الحرب على اليمن مصيدة دموية للسعودية
عبدالباري عطوان /
ذكرني العميد الركن أحمد عسيري المتحدث باسم “عاصفة الحزم” بنظيره الأميركي أثناء الهجوم على أفغانستان في تشرين الأول (اكتوبر) عام 2001 عندما قال “إن قوات التحالف تسيطر على كامل الأجواء اليمنية، وستكثف الضغط على الحوثيين خلال الأيام المقبلة، ولن يكون هناك مكان آمن لهم”.
فالمتحدث الأميركي قال قبل حوالي 14 عاماً، الشيء نفسه تقريباً، وأكد أن الطائرات الأميركية باتت تملك اليد العليا في أفغانستان، بعد أن دمرت كل الدفاعات وسلاح الجو الطالباني.
حركة طالبان، مثل نظيرتها الحوثية، لا تملك سلاح طيران، ولا دفاعات جوية، وكل ما تملكه مثلما قال لي شخص مقرب من الجنرال جلال الدين حقاني (وزير الدفاع الأفغاني الذي انضم إلى طالبان لاحقاً) إلتقيته في “جلال آباد” في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1996 إن سلاح الجو الأفغاني يتكون من حوالي 14 طائرة من نوع “ميغ 17” السوفيتية التي جرى تصنيعها قبل الحرب العالمية الأولى، وجميع هذه الطائرات المتهالكة غير قادرة على الطيران باستثناء 4 طائرات فقط، لعدم وجود قطع الغيار، والطيارين القادرين على قيادتها، أما الطائرات الأربع الصالحة للطيران، فإنها إذا طارت فإنه من المحتمل أن لا تعود مطلقاً وتسقط لوحدها.
***
التحالف الخليجي – العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية أرسل 185 طائرة للمشاركة في الغارات التي شنها ضد الحوثيين وحلفاءهم منذ اليوم الأول، وهي من أحدث الأنواع مثل “اليوروفايتر” والأميركية من نوع “إف 15” و”إف 16″، بينما ينحصر دور سلاح الجو اليمني الذي لا يقل تهالكاً عن نظيره الأفغاني في الاستعراضات البهلوانية الجوية.
المملكة العربية السعودية أنفقت 150 مليار دولار على بناء أقوى سلاح جو في المنطقة العربية بأسرها، وأرسلت طياريها ونسبة كبيرة منهم أمراء من أبناء الأسرة الحاكمة، للتدريب في أعرق الأكاديميات العسكرية الغربية مثل “ويست بونيت” الأميركية، و”ساندهيرست” البريطانية، وتتلمذوا على أيدي جنرالات وخبراء هم الأعلى مرتبة في هذا المضمار، بينما لم يغادر معظم الطيارين اليمنيين بلادهم، ولا يعرفون حتى أسماء هذه الأكاديميات الغربية.
يعتب علينا بعض الزملاء السعوديين بأننا نقلل من أهمية قدراتهم العسكرية، وكفاءاتهم القتالية، ويؤكدون لنا أن الجيش السعودي يتمتع بقدرات عالية، لا تملك مثيلاتها الجيوش العربية الأخرى، وأن الحرب في اليمن هي أول الغيث، والمرحلة المقبلة مختلفة عن كل سابقاتها وزمن الصمت، وتحمل الإهانات قد ولى إلى غير رجعة، حتى أن احد الخبراء الاستراتيجيين الكويتيين اشتركت معه في برنامج تلفزيوني قال مهدداً انتظروا ما سنفعله في الأيام المقبلة، سنتصدى لأيران ونقاتلها في عقر دارها، وسنحرك البلوش والآذربايجانيين وعرب الأهواز ضدها وسنزعزع استقرارها من الداخل.
بعض عتب الزملاء السعوديين في محله، والسبب يعود إلى تجنب القيادة السعودية خوض الحروب في دول الغير، والميل إلى الحكمة والتعقل وحل الأزمات من خلال الحلول السياسية، وإذا كان لا بد من الحرب فإن الحليف الأميركي جاهز للقيام بالمهمة، ألم يفعل ذلك لإخراج القوات العراقية من الكويت؟ ألم يتدخل لإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وبعده للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي الذي أرسل خلية لاغتيال العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز؟
فإذا أرادت القيادة السعودية “الشابة” تغيير هذه الاستراتيجية وإرسال أسلحتها البرية والجوية إلى ميادين المعارك، فأهلا وسهلا، وهذا أمر يسعدنا، مثلما يسعد كل إنسان عربي ومسلم، شريطة أن تكون هذه الحروب في إطار مشروع عربي متكامل، ولصيانة الأمن القومي العربي من كل الأخطار التي تهدده وأولها الخطر الإسرائيلي.
بعض الاشقاء في السعودية والخليج (الفارسي) كانوا يرددون دائما انه لا فرق بين العدوين الإسرائيلي والايراني، ونجادلهم بالقول بأن العدو الإسرائيلي يحتل دولة فلسطينية بالكامل، ومقدسات إسلامية وعربية، وهو الأولى بأي تصد عربي لوقف اهاناته المتكرره للعرب والمسلمين، فيرد هذا البعض بالقول، ولكن ايران ايضا تحتل جرزا عربية اماراتية، فلماذا تنسون ذلك، ام هناك ارض عربية درجة اولى، واخرى درجة سياحية.
