التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

كيف فرضت كوبا ارادتها علي امريكا؟ 

بعد خمسين عاما من التوتر الحاد في العلاقات بين البلدين أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكونغرس قبل ايام قراره حذف كوبا مما يسمى باللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، في قرار يعتبر تراجعا امريكيا امام كوبا وانتصارا لصمود هذا البلد في وجه المخططات الامريكية للاطاحة بالحكومة الكوبية .

وكانت الخارجية الأمريكية أوصت بشطب اسم كوبا من اللائحة التي أدرجتها عليها إدارة الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان عام ١٩٨٢، إلى جانب سوريا والسودان وإيران، بسبب دعمها منظمة إيتا الباسكية في إسبانيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

 واعتبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الظروف تبدّلت منذ عام ١٩٨٢عندما أدرجت كوبا على اللائحة بسبب مساعيها لتشجيع الثورة المسلحة لقوى في أمريكا اللاتينية وأضاف: العالم مختلف جداً الآن مقارنة بما كان عليه قبل ٣٣ سنة .

وأعلن البيت الأبيض أن أوباما أبلغ الكونغرس في تقرير عزمه على شطب كوبا من اللائحة، مشيراً إلى أن الحكومة الكوبية لم تقدّم أي دعم للإرهاب العالمي خلال الأشهر الستة الأخيرة، واستدرك: سيستمر خلافنا مع الحكومة الكوبية، لكن مخاوفنا بشأن سياساتها وتصرفاتها خرجت عن المعيار المتصل باعتبار كوبا دولة راعية للإرهاب .

وأمام أعضاء الكونغرس ٤٥ يوماً للاعتراض على القرار الذي ربطه مسؤول أمريكي بارز بتعهد الكوبيين على مستوى عال بأنهم لن يعاودوا دعم ما يسمى الإرهاب، مشيراً إلى أن البلدين حققا تقدماً نحو الموافقة رسمياً على فتح سفارتين .

وعلّقت خوسيفينا فيدال، مديرة الشؤون الأمريكية في الخارجية الكوبية معلنة أن بلادها تُقرّ بصوابية قرار الرئيس الأمريكي بشطب اسم كوبا من اللائحة التي ما كان يجب أصلاً إدراجها فيها .

وذكّرت بأن الحكومة الكوبية أكدت مرات رفضها وإدانتها كل الأعمال الإرهابية في كل أشكالها ومظاهرها، وكذلك أي عمل هدفه تشجيع أعمال إرهابية ودعمها وتمويلها أو تغطيتها .

ويأتي قرار أوباما بعد ثلاثة أيام على لقاء تاريخي مع نظيره الكوبي راوول كاسترو في بنما .

وكانت كوبا وأمريكا على خلاف منذ أن سيطر فيدل كاسترو على السلطة في عام ١٩٥٩. وعلى الرغم من ان الإدارات الأمريكية المتعاقبة طبقت اجراءات صارمة ضد كوبا، بما في ذلك الحصار الاقتصادي ووضع كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، الا ان تلك الإجراءات لم تفت من عضد الدولة الكوبية على نحو كبير .

وشهدت سياسات أمريكا تجاه كوبا بعض التغير عندما سلم فيدل كاسترو رسميا رئاسة كوبا لشقيقه راؤول في عام ٢٠٠٨ وعندما دخل باراك أوباما البيت البيض رئيسا لأمريكا، وبعد اتصالات حثيثة، تمكّن الفاتيكان من ردم بعض الهوة بين هافانا وواشنطن، وأجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وزميله الكوبي راؤول كاسترو، مكالمة هاتفية دامت حوالي ساعة كاملة وذلك بعد جفاء وانقطاع دبلوماسي دام طوال نصف قرن .

خمسون عاما من القطيعة

انفرط عقد العلاقات الأمريكية الكوبية بعد وصول فيدل كاسترو الى سدة الحكم في هافانا في العام ١٩٥٩، بعد إسقاطه ورفاقه في الحزب الشيوعي حكومة الرئيس فولجنسيو باتيستا. وسارعت واشنطن بالاعتراف بالحكومة الجديدة وكان كاسترو الذي اصبح رئيسا للدولة قد كلف إحدى الشخصيات البرجوازية ( خوزيه ميرو كاردونا ) برئاسة الحكومة، تفاديا لإجراءات السياسة الأمريكية المعادية للشيوعية والاشتراكية، وسرعان ما بدأت العلاقات الأمريكية الكوبية بالتدهور عندما قامت كوبا بتأميم الشركات، وتحديداً شركة “الفواكة المتحدة ”.

وفي ابريل ١٩٥٩، زار الرئيس كاسترو واشنطن بناء على دعوة من جمعية رؤساء تحرير الصحف الامريكية والتقى بنائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وتجنب الرئيس الأمريكي ايزنهاور اللقاء مع كاسترو بحجة ارتباطه بمباراة للغولف، وقد طلب الرئيس الأمريكي من نائبه التحقق من انتماء كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي، وخلص نائب الرئيس نيكسون إلى أن كاسترو شخص ساذج لا يفقه كثيرا في الشيوعية .

وفي فبراير ١٩٦٠، اشترت كوبا النفط من الاتحاد السوفيتي ورفضت أمريكا المالكة لمصافي تكرير النفط في كوبا التعامل مع النفط السوفيتي، فقام كاسترو بتأميم المصافي الكوبية. وازدادت الأمور تدهورا بين الطرفين ورفع كاسترو الضرائب على الواردات الأمريكية، وردّت أمريكا بزيادة الضغوط الاقتصادية على هافانا. خفض الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور من واردات السكر الكوبي، وهي الصناعة الرئيسية في البلاد. ثم فرضت واشنطن حظرا على جميع الصادرات الكوبية تقريبا، وفرض الرئيس جون كينيدي حصارا اقتصاديا كاملا شمل فرض قيود صارمة على السفر .

وبحلول أوائل الستينيات كانت أمريكا قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع كوبا وخططت للعديد من العمليات السرية للإطاحة بالرئيس كاسترو. وفي عام ١٩٦١ شنت واشنطن محاولة فاشلة سميت غزو خليج الخنازير بتخطيط من وكالة المخابرات المركزية لإسقاط الحكومة الكوبية، مما زاد في تعكير الاجواء بين البلدين وألهب المشاعر القومية بين الكوبيين، وأدى الى اتفاق سري يسمح للاتحاد السوفياتي بناء قاعدة للصواريخ في الجزيرة .

اكتشفت أمريكا هذه الخطط في أكتوبر من عام ١٩٦٢، مما تسبب في مواجهة امريكية سوفيتية استمرت أربعة عشر يوما. فرضت السفن الأمريكية حصارا بحريا على الجزيرة، وطالب كينيدي بتدمير مواقع الصواريخ. وانتهت أزمة الصواريخ الكوبية باتفاق يتيح بتفكيك الصواريخ إذا تعهدت أمريكا بعدم غزو كوبا (وصفقة سرية وافقت بموجبها أمريكا على إزالة صواريخها النووية من تركيا).

ومنذ أحداث ١٩٦١-١٩٦٢، كان الحصار الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية اهم مقومات السياسة الأمريكية تجاه كوبا، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وعززت واشنطن الحظر مع سنّ قانون ديمقراطية كوبا في العام ١٩٩٢ الذي قدمه عضو الكونجرس روبرت توريسيلي وقانون هيلمز بيرتون في العام ١٩٩٦، الذي قدمه السيناتور جيسي هيلمز وعضو مجلس النواب دان بيرتون واللذين نصا على عدم جواز رفع الحصار الا في حالة قيام كوبا بإجراء انتخابات حرة وتشكيل حكومة ديمقراطية تستبعد الاخوين كاسترو (ومن المقرر ان يترك راؤول منصبه عام ٢٠١٨).

ويدعو القانونان أيضا إلى إدخال تحسينات في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك ضمان حرية الصحافة والإفراج عن السجناء السياسيين. وقد أدخلت بعض التعديلات على الحظر التجاري بغية تصدير بعض اللوازم الطبية والمنتجات الزراعية الأمريكية الى كوبا. وقد وقعت العديد من الشركات الأمريكية صفقات زراعية مع كوبا في السنوات الأخيرة. ولكن الحكومة الكوبية تقول إن أكثر من خمسين عاما من القيود التجارية الصارمة أدى إلى خسارتها حوالي مئة وستة وعشرين ترليون دولار .

ورغم كل الاجراءات الامريكية فان الحكومة الكوبية لم تتراجع عن مواقفها تجاه واشنطن لكن الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها أمريكا في سبيل تطبيع العلاقات مع كوبا تظهر جليا مدى التراجع الامريكي امام كوبا الثورة والشعب حيث استطاع هذا البلد اللاتيني الفقير والمحاصر فرض شروطه على أعتى قوة في العالم وهذا ما سيشجع بلدانا لاتينية اخرى علي انتهاج سياسة اكثر تشددا تجاه أمريكا حفاظا على مصالحها الذاتية .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق