التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

أميركا وداعش.. وسياسة استنزاف الشرق الأوسط 

علاء الرضائي /

كثيرون يتصورون أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الاوسط في عهد الرئيس باراك أوباما تعيش حالة من التخبط، هذا التصور ينفخ فيه العديد بشطري الكرة الارضية، لكن المنطلق يختلف بين اهل الغرب منهم واهل الشرق.

 ففي الغرب هذا التصور أو بوجه أدق، هذا النفخ، مجرد لعبة انتخابية وصراع بين حزبين يتقاسمان السلطة، أحدهما يمسك بادارة البيت الأبيض والآخر سيطر على الكونغرس ويهئ لاستعادة أمجاد بوش على جثث قتلانا. 

أما في منطقتنا، فأن الامر مختلف.. لأن حلفاء أميركا بشطريها الجمهوري والديمقراطي، من ملكيات ومشيخات ونظم استبدادية متخلفة، يدارون بهذا المنطق جراحهم وخيبتهم وفشل سياساتهم وتبرير هرولتهم خلف “ماما أمريكا” وهم يرون أن الساحة والنفوذ أصبحت لمنافسيهم والجبهة المقابلة لهم، وانهم أضحوا مخنوقين من جميع الجهات.

 ومع اعتقادنا نحن بأن السياسة الأميركية في خطوطها العامة لا يصنعها أوباما ولا من قبله أو من بعده، بل مراكز الرأسمالية والهيمنة التي تأتي بهؤلاء وآخرين أقل شأنا منهم في عالمنا الاسلامي والعربي، الا ان المشروع الأمريكي في المنطقة واجه تحديات حقيقية وعقبة رئيسية، تمثل في مشروع المقاومة والممانعة وحركة التحرر العربي والاسلامي، رغم كل المكر والخداع وسلطة المال والاعلام التي جييشها الغرب وحلفاؤه في منطقتنا من انظمة البترودولار والعثمانيين وآخرين معلقون بالاذيال! 

نعم، ولابد من الاعتراف بأن أمريكا نجحت في اختراق المنطقة وعقول نخبها وشرائح من شعوبها، لا لأنها قوية وتستطيع فرض ذلك، بل لأن انظمة “ابو رغال” كثيرة بيننا، فلو كان في العرب والمسلمين دولة أخرى مثل الجمهورية الاسلامية لما تحقق لها أي نصر مهما كان ضئيلاً.. ولعادوا كما الافرنجة أجدادهم خائبين أمام رجال شرقنا بكل مكوناته الدينية والمذهبية والعرقية… لكن ماذا نقول لأنظمة تقلد القاتل الأميركي أوسمة ونياشين وترقص معه على أشلائنا في العراق وسوريا وغيرها من الأمصار.

 ان سنوات ما سمي بالربيع العربي الاربع الماضية، كانت بالنسبة لصانع القرار الأميركي وللصهاينة العصر الذهبي في تفتيتنا  وشرذمة شعوبنا، كما كانت ذروة الخيانة عند من أمسكوا بزمام المبادرات العربية المسالمة للصهاينة والمقاتلة لابناء منطقتهم، والذين جلس بعضهم أو وعاظهم على منبر الدين يفتون بكفر هذا وشرك ذاك ويبررون الذبح والحرق ويدعون المستعمرين من “بني الاحمر” لاحتلال ليبيا وسوريا واليمن ولبنان… لأن الدمار الذي حصل خلال هذه السنوات القليلة الماضية وخاصة في بعده النفسي والفكري لا يقارن بعقود وقرون مما شهده تاريخنا على يد دعاة المذهبية والقومية وحكم الأسر والأوليغارشيا. 

ومن هذه التجربة المريرة التي عشناها، أرى ان الاستراتيجية الأمريكية والغربية بشكل عام تقوم حاليا على استنزاف المنطقة نفسيا وروحيا وماديا من خلال الارهاب وخلق جبهات عداء وهمية، لتعميق الهوة بين المكونات وايجاد ما يسمى بالتشظي الافقي وبالطبع يتبع ذلك الشحن والتجييش سباق تسلح يفرغ جيوب الدول ويجعلها في حالة “سلام مسلح” حسب تعبير هنري كيسنجر في كتابه “عالم اعيد بناءه” أو “درب السلام الصعب!” حسب الترجمة العربية.. وعلى أمل هزة أخرى تكون أكثر دماراً تتقاتل فيها الكيانات والدول مباشرة، لتعيد ـ حسب تقديراتهم ـ صياغة واقع المنطقة وفق رؤيتهم المتعثرة بشرق أوسط جديد.

 انهم يراهنون اليوم على أمرين في حرب استنزافهم للمنطقة:

الأول، استمرار الارهاب تحت مسمى “القاعدة” مرة و”داعش” مرة أخرى.. أو تنظيمات جديدة قد تظهر بين عشية وأخرى تكون أشد فتكاً وعنفاً ودمويةً، من أجل ابقاء جذوة الصراع القائم حالياً على أسس دينية ومذهبية.. بمعنى آخر، أسس داخلية تجعلهم بعيدين وكيانهم الغاصب لفلسطين عن تداعياته وتحمل أوزاره، بالعكس تترك لهم مساحة أكبر للمناورة والتدخل كمنقذين كما تحاول بعض الأنظمة العميلة لهم تصوير ذلك، لذلك لا يرون من مصلحتهم أضعاف “داعش” و”القاعدة” وأخواتهما، بل مجرد ترويض لخلق حالة من التوازن المسيطر عليه بين الارهاب ومواجهة الارهاب، من هذا المنطلق تراهم لا يضيقون الحصار على اعلام الارهاب وتمويله ومده بالعدة والعتاد، ويتركون بعض حلفائهم للقيام بالمهمة بشكل أساسي، رغم انهم ينتقدونهم على ذلك، كما حصل مع “جو بايدن” نائب الرئيس الأميركي وتصريحاته ضد الدول الداعمة للارهاب عندما سمى تركيا والسعودية والامارات وقطر ثم اعتذر للجميع قبل ان ينفي اعتذاره!

 ويتدخلون مباشرة أحيانا لانقاذهم اذا دعت الحاجة، كما حصل في اسقاط مؤن وأعتدة وسلاح لداعش  أثناء تطهير محافظة ديالى العراقية وفي معارك الأنبار ومحيط بغداد، حتى بلغ الأمر قصف القوات العراقية “بالخطأ” أكثر من مرة!

 وللخصوصية العراقية وأهمية هذا البلد في نجاح أية استراتيجية أميركية ـ صهيونية ـ اعرابية أو اسقاطها وافشالها، فان الأميركيين يحاولون تعقيد المشهد العراقي اكثر واكثر من خلال تعدد المؤثرات الداخلية وزيادتها في عملية صنع القرار وصياغة الخطاب الوطني، وايضا فتح شهية حلفائهم الاقليميين مهما صغر شأنهم للتدخل في شؤونه وفق مصالحه ومعطيات وضعه وامكانياته.. وتثوير ملفات سياسية وامنية متعددة وصل لحد انشاء وتاسيس فرق واتجاهات دينية مسلحة حاليا أو هي مشروع عنف مسلح قادم.

لذلك أعتقد ان كل الجهود لابد أن تبذل لافشال الاستراتيجية الأميركية في العراق، مع عدم الاغفال عن المواقع الاخرى وخاصة “مخانق” العدو التي استطاعت بعض القوى الثورية والمقاومة في المنطقة السيطرة على بعضها.

 ومن هنا نجد كل هذا التشويه والهجوم الاعلامي والسياسي على الحشد الشعبي العراقي الذي يعتبر مفتاح الحل العراقي القادم والاكسير الذي سيبطل سحر الأميركيين وحلفائهم ومنهم الارهاب.. الحشد الشعبي الذي بدأ يضم الى صفوفه عناصر من جميع مكونات الشعب العراقي، والذي يمكن ان يشكل نموذجاً ثورياً ووطنياً في العديد من بلدان المنطقة.. جيش من المستضعفين هدفهم نفي الظلم والارهاب والتسلط الاجنبي. 

الأمر الثاني الذي يراهن عليه الأميركيون في حرب الاستنزاف، هو الوقت، حيث لا تزال عقلية انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي تسيطر على أغلبهم، رغم فشل سياستهم هذه تجاه ايران وبخاصة ملفها النووي والعقوبات.. فالحديث عن ثلاثين سنة من الحرب ضد الارهاب “الداعشي” ومن قبل نحو 70 دولة منها دول عظمى، وايضاً دعوة الجنرال ديمسي، رئيس هيئة الاركان الأميركية للتروي في قصف التحالف لمقرات وتجمعات “داعش”، وتمنع امريكا والغرب عن دعم القوات العراقية تسليحياً رغم توقيع معاهدة التعاون الاستراتيجي والامني بين الطرفين، وفشل كل هذه الطلعات والغارات الجوية في تحقيق تقدم عسكري ملموس، والامتناع عن تزويد المقاتلين للارهاب الداعشي باسلحة نوعية ومعلومات الاقمار الاصطناعية.. كل ذلك يوحي بان الأمريكي غير مستعجل في القضاء على الارهاب أو حتى لا يريد ذلك، وان هدفه المنطقة بأسرها، حتى الأنظمة التي تعتبر حليفة له.

انهم يريدون اهدار ثروات المنطقة في الحروب والتسلح والاقتتال لتبقى بلداننا سوقاً رابحة لاقتصاداتهم.. 

وهم بحاجة الى الوقت لانشاء جيل جديد، اما أن يكون ارهابياً تكفيرياً متشدداً على غرار ما تنتجه المناهج السعودية واجهزة الدعاية الوهابية والسلفية، أو كافراً بكل القيم يستعدي كل تقاليده وموروثه وعلى استعداد لبيع وطنه سخطاً من التكفير أو ولعاً بقيم استار اكادمي وعرب ايدول وما “تجود” به روتانا وام بي سي واخواتها العربيات.

كما ان تلكؤ العديد من مخططاتهم بفعل صمود المقاومة ووعي جماهيرها يجعلهم بأمس الحاجة الى الوقت، الذي لم يعد بصالحهم نتيجة ضربات المقاومين المتلاحقة في اكثر من موقع.

 وفي هذا الجو العاصف والمغبر بالتآمر والارتهان، فأن كل الأمل معقود على المقاومة وتيار التحرر العربي باعادة البوصلة نحو فلسطين والسهام الى صدور المغتصبين للحق الاسلامي في الاقصى المبارك وما حوله.. تيار هادر يجتاح اوكار التآمر الواحد تلو الآخر ومبشراً بغد أفضل من يومنا النازف…

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق