التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

كيف سيدخل العالم الغربي والعربي، الي سوريا من جديد، عبر البوابة الإيرانية 

في ظل الحديث عن التغيرات الحاصلة على الساحة الإقليمية، إنطلاقاً من الحدث الأهم وهو التطور في الأزمة السورية، فاليوم أصبحت دمشق محجاً سياسياً للعديد من الدبلوماسيات الأوروبية، الباحثة عن دورٍ جديد لها في المنطقة. ولعل السبب الرئيسي في هذا التطور هو ذاته ما كانت قد راهنت عليه إيران منذ زمن، أي ما يتعلق بضرورة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد. فإيران، صاحبة الحنكة السياسية، والمتربعة على عرش المنطقة اليوم، تقطف ثمار سياستها الناجحة في إدارة الملفات الخارجية. ففي الوقت الذي راهنت فيه أمريكا وأدواتها التنفيذية في المنطقة على تنظيم داعش الإرهابي، راهنت إيران ومحور المقاومة، على الرئيس الأسد، وها هي اليوم تكسب الرهان. فماذا في التغيرات الحاصلة في التعاطي الغربي مع الأزمة السورية؟ وما هي دلالاتها السياسية؟

منذ بدء الأزمة السورية سارعت بعض الدول الأوروبية إلى قطع علاقاتها مع دمشق. فرنسا أغلقت سفارتها، لحقتها بريطانيا وبولندا وفنلندا وبلجيكا وكندا وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا سحبت سفراءها. أما اليوم، فيما تتمسك فرنسا وبريطانيا برفضهما إقامة المزيد من التواصل مع دمشق، تأتي الدعوات لإعادة فتح العلاقات مع دمشق، من جهات عديدة، وقد تدعمها دول مثل السويد والدنمارك ورومانيا وبلغاريا والنمسا واسبانيا، هذا بالإضافة إلى النرويج وسويسرا وهما من خارج الاتحاد الأوروبي .

فما تشهده أروقة الإتحاد الأوروبي من أحاديث خاصة قد يكون أكثر دلالة مما يعلن رسمياً خصوصاً في ظل التطورات الحاصلة على الساحة السورية. تقارير نقلت عن دبلوماسيين أن بعض دول الإتحاد، باتت تتحدث عن الحاجة للتواصل مع الحكومة السورية. فالعزلة التي أرادت فرضها دول الإتحاد الأوروبي على دمشق أفقدتها عيونها في الميدان. في الوقت الذي تواجه فيه هذه الدول، تهديداً أمنياً يمثله ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف مقاتل أوروبي في سوريا، قد يعودون في أي وقت إلى بلادهم .

على صعيدٍ متصل، لم يكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يفصح عن استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، حتى صرحت نظيرته الأوروبية فيديريكا موغيريني، معلنةً أن الاتحاد الأوروبي فوَض ممثلين للأسد. فقبل أسابيع قليلة، كان أحد المسؤولين البارزين في وزارة الخارجية السورية يتحدّث في العاصمة السورية دمشق، أمام عدد من الإعلاميين، عن إتصالات تجريها الدول الأوروبية ببلاده. حيث أكّد أن العديد من البعثات من أجهزة استخبارات أوروبية تأتي إلى دمشق، طالبة تعاوناً أمنياً في مجال مكافحة الإرهاب، وأن المسؤولين السوريين يردون بأن التعاون الأمني محصور بالدول التي تملك تمثيلاً دبلوماسياً في دمشق .

قد يكون صحيحاً، أن التصريحات الصادرة، بالغة الدلالة في الإشارة إلى ما وصلت إليه أولويات الغرب حالياً في المنطقة. يبدو أن الهم الذي يشغل بال الدول الغربية، يتقاطع مع همِّ النظام السوري. لذلك يمكن اعتبار ما يجري، انعكاساً لتأثر كل منها بالخوف من خطر الجماعات الإرهابية التي نمت خلال السنوات الأربع الماضية في سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها من الدول العربية .

في المقابل، لم تُظهر دمشق أي اهتمامٍ كبير بالمواقف الأمريكية والأوروبية المستجدة. فالرئيس بشار الأسد، قال في تصريح للتلفزيون الإيراني: “مازلنا نستمع إلى تصريحات، وعلينا أن ننتظر الأفعال وعندها نقرر”. وأضاف الأسد: “لا يوجد لدينا خيار سوى أن ندافع عن وطننا. لم يكن لدينا خيار آخر منذ اليوم الأول بالنسبة إلى هذه النقطة”، لافتاً إلى أن “أي تغيرات دولية تأتي في هذا الإطار هي شيء إيجابي إن كانت صادقة وإن كانت لها مفاعيل على الأرض”. وشدد الأسد على أن هذه التغيرات يجب أن “تبدأ أولاً بوقف الدعم السياسي للإرهابيين ووقف التمويل ووقف إرسال السلاح والضغط على الدول الأوروبية وعلى الدول التابعة لها في منطقتنا التي تقوم بتأمين الدعم اللوجستي والمالي وأيضاً العسكري للإرهابيين “.

لكن ما يجب الالتفات له يتعلق بوضوح الاختلاف الغربي حول الأزمة السورية. فأمريكا التي كانت المايسترو السياسي في المنطقة، أصبحت اليوم محرجةً أمام حلفائها. فكلام كيري الذي واجهته موجة غاضبة من ردود الأفعال على ألسنة حلفائه، يدل على ضعف موقف البراغماتية الأمريكية اليوم. فوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ندد بتصريح نظيره الأمريكي، متسائلاً عن “أي مفاوضات ستجرى مع نظام قتل أكثر من ٢٠٠ ألف شخص واستخدم أسلحة كيميائية” حسب تعبيره. أما فرنسا، فنددت بكلام كيري على لسان رئيس حكومتها مانويل فالس ووزير خارجيتها لوران فابيوس. فالأول عبّر عن أسفه لتصريحات كيري. أما الثاني، فجدّد رفض أي تفاوض مع الرئيس السوري .

صحيحٌ أن الأطراف الغربية وبالتحديد الأوروبية، تجد في التقرب من الرئيس الأسد اليوم، أمراً واجباً، بالرغم من موقف فرنسا وبريطانيا، إلا أن الواضح هو حالة التقهقر في المعسكر الغربي والعربي الذي تتزعمه أمريكا. وبالخصوص لجهة عدم قدرة الأمريكي اليوم علي الخروج بسهولةٍ من الإحراج الذي وجد نفسه فيه، في ظل تبدل الموازين السياسية الإقليمية في المنطقة. وهنا تجدر الإشارة الى أن إيران وحدها استطاعت كسب الرهان في المنطقة. واليوم تجني نتائج صحة رؤيتها وحكمتها السياسية. لذلك علينا أن ننتظر الأيام لتجيب على السؤال التالي: هل سيلجأ العالم الغربي والعربي لإيران، من أجل طرق الباب السوري من جديد؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق