أهمية حركة أنصار الله في اليمن
المجتمع اليمني هو خليط معقد من الانقسامات والثغرات القبلية والطائفية والدينية التي تشكل الحياة السياسية المضطربة لهذا البلد وبيئة النهضة الإسلامية. ومثل الأجزاء الأخرى من العالم العربي، بدأت الإسلاموية الشعبية في كل من شمال وجنوب اليمن في السبعينات. وفي هذه الفترة ظهر نوع من الإحيائية الإصلاحية التي كان هدفها خلافاً للمؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية، زيادة التقيد بالقواعد والإجراءات الدينية. ولكن نظراً للانقسامات الاجتماعية والطائفية في المجتمع اليمني، لم تكن مظاهر الإسلاموية هذه متكاملة وموحدة .
ومنذ ظهور الزيدية في القرن التاسع، كانت هذه الطائفة توجه من قبل القادة الذين يتمتعون بالشعبية مثل الإمام يحيى الذي قاتل الأتراك العثمانيين من أجل الاستقلال. والأئمة الزيدية الذين حكموا الأراضي اليمنية لمدة أربعة قرون، وقفوا بمفردهم ضد موجة القومية العربية الأيديولوجية التي ظهرت في الخمسينات والستينات، أمام كل التحديات الكبيرة مثل الإمبراطورية العثمانية وكذلك التوسع السعودي؛ على الرغم من أنه في الحروب السعودية اليمنية، تم عزل ثلاث محافظات شمالية وهي جازان، نجران وعسير من اليمن. وأخيراً مع انهيار الإمامة في عام ١٩٦٢، تم إضعاف الدور والمكانة السياسة للزيدية في اليمن، وخلال الحرب الأهلية اللاحقة تلاشى هذا الدور بشكل أكثر .
مع ذلك أثرت حركة الحوثيين (أنصار الله) لعدة سنوات علي أجواء اليمن ومنطقة شبه الجزيرة إلى حد ما. وقد بدأت هذه الحركة نشاطها في حين يبدو أن العوامل الخارجية والداخلية قد شاركت في إنشائها. وبالإضافة إلى ذلك فإن التعاليم الدينية الزيدية كانت مؤثرة في تشكيل هذه الحركة. وخوف أمريكا والسعودية من تشكيل حركة أصولية في اليمن مثير للتأمل. من ناحية أخرى، إن النزاعات مع الحكومة اليمنية التي أدت إلى نشوب ستة حروب مع الحركة بين عامي ٢٠٠٤ و ٢٠١٠، خلقت أزمة داخلية في اليمن، الأمر الذي فاقمه تدخل الجهات الغربية والإقليمية .
استمرار النزاع بين أنصار الله والحكومة اليمنية تحول إلي موضوع هام في المنطقة، ونظراً لطبيعة الحركة وتهديد الموقع الاستراتيجي لليمن، أثار قلق الحكومات الإقليمية والدولية . الصراع الحوثي مع الحكومة المركزية صراع متعدد الأوجه وواسع النطاق. الخلافات حول القضايا الاقتصادية والبنية التحتية والتقسيمات الإدارية، تأثير السلفية في اليمن وخاصة في شمال البلاد، هي من جملة القضايا التي ضاعفت المشاكل في العلاقة بين الجانبين. ولهذا السبب وعلى الرغم من أن بعض المراقبين قد ربطوا الصراع بالخلافات بين علي عبد الله صالح والحوثيين، ولكن مع رحيل صالح لم يحدث تغيير كبير في العلاقة بين حركة الحوثيين والحكومة المركزية، ومعظم التطورات في هذا المجال كان بسبب توجّه الحوثيين للمشاركة في عملية بناء الدولة في اليمن الجديد .
لقد تركت أنصار الله تأثيرات كبيرة في المجالات المحلية والإقليمية. وكانت الحكومة اليمنية أيضاً تنظر دائماً إلي الحركة باعتبارها منافساً قوياً، وقررت قمعها أو تسوية الأزمة الداخلية في اليمن بحيث تحد من قوة ومكانة الحوثيين الكبيرتين. ولكن تجاهل الحكومة اليمنية لمطالب وأهداف هذه الحركة أدي إلي إطالة هذه الأزمة الداخلية. وفي الواقع إن إحدي العقبات الرئيسية أمام حل الأزمة في العلاقات بين الحكومة وأنصار الله، كانت المقاربة الأمنية للحكومة وعدم قبولها لمشاركة وتعاون الحركة في إدارة البلاد .
وفي المجموع إن الطابع الشيعي لهذه الحركة وأهميتها الإقليمية والجيوسياسية وكذلك خشية دول المنطقة من مجيء حكومة شيعية أخرى في المنطقة، قد أثار مخاوف الحكومة اليمنية ودول المنطقة بما في ذلك السعودية علي حد سواء. ولهذا السبب فهي تحاول من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، كبح جماح هذه الحركة. وبالإضافة إلى ذلك فإن قطع الاعتماد على القوى الأجنبية، ودعم المحرومين والمستضعفين وتطبيق الأحكام الدينية في المجتمع، والتي كانت من المطالب الرئيسية لحركة أنصار الله خلال نشاطها ، قد ضاعفت مخاوف الحكومة اليمنية وبعض الدول الإقليمية والدولية حول دور ونفوذ أنصار الله في اليمن والمنطقة .