المعارضة السورية إلى مزيد من التشرذم
محمد بلوط /
ازاء مسار جسر الشغور، واحتلال تركيا للشمال السوري بأسماء سلفية «جهادية» أو سورية مستعارة، تتسابق أربعة مسارات تنتظر العملية السياسية في سوريا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
أربعة مسارات ديبلوماسية سعودية، مصرية، أممية، وكازاخستانية، تتنافس في ما بينها لاستعادة المبادرة السياسية في سوريا، وتعتقد أنه لا بد من التهيؤ لاستقبال التغييرات الإقليمية بأطر سياسية معارضة جديدة، يمكن التدخل في مستقبل سوريا من خلالها، وإعادة تشكيل المعارضة وفق استراتيجيات سعودية، أو مصرية، أو أممية، أو أميركية، أو روسية.
بيد أن التشظي الذي تحوّل إلى قاعدة في عمل المعارضات السورية، سيجعل مستحيلاً التوصّل إلى تشكيلة سياسية منسجمة يمكنها الجلوس إلى طاولة التفاوض يوماً ما مع الحكومة السورية.
والمسارات الأربعة، أخطر ما فيها تكريس التشظي، عبر محاولة كل طرف تشكيل «معارضته»، وإنشاء نقاط ارتكاز لمشاريعه السورية، باتت تعتمد إلى حد بعيد على ضمور النواة الرئيسة التي شكّل «الائتلاف الوطني» جناحها في الخارج تحت سيطرة جماعة «الإخوان المسلمين»، فيما شكلت «هيئة التنسيق» جناحها الداخلي، على ما بينهما من اختلاف في الرؤى والاستراتيجيات.
كما أن ابتعاد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن جوهر مهمته في العمل على تطبيق بيان جنيف، فتح هامشاً واسعاً أمام القوى الإقليمية لتنوب عنه، ليس في تشكيل أطر المعارضة، وهذه ليست مسؤوليته، ولكن في الدعوة إلى مؤتمرات تعيد صياغة حل سياسي.
ويبدو المسار الأممي الأكثر حشداً، وتأخّراً أيضاً، بعد أن بدأ الغزو التركي للشمال السوري يرفع من معنويات «الائتلاف السوري»، ويشدّ عضده بعد طول ضياع، علماً أنه لن يكون قادراً على ترجمة مكتسبات الهجوم على ادلب وجسر الشغور، لأنه ليس مَن حققها، كما أن الجماعات «الجهادية» والسلفية التي حققتها لن تكون قادرة على تصريفها سياسياً، لأنها لا تملك مشروعاً سياسياً في سوريا، باستثناء تقاسمها كمراكز نفوذ بين امراء الحرب وزرع الفوضى، وتكثير «الإمارات الجهادية».
فبعد عام تقريباً من الرهان على اقتراح تجميد القتال في حلب، من دون أن يتقدّم خطوة واحدة، يبدأ دي ميستورا مشاورات تمتد حتى نهاية حزيران مع ممثلي المعارضة السورية. ولا يبدو أن الهروب الى جنيف، سينقذ مهمة دي ميستورا. فحتى قبل أن يتلقى «الائتلاف» الدعوة، تولى رئيسه خالد خوجة دفن «جنيف 3»، بالقول بالأمس، وفي سياق غزو جسر الشغور، «إنه لن يقبل بأي تسوية سياسية لا تتضمن إسقاط نظام بشار الاسد». وكان قد قال عكس ذلك قبل شهر تماماً في باريس، وقال إنه لن يشارك في أي مفاوضات أو أي مشاريع لحل سلمي.
وإذا كان صحيحاً أن الدعوات وجهت أيضاً إلى الفصائل المسلحة أو السياسية من دون تمييز، على قاعدة البحث ببيان جنيف، فالأرجح أن دي ميستورا لا يعرف تماماً سيرة هذه المجموعات، التي لم يستطع أن يتوصل معها إلى مجرد وقف لإطلاق النار، أو حتى جلب ممثليها إلى لقاء في حلب مع موفديه إلى المدينة ومديرة مكتبه في دمشق خولة مطر. كما لم يفهم الرسائل التركية التي بعثوا بها بمجرد رفضهم استقباله، أو بحث أفكاره، التي كان أخطرها مشروعه لتجميد القتال في حلب، والذي يهدّد ما يقومون به حالياً من غزو للشمال السوري.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد وافق على اقتراح دي ميستورا تجميد القتال في حلب، مع علمه المسبق أن الأتراك سيتكفّلون بإحراق أوراقه، بمجرد أن يأتي على اقتراح إقفال خطوط الإمداد التركية أو الأردنية، ومعابر المقاتلين، كما ينص على ذلك قرارا مجلس الأمن 2170 و2178.
والأهم أن الجماعات التي يدعوها إلى بحث بيان جنيف، سبق لها أنها أبدت رأيها بالبيان قبل انعقاد «جنيف 2» العام الماضي، عندما هدّد قادتها، ومن بينهم زهران علوش، في بيان شهير، بقتل كل مَن يذهب إلى تلك المفاوضات.
وحتى لو افترضنا أن هؤلاء سيقبلون بالذهاب إلى جنيف، فما هو الثمن الذي ستدفعه الأمم المتحدة، ومَن هي الجهة التي ستشكل الوفد، علماً أن «الائتلاف» لا يزال يعتبر نفسه مرجعية حصرية للشعب السوري. وحدها الفصائل المقاتلة على الجبهة الجنوبية وافقت على إرسال ممثلين عنها إلى المشاورات في جنيف.