الحوثيون ومن خلفهم الايرانيون ما كانوا سيتجرأون مطلقا على تحدي المملكة وتهديد امنها، لو انها وجهت بوصلتها العسكرية قبل السياسية في اتجاه فلسطين، ولما رفعوا شعاراتهم المضادة لأميركا وإسرائيل.
الأشقاء في الخليج (الفارسي) سعوا للغطاء العربي لاستضافة نصف مليون جندي أميركي لإخراج القوات العراقية من الكويت، ويسعون إليه حالياً لتفريق دماء التمرد الحوثي على القبائل العربية، وجعل حربهم لإعادة “الشرعية في اليمن” حرباً عربية إسلامية بمشاركة مصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان، فطالما أننا أمة واحدة، والغطاء العربي مطلوب، فالأولى أن يكون هذا الحلف ليس ضد إيران وحدها وإنما ضد إسرائيل قبلها.
لنعود إلى الحرب في اليمن، ونقول إن أي تكثيف للغارات الجوية لن يكون مجدياً لأنه لم تعد توجد أهداف عسكرية يمكن أن تضربها الطائرات المغيرة، وأن الضحايا سيكونون في الغالب من اليمنيين وهم أهلنا وأشقاؤنا.
هناك خيارات أمام التحالف العربي الذي تتزعمه السعودية في “حرب اليمن الثانية”:
الأول: أن يكتفي هذا التحالف بثلاثة أيام من الغارات، ويفتح صدره للوساطات للتوصل إلى حل سلمي سياسي للأزمة، وبما يحقق مصالح جميع الأطراف.
الثاني: أن يستمر هذا القصف لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات وتحويل اليمن كله إلى منطقة حظر جوي على غرار ما حدث للعراق.
الثالث: الانتقال إلى المرحلة الثانية أي إرسال قوات برية لاحتلال اليمن، والقضاء على تحالف الحوثي مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وإعادة الرئيس “المؤقت” و”الشرعي” عبد ربه منصور هادي إلى قصر الرئاسة في صنعاء.
الرئيس جمال عبد الناصر أرسل قواته التي كانت الأكثر قوة وتسليحاً في المنطقة العربية، تماماً مثل القوات السعودية هذه الأيام، وحارب الحوثيين وأنصارهم في اليمن سبع سنوات، وقد يكون قد انتصر عسكرياً بتثبيت حكم الثورة أو الانقلاب بزعامة اللواء عبد الله السلال، ولكنه خسر جيشه، وخسر سيناء وقناة السويس، وتعرضت كرامة مصر والأمة العربية لشرخ كبير بسبب هزيمة حزيران عام 1967.
اليمن بحوثييه أو أعدائهم لا يملك ما يمكن أن يخسره في هذه الحرب، فلا توجد لديه استثمارات أجنبية ضخمة، ولا صناعة سياحية تدر عليه المليارات، ولا زراعة أو صناعة متقدمة باستثناء زراعة القات، ونفطه جف، ولكن المملكة العربية السعودية والدول العربية بأسرها ستخسر الكثير جداً، لأن ايران العدو المستهدف لن تنجر إلى هذه الحرب، لأنها تركز حالياً على معركة أكبر وهي رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ ثلاثين عاما، ويمكن أن تكسب اليمن دون أن تطلق رصاصة واحدة اعتماداً على غباء العرب، مثلما كسبت في العراق، وأفغانستان، ولبنان، وجزئياً في سوريا.
***
هناك دائما ما يسمى بـ “Plan A” و”Plan B” و”Plan C” في كل الحروب ومشعلي فتيلها، فليقل لنا منظرو الحرب الحالية في اليمن عن هذه الخطط وكيفية تطبيقها.
وأذا كانت هذه الخطط أسراراً عسكرية لا يجوز البوح بها، فليحدثوننا عن نظرتهم المستقبلية لليمن بعد هزيمة الحوثيين وحلفهم، واعتقال علي عبد الله صالح، وتشتيت قواته، وعودة الرئيس “الشرعي” هادي، هل سيضعون حداً لمعاناة اليمنيين مع الفقر والحرمان والفاقة وهم الذين يملكون صناديق سياسية تحتوي على ألفي مليار دولار على الأقل، ودخل نفطي يزيد عن 500 مليار دولار على الأقل.
هذه الأموال التي انفقت في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب في اليمن وما أحدثته من دمار يمكن أن تعيد بناء اليمن من جديد، وتؤسس لصناعات ومشاريع توفر وظائف لأكثر من خمسة ملايين يمني عاطل عن العمل على الأقل.
نعرف أن القيادة السعودية لا تستمع إلى نصائح أحد هذه الأيام، خاصة إذا جاءت منا، ولكننا نقول إن هذه الحرب مصيدة دموية لها، واستنزاف مالي لثرواتها، وليس من المنطقي أن يجري تدمير المنطقة الخليجية بالذات وزعزعة استقرارها، من أجل عودة الرئيس هادي إلى القصر الرئاسي، ويجب أن تتذكر هذه القيادة بأن الحوثيين هم حلفاؤها التاريخيين، وكذلك حليفهم الرئيس علي عبد الله صالح، وكان يمكن الحفاظ عليهم، وعدم تركهم يذهبون إلى إيران، فالخطأ خطأهم، ونأمل أن لا يتم تصحيح هذا الخطأ بخطيئة كبرى.