السعودية تشعل المنطقة بحروب طائفية
بعد أن أحرقت السعودية نفسها في نار الإعتداء العسكري على اليمن، تحاول توصيف الواقع السيء الذي تعيشه من خلال التحريض على الفتنة المذهبية. فالسعودية التي حاولت بناء تحالفٌ عربيٍ إسلامي من دولٍ يمكن القول أن خلفيتها المذهبية واحدة، من أجل إظهار التحالف على أنه تحالفٌ سني، لم تنجح في حشد جميع تلك الدول. والهدف السعودي كان ومايزال كالمعتاد، توحيد الصفوف ضد إيران. وهكذا يبدو المشهد في المنطقة، وهو ما تسعى السعودية له، صراعاً بين السنة والشيعة. لذلك جندت السعودية وسائل إعلامها، لترويج لهذا المشهد الفتنوي. وكان آخر ذلك ما تنشره الصحافة ووسائل الإعلام السعودية، عن مقالاتٍ وأخبارٍ تحاول فيها اتهام إيران والحديث عن مسؤوليتها في خراب اليمن. ولأنه لا داعي للغوص في ما تقوله هذه الأكاذيب، فالشعب العربي والعالم بأسره أصبح يعرف حقائق الأمور، لا بد من تسليط الضوء على بعض الحقائق المتعلقة بمسؤولية السعودية في خراب اليمن، وكيف استطاعت إيران بسياستها الذكية، فضح هذا الدور التخريبي.
أولاً: حقائق بأقلام غربية، حول الدور التخريبي للسعودية في اليمن:
تحدث الكاتب ألكس فاتنكا في مقال له، نشر في مجلة “Foreign Affairs” الأمريكية في شهر مارس ٢٠١٥، أنه ومنذ عام ٢٠١١، بدأت الأوضاع السياسية تتدهور في اليمن، وبالتحديد بعد المبادرة الخليجية لنقل السلطة، وإنهاء الصراع المسلح. فهذه المبادرة بحسب رأيه لم تطرح إصلاحات سياسية حقيقية، واستبعدت عددًا من التيارات داخل الدولة، ومن بينها حركة أنصار الله. وبحسب رأي الكاتب فإنه وعلى الرغم من ترك علي عبدالله صالح – المدعوم من السعودية سابقاً – للسلطة في (فبراير ٢٠١٢)، فإن ذلك لم يُسهم في تحسين الأوضاع الداخلية، بل أعقبه تزايد في حالة الاستقطاب داخل المجتمع اليمني المنهار، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية. واستمرت حالة عدم الاستقرار في اليمن وصولاً إلى نهاية عام ٢٠١٤. ويضيف الكاتب شارحاً أنه قد نظرت العديد من الدول، وعلى رأسها دول الخليج الفارسي، إلى ما قام به الحوثيون في (يناير ٢٠١٥) من إجبار للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالخروج من العاصمة وتقديم استقالته على أنه تعبير عن بسط إيران لنفوذها في المنطقة، وأن اليمن بذلك قد وقع تحت السيطرة الإيرانية. لكن بحسب رأيه فإن ذلك ضعفٌ في توصيف الحقائق. فعلى الرغم من أن إيران وجدت في ذلك فرصة لتوطيد علاقتها مع اليمن، فإن سياستها تجاهها في تلك الفترة قد غلب عليها الطابع الأيديولوجي. ولقد تجلى ذلك في بداية التسعينيات عندما قامت إيران باستقبال الطلبة الحوثيين على أرضها، وبالتالي فإن دعم إيران الأيدلوجي إذا صح التعبير، كان في إطار مساعدة اليمن وشعبه قدر الإمكان دون التدخل في الشؤون الخاصة.
ولكن يرى الكاتب أن الدعم الإيراني الفعلي لليمن وعلى كافة المستويات، يُعد تطورًا حديثًا نسبيًّا في السياسة الخارجية الإيرانية، بدأ مع الحروب الستة التي خاضها أنصار الله والشعب اليمني ضد نظام علي عبد الله صالح حينها، أي منذ عام ٢٠٠٤ إلى عام ٢٠١٠. فيما كانت السعودية تتدخل ومنذ زمنٍ بعيد بالسياسة الداخلية لليمن، وقد ساهمت في تأجيج الصراعات اليمنية الداخلية، خاصةً في ظل الحرب الأهلية في اليمن في عام ٢٠٠٩ والتي امتدت إلى الأراضي السعودية .ويشير الكاتب الى أن تعاظم دور أنصار الله داخل الدولة ليس نتاجًا لما تدعيه دول الخليج الفارسي، أي التدخل الإيراني، وإنما جاء نتيجةً للتحالف بين أنصار الله وبعض الجيش اليمني الذي ما يزال على علاقة جيدة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ثانياً: قراءة تحليلية:
إن ردة الفعل السعودية هي كالمعتاد، تعبيرٌ عن حالة الضعف والوهن الذي تعيشه دولة آل سعود المنهارة. فالإعتداء العسكري على اليمن والذي ظنت السعودية أنها تستطيع من خلاله إظهار حالةٍ من التحالف معها في وجه ما يمكن وصفه بالتعاظم الإيراني، لم يلقى ما كانت تتأمله السعودية من نتائج. وهنا نوضح التالي:
– ليست كل الأطراف المشاركة في الحرب السعودية على اليمن، مؤيدة للسياسة السعودية. وليس صحيحاً أن ثقةً موجودة تجمع هذه الأطراف. فدولة قطر تسعى لإضعاف الدور السعودي في المنطقة. وهذا الأمر ليس بجديد بين دولتين معروفٌ حجم إختلافاتها حتى العقائدية. ومن ناحية أخرى فإن الغزل المصري المرحلي للسعودية، ناتجٌ عن حاجة مصرية للمال السعودي، وهذه الحقيقة رسخها مؤتمر شرم الشيخ مؤخراً. كما أن سلطنة عمان بقيت على الحياد وكذلك الجزائر. لذلك فإن السعودية لم تنجح في حشد القوى ضد إيران. فالدول اليوم وبالتحديد العربية، وإن استخدمت النفاق السياسي في العلاقات بينها، تعرف حقائق الأمور. وتدرك جيداً أن ما بينها ليس إلا مصالح مشتركة غير ثابتة، وموضوعة رهن التغيرات. والتي قد يفاجأ فيها اللاعب الأمريكي الجميع. فهو الأعرف بقدرة إيران الحقيقية. مما يجعلهم رهن مستقبلٍ مجهول المصير، لا حول ولا قوة لهم فيه، فهم يميلون مع الأحداث، ولا يصنعونها.
– أما إيران فهي لا تسير إلا كما تريد. وليست رهن أحدٍ أو تحت أمر أحد. وما الجنون الخليجي الذي أصبح اليوم يرى في إيران عدواً له، إلا تعبيرٌ عن حقيقة أن هذه الدول الخليجية تقف مع الكيان الصهيوني في الخط نفسه. فإيران وكما أشرنا في السابق، إستدرجت الجميع لمعركة الأوجه الحقيقية. وما زاد هذه الدول جنوناً، أنها وجدت نفسها في الفخ الإيراني، كما سيدها الأمريكي، وأصبح الطرفان يتغازلان بعد أن رضخا للواقع الجديد. فكانت ردت الفعل السعودية، بالإعتداء على اليمن، والتي أظهرت حقيقة أن هذه الدول التي لم تطلق رصاصة على الكيان الإسرائيلي يوماً، كانت تتاجر بالشعوب والقضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ولذلك يمكن وصف حال هذه الدول اليوم، بالذي وجد نفسه مفضوحاً على حقيقته، وأصبح الجميع يراه كاذباً لا يمكن الوثوق به أو حتى الإستماع له.
إذاً ليست الأمور في ظاهرها المعقد إلا تعبيرٌ عن حقائق لم تعد معقدة. فالجميع اليوم يقاتل على حقيقته. هو الصراع بين الصهيونية بوجهيها الأمريكي والخليجي، في مقابل اللاعب الإيراني الذي أدخل الصهيونية في داومة أزمة الوجود المقلق. وإن كان للعرب شرفٌ ينادون به، فإيران هي التي حفظته. فأين تلك النخوة العربية التي باعها أسياد العرب للأمريكي بسعر النفط المتقلب مع الظروف السياسية؟ ومتى ستسفيق الشعوب العربية، لتعرف أن شرفها لم يحافظ عليه ملكٌ أو أمير خليجي ورث منصبه، بل حافظت عليه دولةُ إسمها إيران، يحكمها أسيادٌ هم أحفاد أشرف البشر؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق