من خلال تسويق بعض جوانب العداء بين الطرفين وهي سياسة قديمة حديثة للقوى الاستعمارية “سياسة فرق تسد” ومع كل تلك المحاولات تخرج إيران بقوة وحصانة وتقدم في مختلف المجالات، وأخيرا فاجأت إيران العالم بتوقيعها اتفاق مع المملكة العربية السعودية برعاية الصين في اتفاق ياتي على خلاف رغبة القوى الامبريالية التي تزكي الخلاف وتأجيج الصراع والتوترات في المنطقة، مع العلم أن القوى الدولية ذاتها تتجنب مواجهة إيران لادراكها التام بمستوى الردع الذي يتوفر لدى جمهورية إيران الإسلامية وحاولت القوى المعادية لإيران مؤخرا استثمار الحرب الاستخبارية وتوجيه ضربات نوعية دقيقة لعناصر المقاومة التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان ولكن الرد الإيراني دائما ياتي بشكل موجع للاعداء في المكان والزمان المحدد، وهكذا عندما تملك الدول قرارها الوطني وسيادتها وتعتمد على قظراتها وتشكل قاعدة أحلافها وتقف بالندية والتكافؤ ولا تخذلها في وقت الأزمات على عكس بعض الاحلاف والمحاور التي تتعامل بنظرة دونية لحلفاءها المنضوية تحت ارادتها، لذا يحق لإيران بعد ستة وأربعين عاما من قيام ثورتها أن تفخر بما وصلت إليه من عزة وكرامة وتقدم وازدهار.

إيران تمثل واقعا جغرافيا وتاريخيا في المنطقة كقوة اقليمية وهي من المسلمات الأزلية، أما القوى القادمة من وراء البحار والمحيطات فهي حالة مؤقتة وستزول آجلا أم عاجلا، والحفاظ على لغة التفاهم والاتفاق مع الجمهورية الإسلامية في ايران لما له من خير في صالح المنطقة، وبالتالي ينبغي تفعيل لغة الشراكة الاقتصادية والاستثمار والتبادل التجاري وتعزيز التعاون بين الطرفين لتحقيق الخير والتنمية لشعوب لمنطقة عموما.

لقد حققت إيران الثورة نقلة نوعية متقدمة في مختلف المجالات وهي تحتفي اليوم بعيد ثورتها السادس والاربعين لتقدم رسالة للمنطقة والعالم أن الاعتماد على الذات يمثل العزة والكرامة ويجعل الاعداء قبل الاصدقاء ينظرون اليك باحترام شديد.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق