التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, سبتمبر 20, 2024

المتغیّرات الإستراتیجیة فی السیاسات السعودیة 

ان أي تغيير جذري في السياسات الإستراتيجية لأي نظام أو دولة لا يخلو من أمرين، إما تغيير السلف وإستبداله بخلف يعيّن سياسات جديدة، وإما التأسيس تدريجياً لقلب نظام الحكم في البلد. السعودية التي شهدت في الفترة الآخيرة طفرة تغييرات بدأت في سياستها الداخلية ثم إستكملت خارجياً، تشهد حالياً تغيّرات إستراتيجية مهمة، فما حقيقة هذه المتغيّرات، ومن الذي يقف ورائها؟

لم تقتصر السياسات الجديدة للقيادة السعودية المستجدّة بزعامة سلمان على نسف ما بناه الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز طوال فترة حكمه، بل تعدّته إلى كسركل المحرّمات السابقة وباتت السعودية تعيش في زمن المتغيرات. لا شكّ في أن العدوان العسكري السعودي الذي إنتقل من “عاصفة الحزم” إلى ما يسمى بـ”إعادة الامل” كان المتغير الأبرز الذي حمل في طيّاته متغيرات عدّة لم تبقي ولا تذر في السعودية السلف. فما هي المتغيرات التي كسرتها السعودية في عدوانها الحالي على اليمن؟

المتغيّر الأول: تعتبر عملية “عاصفة الحزم” أول حرب عسكرية سعودية خارج الحدود وبهذه الوتيرة منذ تأسيس الدولة على يد الملك عبد العزيز. حسابات الحقل السعودي لم تكن كحسابات البيدر اليمني، فرغم التلويح بالحرب البرية لم تستطع السعودية حتى الآن الدخول براً في اليمن خوفاً من التكاليف الباهظة بعد إنسحاب باكستان وتلكؤ مصر، وإقتصرت إنتصارات الجيش السعودي على المدنيين وتغيير إسم العدوان من الحزم إلى الأمل .

المتغيّر الثاني: لطالما إعتمدت السعودية في حروبها الخارجية على سياسة الحرب بالوكيل، ولكن عدوانها العسكري على اليمن لم يقتصر على الوكيل فسحب( القاعدة وأنصارهادي)، بل تعدّاه إلى الأصيل. ورغم مرور حوالي الشهر على العدوان لم تحقق السعودية أهدافها المرسومة، لا بل على العكس تماماً تشير وقائع الميدان العسكرية إلى تقدّم الجيش واللجان الشعبية في مختلف المحافظات اليمنية .

المتغيّر الثالث: نفت السعودية مراراً وتكراراً دعمها للتيارت التكفيرية في المنطقة بدء من القاعدة وصولاً إلى تنظيم داعش الإرهابي، لكن أحداث اليمن قطعت الشك باليقين لكل باحث عن الحقيقة في أن سلطات الرياض تدعم وتسلّح القاعدة، وهذا ما أكدته التقارير الغربية ووسائل الإعلام، بغية إستخدام هذه الجماعات في حربها ضد الجيش واللجان الشعبية في اليمن .

المتغيّرالرابع: السعودية التي تقدّم نفسها كزعيم للعالم الإسلامي، كشفت عن وجهها الحقيقي بإستهداف شعب مسلم وأعزل حيث لم ترحم النساء والأطفال فضلاً عن المدنيين، ولا شك أن هذه الحرب كشفت زيف إدعاءات سلطات الرياض حول مذهبية وطائفية الصحوات الإسلامية، فإذا كان الشعب البحريني الثائر والمظلوم ينتمي إلى طائفة معيّنة، فهل الشعب اليمني كذلك؟ هل المحافظات التي تضربها طائرات التحالف تستهدف مذهب معيّن، أم أنها تقضي على كل من يخالفها؟

المتغيّر الخامس: السعودية التي تدّعي حماية ونشر الديانة الإسلامية السمحاء تشن هذه الحرب في شهر الله الحرام(رجب)، مع أن احترام الأشهر الحرام الاربعة (القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) كان متبعًا منذ أيام الجاهلية ولم يأت بها الاسلام، وإنما صادق عليها حيث كانت متبعة في شريعة النبي إبراهيم عليه السلام، ويحدثنا التاريخ بأن في عهد الجاهلية ايضاً كانت العرب عندما تخوض الحروب بينهم ويتصادف ذلك مع الاشهر الحرام، كانوا يوقفون القتال لحين انتهاء هذه الشهور ومن ثم يواصلون القتال. إن احترام هذه الأشهر هو فرض على جميع المسلمين حيث تعتبر هذه المسألة جزءاً لا يتجزء من الشريعة الإسلامية، فأين السعودية من العرب؟ وأين آل سعود من الإسلام؟

المتغيّر السادس: لطالما وُصفت السعودية في اليمن تحديداً بالشقيقة الكبرى ومملكة الخير نظراً للمعونات الإقتصادية التي كان يقدّمها النظام السعودي لبعض العشائر اليمنية، لكن الواقع اليوم يختلف تماماً، فـ”مملكة الخير” تقتل المدنيين بدم بارد وتمنع حتى المعونات الإنسانية من الوصول إلى الشعب اليمني. السعودية لم تعدد مملكة الخير في نظر الشعب اليمني بل باتت مملكة الشر حالياً، وقد أسقطت السلطات السعودية عن نفسها صفة “الشقيقة الكبرى” لتحل مكانها”جار السوء “.

المتغيّر السابع: إعتمدت السعودية سابقاً على “رباطة الجأش” في سياستها الخارجية، حيث يسجّل لسلطات الرياض أنها كانت تحافط على شعرة معاوية مع الجميع وتتسم علاقاتها الخارجية بالإتزان، لكن الشباب عديمو الخبرة(المحمدين)-محمد بن نايف ومحمد بن سلمان- استبدلوا رباطة الجأش بالهمجية، والإتزان بالتهوّر .

المتغيّر الثامن: عند غياب الملك أو مرضه يشرف وليّ العهد على زمام الامور في المملكة، فمثلاً عندما مرض الملك فهد تولّى الملك عبدالله( ولي العهد حينها) قيادة المملكة من العام ١٩٩٥حتى إستلامها رسمياً في العام ٢٠٠٥ أي بعد وفاة الملك فهد، ولكن ما هو الواقع الحالي للسعودية في هذا السياق؟. سلمان البالغ من العمر ٧٩ عاما والذي يعاني من مرض”الزهايمر”، أعطى لولده محمد مفتاح الملك عبر تعينه في ثلاث حقائب ذات أهمية إستراتيجية، فبات الشاب المدلل الذي يدير الديوان الملكي هو من يتحكّم بقرارات الحرب والسلم، في ظل غياب شبه تام لولي العهد مقرن بن عبد العزيز .

اذاً، سرت التغيّرات التي أجراها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على البلاط الملكي، سرت على كافّة الثوابت السابقة من زمان عبد العزيز إلى يومنا هذا التي قد تفضي إلى شكل حكم جديد في الرياض. ما أشبه اليوم بالأمس عندما توجه الأمير عبدالعزيز، من الكويت إلى الرياض للإستيلاء عليها بعد أن إستأذن والده عبدالرحمن لكنّه فشل، فهل سيكون مصير محمد بن سلمان الذي إستأذن والده للإستيلاء على اليمن، الفشل على غرار عبد العزيز في حربه الأولى، أم إنه سينجح كما نجح الجد في حربه الثانية مكرّساً نفسه ملكاً جديداً على الدولة السعودية الرابعة؟ الكلمة للميدان .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق