نفوذ واشنطن في أمريكا اللاتينية في طريقه الي الزوال
زمن تدخل واشنطن في شؤون أمريكا اللاتينية قد ولّى ولم يعد بإمكان أمريكا التدخل بحرية في شؤون دول أمريكا اللاتينية .
هذا ما أكده الرئيس الامريكي باراك اوباما بنفسه في قمة الأمريكيتين في ” بنما ” وهي أول قمة للأمريكيتين تعقد بحضور كوبا منذ أكثر من نصف قرن .
وأضاف اوباما في كلمته : لقد ولّت الأيام التي كانت خططنا في هذا الجزء من العالم ” أمريكا اللاتينية ” تفترض إمكانية تدخلنا دون عقاب .
نبذة تاريخية
من المعروف تاريخياً أن دول أمريكا اللاتينية عانت طويلاً من التدخل الأمريكي في شؤونها الداخلية ، وفرض سياسات وأيديولوجيات خاصة على قادتها. ومن ناحية ثانية ، شكلت أمريكا اللاتينية مكانا مثالياً لنشوء المشاعر المعادية لأمريكا ، وظهور جيل من السياسيين لا يترددون في انتقاد سياساتها والتصدي لغطرستها .
فعلى امتداد التاريخ ، شكل القرب الجغرافي لهذه الدول من جارتهم الشمالية وبالاً عليهم ، جلب لهم الكثير من المتاعب ، وساهم بشكل رئيسي في صياغة السياسات الخارجية لتلك الدول . وقد سئل الرئيس المكسيكي الأسبق “فارجاس” في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي عن “حقيقة أزمة بلاده”، فأطرق لحظة يفكر، ثم قال “أزمة المكسيك أنها قريبة جداً بحدودها من أمريكا “.
وشهدت العلاقات بين واشنطن وامريكا اللاتينية توتراً مستمراً منذ زمن بعيد وتحديداً منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي بسبب رغبة الإدارات الامريكية المتعاقبة في السيطرة وبسط النفوذ على دول أمريكا اللاتينية من خلال تدخلها السافر في شؤون هذه الدول وسعيها للهيمنة على مواردها الاقتصادية ومصادرة قرارها السياسي .
كما سعت أمريكا إلى فرض مصالحها على هذه الدول ، حتى لو استدعى الأمر تغيير الحكومات المنتخبة ومساندة الأنظمة الديكتاتورية الموالية لها كما لو كانت هذه البلدان حديقتها الخلفية ومنطقة نفوذها الطبيعية متجاهلة التطلعات الاستقلالية للشعوب والرغبة في خط مسار تنموي واقتصادي يختلف عن النموذج الرأسمالي الليبرالي الذي تتبناه أمريكا .
وخلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا ضاعفت واشنطن من تدخلاتها في شؤون دول أمريكا اللاتينية، ونسج المؤامرات للإطاحة بالحكومات المدنية المنبثقة عن صناديق الاقتراع ومساندة الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت بقبضة من حديد ، وتورطت في جرائم ضد شعوب هذه الدول لا تزال ذكرياتها عالقة في أذهان جيل كامل من المواطنين ، مثل انقلاب غواتيمالا عام ١٩٥٤، والدومينيكان عام ١٩٦٥، وتشيلي عام ١٩٧٣. وكانت كوبا البلد الوحيد الذي حاصرته أمريكا لتصلب قيادته ورفضها الانصياع للإملاءات الأمريكية .
ولم تنج دول أمريكا اللاتينية الكبرى مثل البرازيل والأرجنتين من قبضة الحكم العسكري المدعوم أمريكياً رغم تشدق واشنطن بالديمقراطية والدفاع عن الحرية في العالم .
وفي عهد الرئيس الامريكي جورج بوش صعدت واشنطن لهجتها تجاه كوبا وفنزويلا ، بيد أن أمريكا اللاتينية تحولت الآن إلى ما يشبه غابة من الأشواك في خاصرة أمريكا ولم تعد تابعة لها اقتصادياً بعد أن استغلت ثروات الكثير من بلدان هذه القارة لفترات طويلة .
