التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

مشاركة باكستان في “عاصفة الحزم” بين التحديات والفرص 

 ان مصالح الدول هي التي تحدد خياراتها السياسية والعسكرية ، والعلاقات السعودية – الباكستانية محكومة بشق امني وآخر اقتصادي. لم تقف باكستان بعيدة عن الأحداث في اليمن، إثر طلب الرياض من حليفتها إسلام آباد إرسال قوات ومقاتلات للمشاركة في التحالف بـ”عاصفة الحزم”، الأمر الذي أثار حالة من التخبّط والصراع السياسي.

الحديث عن مشاركة اسلام آباد في العاصفة السعودية أثار عواصف باكستانية ما دعا البرلمان الباكستاني، وبناءً على طلب من رئيس الوزراء نواز شريف، إلى عقد جلسات لمناقشة مشاركة البلاد من عدمها في الائتلاف الذي تقوده السعودية في اليمن.

يشوب الموقف الباكستاني تجاه المشاركة في “عاصفة الحزم” حالة من الغموض والتردّد، ففي حين قال رئيس الوزراء الباكستاني في وقت سابق إن” أي تهديد للسعودية سيثير ردا قويا من باكستان”، ناشد شريف لاحقاً المجتمع الدولي والأطراف المعنية بالملف اليمني بضرورة حل القضية عبر الحوار باعتباره أفضل الحلول. موقف وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف كان متوازياً مع نواز شريف رئيس حكومته، ففي حين أكد عند بداية العدوان “العشري” على أن بلاده ستتعهد بسلامة الأراضي السعودية، قال بالأمس في كلمة أمام برلمان بلاده تعليقاً على إمكانية المشاركة في العملية العسكرية إن “إسلام آباد لم تخطط للمشاركة في أي صراع من شأنه تقسيم الأمة الإسلامية”.

وأضاف، “لم نتخذ قرارًا بشأن المشاركة في العملية العسكرية الدائرة حالياً في اليمن، نحن فقط تعهدنا بحماية سلامة الأراضي السعودية ، بدلاً من تصعيد الموقف من خلال المشاركة في العملية العسكرية”.

لاشك في أن التريث الباكستاني على الطلب السعودي منشأه وجود فرص وتحديات لمشاركة اسلام آباد، حيث أن أي قرار ستكون له تداعيات على باكستان داخلياً وخارجياً، لذلك سنعتمد في هذا التحليل على سرد ما وراء قرار المشاركة ذاك، على مستويين؛ العقبات الداخلية وتحديات الخارج، الفرص.

رغم ارتباط رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، نواز شريف، بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع العائلة السعودية المالكة، التي استضافته لنحو عشر سنوات، عندما كان منفياً من باكستان في أعقاب الإطاحة به من قبل الحاكم العسكري في ذلك الوقت برويز مشرف، وكذلك نفوذ السعودية إلى مراكز القوة التي تضم البيروقراطيين وكبار الاقطاعيين وقادة الاحزاب الذين يدعمهم الجيش في باكستان ، إلا أن التحديات الجمّة التي تقف بوجه أي قرار للمشاركة في عاصفة الحزم كانت سبباً في التريث والمماطلة الباكستانية.

العقبات والتحديات

تنقسم العقبات والتحديات لأي قرار مشاركة باكستانية في “عاصفة الحزم” إلى داخلية وخارجية، أبرزها التالي:

أولاً: يقف البرلمان الباكستاني في وجه أي قرار للمشاركة، وهذا ما أكدته أحداث اليوم الأول والثاني من النقاش داخل البرلمان عندما طالب زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ إعتزاز أحسن الحكومة بأن توضح موقفها، متسائلاً عما يعنيه وزير الدفاع خواجة آصف بقوله “انتهاك سلامة أراضي السعودية وبالرد القوي من باكستان؟”. أحزاب المعارضة الباكستانية أعلنت أيضاً خلال الجلسة رفضها التام لإرسال قوات وجنود لقصف اليمن ، مؤكدين انهم(الباكستانيون) يخوضون حربا ضد الارهاب منذ عدة سنوات ولم يقدم احد المساعدة لهم. كذلك حذّر زعيم المعارضة البرلمانية خورشيد شاه من اتخاذ أي قرار بإرسال الجنود الباكستانيين إلى الخارج أو المشاركة في الحرب مع أي طرف أو ضده، داعياً الحكومة إلى محاولة لعب دور وساطة يجنب الدول الإسلامية مزيدا من النزاعات التي تقسمها.

ثانياً: يرى مراقبون أن أي مشاركة عسكرية في اليمن ستؤجج تحركات الجماعات التكفيرية، لذلك تواجه إسلام آباد تحديا كبيراً بين التزامها تجاه السعودية والتزاماتها الداخلية بإنجاح عمليتين أمنيتين في المناطق القبلية الباكستانية وإقليم السند، ضمن مساعيها لاستئصال “الإرهاب والجريمة”.

ثالثاً: معارضة النخب للمشاركة في معركة مكلفة خدمة للسعودية لن تعود بأي فائدة على الداخل الباكستاني، كما أن الجو العام في باكستان أصبح يميل إلى انتقاد السعودية بسبب دعمها للمدارس الدينية المتطرفة التي غذّت(ولا زالت) الجماعات التكفيرية وتسببت بمقتل آلاف الأبرياء من أبناء الشعب.

رابعاً: معارضة العديد من جنرالات الجيش الباكستاني المشاركة في “عاصفة الحزم”، قد تعصف بالمشاركة وتحزم قراراً نهائيا يرفض الدخول في حرب استنزاف للجيش الباكستاني خارج الحدود كما حاله في الداخل إثر هجمات الجماعات التكفيرية. وتتحدث مصادر عن خشية رئيس الوزراء ووزير دفاعه من المشاركة في التحالف لتخوفهم من أن تستغل بعض القيادات العسكرية الوضع للانقلاب على الحكم فباكستان بلد تحكمه الجنرالات، وهذا ما نقله الوفد الباكستاني في زيارته الأخيرة إلى الرياض، حسب المصدر نفسه.

خامساً: تركيبة باكستان الطائفية المنوعة التي تنعكس على تركيبة القادة السياسيين والعسكريين تجعل من الصعب على باكستان كدولة اتخاذ موقف مع جانب ضد آخر خشية انعكاس ذلك على الصراعات الطائفية داخل البلاد. وزير الدفاع آصف خواجة أكد أنه “لا نريد أن نكون طرفًا في توسع النزاع، بل نريد أن نحتويه”، في إشارة إلى تخوف الحكومة من تمدد تداعيات هذ النزاع إلى داخل ترابها، حيث لا تزال تعاني من صراعات بين مكوناتها المجتمعية.

سادساً: وعلى الصعيد الخارجي، يرى مراقبون أن انخراط إسلام آباد في الحرب على اليمن ستؤثر بشكل كبير على علاقاتها مع الجيران، كما أن التوتر الذي تشهده حدود باكستان مع الهند وأفغانستان وإيران بشكل متقطع في الشهور الأخيرة يزيد صعوبة اتخاذ الحكومة لقرار حازم بشأن المشاركة في عملية عاصفة الحزم.

الفرص أو كلمة السر

في المقابل، تتلخص فرص المشاركة الباكستانية في العدوان السعودي على اليمن بالدعم الاقتصادي الذي تتلقاه اسلام آباد من الرياض، لذلك يعتبر الدعم الاقتصادي “كلمة السر” في العلاقات بين البلدين، ففي العام الماضي، قالت الحكومة الباكستانية إنها تلقت “هدية” بقيمة ١,٥ مليار دولار من بلد مسلم صديق.

صنّاع القرار الاستراتيجي في باكستان ما زالوا يقيمون الموقف بميزان المصلحة والمفسدة فالداخل لا يحتمل فتح جبهة صراع جديدة، وباكستان تحتاج للدعم المالي السعودي، لذلك ما يطرحه المحللون أن مشاركة باكستان قد تكون رمزية، في حين يذهب آخرون إلى أن المشاركة قد تنحصر بتلبية الحد الأدنى من مطالب الرياض لجهة تأمين الحدود السعودية اليمنية دون الذهاب أبعد من ذلك.

باكستان اكتفت بالتصريحات الداعمة للعدوان بشكل أولي، مترقبةً تحديات الداخل تارةً والتغيرات الإقليمية والدولية أخرى بانتظار القرار النهائي من البرلمان، قرار قد يجري برياح عاصفة الحزم من اليمن إلى منطقة جنوب آسيا.

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق