السعودية: كيانٌ منهارٌ داخلياً ويقامر خارجياً، واستبعاد متعب نموذجاً
إن السعودية التي تتخبط اليوم في سياستها الخارجية، تعيش حالةً من الضعف في إدارة شؤونها الداخلية. فالأسرة الحاكمة أو ما يسمى بالأسرة المالكة، هي مالكةٌ لكل شيء، إلا قدرتها على إدارة شؤون البلاد. فالصراع القائم داخلها ليس بجديد، في ظل كثرة المقدرات، ووجود الجشع والطمع الذي يتصف به آل سعود، كغيرهم من العائلات الحاكمة. وقد تبين الخلاف القائم بعد تدهور الحالة الصحية للملك الراحل عبد الله، في ظل الحديث الذي ساد عن التغييرات في هيكلية العائلة الحاكمة. وقد يكون من أهم الأمور التي يجب الوقوف عندها، إبعاد الأمير متعب عن توليه ولاية العهد. فماذا في حقيقة إبعاد الأمير متعب؟ وكيف يمكن فهم السياسات التي اتسمت بها السعودية على مر عهود حكامها؟
أولاً: حقيقة إبعاد الأمير متعب:
ما يجري على الصعيد السعودي الداخلي، ليس سوى نتائج لوضعٍ سياسيٍ قائم، يسود العائلة الحاكمة. ويمكن اختصار حالة عدم الثقة الموجودة داخل هذه العائلة، وبالخصوص موضوع انتقال السلطة، من خلال ما نقلته صحيفة الشروق مؤخراً، عن الكاتب البريطاني ديفيد هيرست، والتي وصف فيها حال الصراع حين تدهورت صحة الملك عبد الله. حيث نقلت عنه قوله، إن تدهور صحة الملك عبد الله في 31 ديسمبر الماضي أدى الى الحيلولة دون أن ينفذ خطة عزل أخيه الملك الحالي سلمان من موقع ولي العهد، واستبداله بالأمير مقرن بن عبد العزيز، مما كان سيسمح لابنه الأمير متعب بأن يصبح ولي وليّ العهد. ونقل هيرست في مقاله “المكائد المحمومة في الساعات الأخيرة من حياة الملك عبد الله” والذي نشره في صحيفة “هافنجتون بوست الأمريكية”، عن مصادر سعودية، قولها إن تدهور حالة الملك التي أدت الى وفاته بدأت بإصابته بنزيف داخلي شديد، وليس بالتهاب رئوي، مشيراً الى أن هذا التدهور حال دون عقد اجتماع في روضة خريم (بالقرب من الرياض) بين السيسي وأمير قطر بهدف تحقيق المصالحة بين البلدين. وأضاف هيرست أن الملك عبد الله كان ينوي اتخاذ قرارات بعد عقد هذا الإجتماع، كان إبنه متعب ورئيس ديوانه خالد التويجري يحثانه على اتخاذها منذ زمن، مشيراً الى أن هذه القرارات كانت ستتضمن انتقال السلطة الى ابنه حينما ينتقل العرش الى الأحفاد من ذرية الملك المؤسس. لكن هيرست أشار الى أن ” انهيار الملك المفاجئ أصاب معسكر التويجري بحالة من الهلع ، الأمر الذي دفعهم لبذل كل ما في وسعهم لإخفاء الوضع الصحي للملك عبد الله عن أخيه سلمان حتى إنهما حاولا منعه من دخول غرفة الملك في المستشفى”.
ومع رحيل الملك عبد الله اتجهت أقلام كثيرة في السعودية إلى تصوير السلاسة التي تمّ من خلالها نقل السلطة، ثم التركيز أكثر على الأبعاد التي حملها تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد الأمير مقرن. وكان الدافع وراء قراءة هذا المتغيّر هو تحديد اتجاه تشكل السلطة السعودية للسنوات القادمة. وقد اعتبر أغلب المحللين أن العمود الفقري للسلطة السعودية أصبح بيد السديرية من عائلة آل سعود. ولا سيما بعد أن حمل تعيين الرئيس الجديد للحرس الوطني كفاً ليد الأمير متعب ابن الملك الراحل وإن بقي وزيراً لهذا الحرس حتى الآن.