وبالعودة الى تصريح اوباما في قمة الامريكيتين في ” بنما ” ينظر المراقبون الى هذا التصريح على انه يمثل محاولة جديدة من قبل واشنطن لاستعادة نفوذها في دول امريكا اللاتينية من خلال التظاهر بمظهر الصديق وإخفاء أنيابها التي طالما نهشت أجسام شعوب هذه الدول التي أدركت منذ زمن بعيد خطورة الدسائس والمؤامرات التي تحيكها الادارة الامريكية ضد بلدانهم لنهب ثرواتها والتحكم بمصيرها .
وهناك ادلة قاطعة ودامغة على رفض دول امريكا اللاتينية لسياسات الادارة الامريكية تجاهها تجلت مؤخراً برفضها للعقوبات التي فرضتها واشنطن على فنزويلا ، ما يدلل بشكل واضح على فشل هذه السياسة وفقدان امريكا لسمعتها ونفوذها في هذه الدول وعموم المنطقة .
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قد أعلن قبل مدة إحباط محاولة انقلابية مدعومة من امريكا تضمنت مخططاً لزعزعة استقرار البلاد واستهداف الديمقراطية مشيراً إلى أنه تم القبض على عدد من المتورطين في هذه المحاولة الانقلابية. وطالب مادورو نظيره الأمريكي بتصحيح سياسة الفوضى التي تتبعها واشنطن تجاه بلاده داعيا إياه إلى وقف التآمر والأعداد للانقلابات .
في ذات السياق اعترفت نائبة وزير الخارجية الامريكي روبرتا جاكوبسون بفشل العقوبات التي فرضتها بلادها على فنزويلا ، مشيرة الى انه لم يعد هناك اي من دول امريكا اللاتينية يؤيد بقاء مثل هذه العقوبات ، وبالتالي فإن سياسة واشنطن تجاه كراكاس قد منيت بالفشل .
وأعلن الزعيم الكوبي راؤول كاسترو عن التضامن القوي والثابت مع حكومة فنزويلا، لافتاً الى أن من أهم أهداف مشاركة بلاده في قمة الأمريكيتين يتمثل بمواجهة محاولات تهديد وعزل فنزويلا فضلاً عن المطالبة برفع الحصار الاقتصادي الأمريكي عن كوبا نهائياً .
في هذا المضمار نوه الزعيم البوليفي الى انه يفضل لو كان في امريكا مدافع حقيقي عن السلام في كل العالم وليس دولة تحاول توفير تفوقها بالسلاح .
ومن الادلة الاخرى على فشل سياسة واشنطن تجاه امريكا اللاتينية تراجعها امام كوبا واعتراف أوباما بفشل الحصار الاقتصادي المفروض على هذا البلد منذ ٥٤ عاما .
وفي وقت سابق رفض برلمان أمريكا اللاتينية الأمر التنفيذي الذي أصدرته واشنطن ضد كراكاس واصفاً إياه بالمعرقل للجهود التي تبذلها دول امريكا اللاتينية من أجل التعايش السلمي والحضاري في المنطقة ، فيما طالب وزراء خارجية البلدان الاعضاء في اتحاد دول أمريكا الجنوبية “يوناسور” في ختام اجتماع في كيتو بإلغاء العقوبات الأمريكية ضد فنزويلا ووصفوا هذه العقوبات بالعدوان الامبريالي .
وجدّد الاتحاد دعوته لواشنطن إلى الامتناع عن اللجوء إلى وسائل قمعية أحادية تتعارض مع القانون الدولي واعتماد حلول بديلة تتمثل بالحوار والوسائل الديمقراطية ، مشيراً إلى أن سياسة فرض العقوبات التي تمارسها امريكا لا فائدة منها ، فيما وصفت كوبا الحليف السياسي والاقتصادي الكبير لفنزويلا العقوبات الامريكية بالتعسفية والعدوانية وغير المبررة وتتسبب بتدهور خطير للأجواء في عموم المنطقة .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق