“خطر الشيعة و إيران” .. الكذبة الكبرى
ماجد حاتمي /
لا يمكنني الا ان اعترف ، والالم يعتصرني ، ان السعودية ، نجحت في ان تسوق كذبة “خطر الشيعة وإيران” ، على انها اكبر خطر يهدد العرب والمسلمين ، بل لا خطر يعلو او يتقدم على هذا الخطر ، فاحتلال الصهاينة لفلسطين ، واقتلاع الملايين من اهلها من مدنهم وقراهم وتحويلهم الى لاجئين ومشردين في بلاد الله الواسعة ، والتطهير العرقي الصهيوني الذي ضرب فلسطين ، وجريمة تهويد القدس والتهديد بتخريب المسجد الاقصى ، تتضاءل امام هذا الخطر.
لست هنا بصدد بيان كيف نجحت السعودية في تسويق هذه الكذبة الكبرى ، وكيف انطلت ، ليس على السذج من العرب والمسلمين فحسب ، بل على من يعتبرون انفسهم نخبا علمائية وفكرية وثقافية ، كما لست بصدد تناول كيفية التصدي لهذه الكذبة ، التي كانت ، اكبر ضربة توجه الى العرب والمسلمين ، بعد احتلال فلسطين ، فالتطرق الى هذين الموضوعين يطول ويتشعب ، ويخرج عن نطاق مقالنا هذا.
ولكن بشكل سريع يمكن الاشارة الى العائدات الضخمة التي تحصل عليها السعودية من بيع النفط ، والانظمة والحكومات الرجعية ، وعلماء السوء ، والفقر والجهل ، و وجود الكيان الصهيوني ، والتدخل الامريكي الغربي في شؤون العرب والمسلمين ، كعوامل رئيسية ساعدت السعودية على النجاح في تسويق كذبة “خطر الشيعة وايران”.
من حق السعودية ، أن تدافع عن نفسها أمام المخاطر التي تهددها ، بل عليها ان تستعد بكل ما تملك من قوة لمواجهة هذه المخاطر قبل ان تستفحل ، وهذا الخوف هو خوف طبيعي ، بل هو صحي ايضا.
لكن ليس من حق السعودية أن تختلق خطرا وهميا لا وجود له ، عبر استغلال الدين وإثارة العصبيات القومية والطائفية ، وتسويقه من خلال اخطبوط إعلامي ضخم ، فتحول الى خوف مرضي ، استوطن في النفوس وشلها عن التفكير بالخطر الحقيقي المحدق بها.
اذا اردنا ان نتحدث بلغة سعودية نقول: ان “الشيعة وايران” هم الاولى بأن يخافوا من “خطر” السعودية و”السنة”، لانهم اقلية ، ولا يملكون واحد بالمائة من امكانيات الطرف الاخر ، هذا اذا اضفنا الى ذلك الدعم والحماية التي تقدمها امريكا والغرب ، الى السعودية و الدول الخليجية “السنية” ، حيث تنتشر القواعد والاساطيل العسكرية وحاملات الطائرات الامريكية والغربية في المنطقة ، كما التحقت “اسرائيل” مؤخرا بهذا المعسكر.. فأي الفريقين يجب ان يخاف ويشعر بالخطر والتهديد؟.
وبذات اللغة السعودية نقول ، كيف يمكن ان “تشيع” ايران “السنة” ، بينما السنة اكثر من مليار نسمة ، وهناك الآلاف من الفضائيات وشبكات التلفزيون والمواقع الالكترونية ، بالاضافة الى الاصدارات الضخمة من الكتب والمجلات والصحف ، الى جانب المراكز الدينية والجامعات ، التي تُنفق عليها المليارات، بهدف الترويج للفكر الوهابي، وهي امكانات لا يمكن أن تقاس بما لدى ايران من امكانيات متواضعة .. ترى من الذي يجب ان يخاف ويشعر بالخطر والتهديد؟.
لم لا تشعر ايران بالخوف من السعودية، او من الوهابية، أو من “السنة” او من أي جهة اسلامية أو عربية ؟، لماذا تدعو ايران العلماء السنة في كل مكان الى زيارتها والقاء محاضرات في حوزاتها العلمية وجامعاتها ومعاهدها، دون أن تشعر بأدنى خوف من ان “يتسنن” اهلها؟، لماذا لا تخشى ايران من كتب “السنة” ، حتى الوهابية منها ، التي هي في متناول الجميع ، بينما تحصل أزمة في السعودية اذا ما تم العثور على كتاب عن الشيعة هناك؟.
اذا كانت السلطات الايرانية تسعى حقا الى “تشييع” السنة في المجتمعات العربية والاسلامية ، وهو ما تعتبره السعودية والوهابية خطرا داهما يهدد المجتمعات “السنية” ، فلماذا لا تعمل على “تشييع” السنة في ايران؟، لماذا يوجد الملايين من السنة في ايران ، ومضى على وجودهم اكثر من الف عام دون ان يتشيعوا ؟، اليس مجرد وجود سنة في ايران يعتبر دليلا على كذب كل ما يشاع عن ايران في هذا الشان؟.
ان ايران لم ولن تكون يوما مصدر خطر او تهديد لجيرانها من العرب والمسلمين ، ولم يسجل التاريخ المعاصر ان ايران اعتدت على بلد ما، بل على العكس تماما، تعرضت لعدوان سافر ولم تمر شهور على ثورتها الاسلامية ، عندما شن الدكتاتور صدام حسين حربا ظالمة عليها استمرت ثماني سنوات ، وقف الى جانبه في عدوانه جميع الدول الخليجية ودعموه بمئات المليارات من الدولارات ، تحت ذريعة الخوف من “تصدير الثورة” ، بينما اعلن الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه ) اكثر من مرة ، ان ما قيل عن تصدير “ليس ارسال الجيوش ، بل ايصال خطابنا الى العالم اجمع” ، ولكن رغم كل ذلك تحملت ايران الطعنة التي وجهتها تلك الدول في ظهرها ، ولم تنتقم بعد انتهاء الحرب فحسب ، بل فتحت صفحة جديدة مع جميع دول المنطقة ومن بينها الدول الخليجية، ومدت يدها الى الجميع ومازالت ، كما دعت ومازالت تدعو الى التقريب بين المذاهب الاسلامية، ودعت الى اسبوع الوحدة، ودافعت عن قضايا العرب والمسلمين، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودفعت ومازالت تدفع أثمانا باهظة لمواقفها المبدئية من قضايا الامة، ولم يكن للعامل المذهبي أي تأثير في هذه المواقف ، فهي تنطلق من نظرة اسلامية شاملة ، ترى في الوحدة بين المسلمين، وتحرير الارض والانسان، هدفا مقدسا تتضاءل أمامه باقي الاهداف الاخرى ، فهي مدت يد العون الى المقاومة الاسلامية في لبنان، كما مدت يد العون الى المقاومة الاسلامية في فلسطين.
اخيرا ، اذا كانت السعودية نجحت في اقامة علاقات طبيعية مع الغرب صاحب التاريخ الاستعماري الاسود والطامع دوما بثروات وخيرات العرب والمسلمين ، رغم كل الاختلاف في الدين والثقافة والجغرافيا والتاريخ ، لماذا تعجز في المقابل عن اقامة علاقات طبيعية مع ايران ، البلد الذي يربطه بالسعودية الدين والتاريخ والجغرافيا والثقافة والمصالح المشتركة والمصيرالواحد؟.