ثانياً: مراجعة لسمات السياسة السعودية:
إن ما يجب الإلتفات إليه هو أن السعودية التي تعتبر نفسها دولةً محورية في المنطقة، لم تتبع يوماً سياسة استراتيجية واحدة. بل كانت سياساتها رهينة مصالحها الخاصة، والتي كانت تأتي نتيجة الصراع السعودي الداخلي. فكانت كلمة الأقوى تنجح في فرض شروطها، وتحديد السياسة الخارجية للسعودية. وبالتالي فإن الصراع الداخلي كان دائماً سمة السعودية، مما جعلها بعيدةً كل البعد عن الحكمة في التعاطي مع الملفات الخارجية.
وهنا يجب الإشارة الى الفوارق بين السياسات، والتي كانت بحسب العهد الحاكم. فعلى سبيل المثال، ثمة فارق واضح في السياسة الخارجية السعودية بين عهدَيْ الملك فيصل والملك فهد. ولكن الفارق الأشدّ بروزاً كان في عهد الملك عبد الله نفسه، لا سيما من ناحية الموقف من القضية الفلسطينية والمقاومة وحصار قطاع غزة والعلاقات بالكيان الإسرائيلي أو الموقف إزاء حروب العدوان الإسرائيلي، في عهده، على لبنان 2006 وقطاع غزة 2008/2009 و2012 و2014. ففي هذه المرحلة إنحنت السعودية للهجمة الأمريكية بامتياز،وتمّ التخلي عن سورية. مما أدّى إلى إعادة اصطفاف جديد للمحاور نجم عنه تشكل محور المقاومة والذي ترأسته إيران، وتضمن سورية المقاومة اللبنانية والفلسطينية بشكلٍ خاص. لكن مبادرة السلام العربية أحدثت تغييراً استراتيجياً في الموقف السعودي التقليدي منذ تأسيس المملكة السعودية. وذلك من خلال التعهد بالإعتراف العربي بالكيان الإسرائيلي، إذا ما قامت الدولة الفلسطينية في حدود 1967 وتم الإنسحاب من الجولان. وكان ذلك تبرعاً مجانياً رحبت به الحكومات الإسرائيلية من جهة وتحفظت على شرطيه من جهة أخرى. وبالتالي فإن مبادرة الملك عبد الله للسلام مع الكيان الإسرائيلي شكلت نقطة انعطاف في السياسة الخارجية السعودية، لحقها ما جاء من مواقف لما سمي بمحور الإعتدال العربي، وفي مقدمته السعودية ومصر، والتي شكلت أيضاً تغييراً سلبياً لم يسبق له مثيل في تاريخ السعودية إزاء التعامل مع الحروب العدوانية الإسرائيلية. فالخطيئة التي ابتدأت بمشروع مبادرة السلام العربية، وما تلاها من المواقف من حركات المقاومة ومن علاقات بالكيان الإسرائيلي، شوهت صورة السعودية.
إذاً إن السعودية التي لا تملك مقومات أن تكون قوةً إقليمية، لا تستطيع أن تفرض شروطاً في المنطقة. فالأحرى بها أن تتفرغ لترتيب بيتها الداخلي الذي لا شك أنها سينهار عاجلاً أم آجلاً. وهنا لا بد من الإشارة من باب ذكر الحقائق وليس المفارقة، الى إيران التي طالما تسعى السعودية لإضعاف دورها. فالفرق شاسعٌ بين الطرفين. إذ لا يمكن الرهان على السعودية التي لم تعد تعتبر قضية فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى، في الوقت الذي تدعم إيران وبالعلن القضية الفلسطينية والشعوب العربية، وتعتبر الكيان الإسرائيلي العدو الأول للأمة. لأن من تعهد بالإعتراف بدولة الكيان الإسرائيلي مقابل انسحابها من أراضٍ احتلتها في عدوان 1967، لا يستحق أن يكون على رأس إدارة الشعوب في المنطقة. وعلى كل حال، فقد فات الأوان، وقد تصبح السعودية قريباً من الماضي، في الوقت الذي تصنع فيه إيران، مستقبل الأمة العزيز. وهنا على الذين يراهنون على السعودية، من دولٍ وتحالفاتٍ، أن يعرفوا أنهم حتماً يقامرون.