دعوة اوجلان لحزب العمال بالقاء السلاح .. أبعاد وتداعيات
في وقت كانت تركيا تمر فيه بأصعب الظروف السياسية بسبب اخطائها الاستراتيجية في السياسة الخارجية وتخبط حكومة حزب العدالة والتنمية في الداخل على مقربة من الانتخابات المقررة في يونيو حزيران القادم، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان من سجنه في جزيرة ايمرالي في بحر مرمرة مقاتليه إلى اتخاذ قرار استراتيجي وتاريخي بإلقاء السلاح، واستبدال المعركة المسلحة بالسياسية ، وذلك في خطوة يستطيع الرئيس التركي وحزبه استخدامها كرافعة سياسية تنقذهم من احتمال الخسارة في الانتخابات القادمة.
ويأتي إعلان أوجلان بعد زيارة قام بها وفد من نواب حزب ديمقراطية الشعب الموالي للأكراد للقادة العسكريين في حزب العمال الكردستاني في قاعدتهم في جبال قنديل شمال العراق، ثم زيارة أوجالان في سجنه ، وقد أورد أوجلان أيضا سلسلة من عشرة إجراءات يراها ضرورية لإرساء سلام دائم في تركيا والتي تتضمن صياغة دستور جديد للبلاد، وفي رسالة تلاها نائب موال للأكراد، دعا أوجلان حركته إلى تنظيم مؤتمر في الربيع لبحث عملية إلقاء السلاح.
وجاء رد حزب العمال الكردستاني على بيان اوجلان ايجابيا لكنه كان مشروطا حيث قال الحزب تعليقا على خطوة اوجلان ان بيان حسن النوايا كهذا يعتبر أساسا مهما للغاية وفرصة لتطبيق الديمقراطية في الدولة والحكومة وحل المسألة الكردية ومشاكل تركيا الأساسية و يجب أن تتخذ الحكومة خطوات كبيرة وملموسة وأن يكون لها رد سياسي.
وفيما وصف المقاتلون الأكراد في تركيا دعوة زعيمهم المسجون عبد الله أوجلان إلى إلقاء السلاح بأنها تاريخية قالوا إن على تركيا الآن اتخاذ خطوات ملموسة حتى لا تخرج عملية السلام عن مسارها، واضافوا “انه اذا قامت تركيا بتنفيذ التزاماتها فنحن ايضا سنلتزم بالتزاماتنا”.
ويمكن الاستنتاج من هذا التحفظ الذي ابداه حزب العمال الكردستاني على دعوة زعيمه المسجون بأن الحزب يعلم بامكانية ان يكون اوجلان يتعرض لضغوط في سجنه من أجل اتخاذ مواقف تفيد الحكومة التركية على ابواب الانتخابات، وقال حزب العمال الكردستاني في بيانه “إن استغلال زعيمنا لهذا الإعلان التاريخي عن حسن النوايا كدعاية انتخابية سيكون مثالا على الظلم الشديد وانعدام المسؤولية عن شعبنا” واضاف الحزب ” نريد الحديث مباشرة مع اوجلان لضمان تقدم عملية السلام “.
وعلى صعيد الردود “الحذرة” ايضا رحب كمال قليجدار اوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر اكبر الاحزاب المعارضة في البرلمان التركي بنداء اوجلان لكنه قال ان مطالبة اوجلان سلسلة من عشرة إجراءات يراها ضرورية لإرساء سلام دائم في تركيا هي مطلب لكل الذين يريدون الوصول الى دولة ديمقراطية في تركيا.
وفي تعليق على الدعوة قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “ان القاء السلاح مثل تجاوبا هاما بالنسبة إلينا…ولكن علي أن أؤكد أنه على أولئك الذين يتعين عليهم إلقاء السلاح هم أعضاء في هذه المنظمة الارهابية وليس القوات الامنية” ، ومع ذلك فقد حذر أردوغان من أن القادة الأكراد لم يلتزموا بتعهدات سابقة، وقال في مؤتمر صحفي السبت إن “الدعوات طيبة بطبيعة الحال لكن الأكثر أهمية هو التنفيذ، ما مقدار ما سيعكسه التنفيذ على أرض الواقع قبل الانتخابات؟” وأضاف “أتمنى أن يكونوا على قدر أقوالهم”.
ويبدو واضحا من تصريحات اردوغان انه يتحدث بلغة فوقية فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني وانه لايريد اظهار حاجته الى مواقف اوجلان في هذا الوقت الذي بات الاكراد في المنطقة يمتلكون اوراقا رابحة بعد النجاحات التي حققوها ضد تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا، لكن عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم محمد زاهد غل قال إن هناك إرادة صادقة لتحقيق السلام لدى المعنيين بحل القضية الكردية مضيفا بأن الرؤية السياسية لدى حزب العدالة والتنمية والحكومة تتمثل في عملية سياسية شاملة.
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية على دعوة اوجلان وصف الاتحاد الأوروبي الذي تسعى تركيا للانضمام إليه بيان أوجلان بأنه خطوة إيجابية للأمام لكنه شدد على ضرورة قيام الحكومة التركية ايضا باتخاذ خطوات، وقال بيان للاتحاد “نأمل أن ينتهز كل الأطراف الفرصة لإحراز تقدم حاسم باتجاه المصالحة وتطبيق الديمقراطية”.
كما رحب المكتب الإعلامي لمسؤولة الشؤون الخارجية والسياسية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني بدعوة أوجلان أتباعه إلى عقد مؤتمر طارئ في الربيع القادم لاتخاذ قرار تاريخي بالتخلي عن العمل المسلح ضمن مساع لإنهاء الصراع المستمر مع السلطات التركية منذ عام ١٩٨٤ والذي خلف ٤٠ الف قتيل.
ويعتقد المحللون ان الحكومة التركية باتت مجبرة على التجاوب مع المطالب الداخلية وقسم منها هي مطالب الأكراد في تركيا اذا ارادت هذه الحكومة ان لاتخسر الانتخابات القادمة في حزيران وذلك بسبب الأعباء التي حملته هذه الحكومة على الشعب التركي حين اتخذت قرارات خاطئة خارجيا وداخليا تجاه عدة قضايا هامة ومصيرية مثل دعم الارهاب والتدخل في شؤون الآخرين وما شابه ذلك.