ويبدو دي ميستورا محكوماً بالنجاح في ظروف صعبة جداً، إذ بعد عام من الإخفاقات التي لم تتوقف، يحتاج الرجل إلى تحقيق خطوة واحدة، أو نجاح متواضع، قبل أن يجبره انتهاء مدة تفويضه الأولي ختام حزيران، على تقديم استقالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إذا لم يطرح أفكاراً أخرى، ليس بالضرورة منها التفاوض في جنيف.
إن دعوة ممثلين للجماعات المسلحة، ليست موضع انتقاد بحد ذاته، وهي ليست بجديدة بأي حال، ففي اجتماع عقد، في اسطنبول في أيلول العام 2013، حاول وزير الخارجية القطري خالد العطية، والسفير الأميركي السابق روبرت فورد، ضمّ «أحرار الشام»، وممثلين عن جماعات «جهادية» أخرى، إلى مفاوضات جنيف الأولى، لكنهم رفضوا العرض آنذاك.
أما المسار السعودي، الذي يحاول ضابط في الاستخبارات السعودية، والديبلوماسي عبد الرحمن الحميد التأسيس له في أيار المقبل، عبر مشاورات ولقاءات مع المعارضين السوريين، فمن المنطقي، على ضوء الهجوم العام الذي تشنه السعودية في الإقليم، وخصوصاً في سوريا، ألا يكون التفاوض مع الحكومة السورية من بين خياراتها، لا على أساس جنيف ولا على غيره، رغم أن الهدف المعلن، خلال الدعوات واللقاءات التي يعقدها الحميد مع المعارضين السوريين هو البحث بتشكيل وفد مفاوض إلى جنيف. إذ لا تراهن السعودية إلا على الحل العسكري، وهي تعمل في الشمال السوري، مع الأتراك والقطريين، على تحقيق ما ردّده وزير الخارجية سعود الفيصل على الدوام، من أنه لا بد من إقامة توازن عسكري لإجبار النظام السوري على التفاوض.. على رحيله فقط.
وإذا كان صحيحاً أن تشكيل وفد مفاوض هو هدف مؤتمر المعارضة في الرياض، فإن ذلك يفتح باب التساؤل عن موقف الأتراك من تشكيل وفد من خارج «الائتلاف» الذي شكّلوه لتكريس هيمنة حلفائهم من «الإخوان» على المعارضة السورية، وما إذا كانوا موافقين أم لا على الخطوة السعودية بتحجيم «الائتلاف» نهائياً.
ويقترح السعوديون دعوة مجموعة أحمد الجربا، التي تضم فايز سارة و30 «ائتلافياً»، وجماعة «زيد»، كأسامة الرفاعي، وعمار الرفاعي، وزهران علوش وعبد الكريم الراجحي، ووجوهاً من رابطة «علماء الشام»، ورئيس غرفة تجارة وصناعة دمشق الأسبق عماد غريواتي، بالإضافة إلى بعض رجال الأعمال. بيد أن قطباً سورياً معارضاً قال إن معظم الوجوه التي يحاول السعوديون الاتصال بها، هي عناصر متطرفة، أو لم تعد تملك إمكانية البقاء في اسطنبول، وإن الهدف هو تشكيل إطار سياسي معارض جديد، أو لجنة سياسية، تمثل المعارضة، تعزل «الإخوان» الذين لا يمكن الوثوق بهم سعودياً.
وليس من المؤكد، حتى الآن، أن ينعقد مؤتمر الرياض، لأنه لم يكن في الأصل من المنتظر أن ينعقد أي مؤتمر فيها، لأن السعوديين كانوا ينسقون مع المصريين لتشكيل إطار جديد للمعارضة السورية، ينطلق من القاهرة، ويشكل محوراً عربياً منافساً للمحور التركي «الإخواني»، قبل أن يقرروا تولي الأمور بأنفسهم. ولكن الجدوى من مؤتمر القاهرة قد تطرح جدياً، إذا ما قرر السعوديون عقد مؤتمر للمعارضة في الرياض، قبل موعد مؤتمر القاهرة، الذي تمّ تأجيله أكثر من مرة، خصوصاً أن وجوهاً كثيرة من «الائتلافيين» ستحضره.
وهناك المسار المصري. وليس مؤكداً ما إذا كان هذا المسار سينعقد في الموعد المحدد له في السادس من أيار المقبل. ويلعب المعارض هيثم مناع دوراً أساسياً في عملية الاستقطاب، لتحديد الأسماء المدعوّة، والتي لن تضمّ «الإخوان»، بسبب رفض القاهرة التقليدي التعاون مع الجماعة في أي إطار كان. ومنذ أن خرجت فكرة مؤتمر الرياض، تراجعت التوقعات من الإعلان عن تشكيل سياسي جديد ينافس «الائتلاف التركي»، إلى لجنة سياسية موسعة، تعمل على ميثاق وطني جديد، تفضي إلى مفاوضات بشروط مرنة مع الحكومة السورية، ولا تتضمن خروج الأسد من منصبه مسبقاً.
وهناك المسار الأخير، الذي تدعو إليه مجموعة من المعارضين تلتف حول رئيسة «المجتمع التعددي» رندا قسيس. ومن المنتظر أن ينوب لقاء في الأستانة الكازاخستانية، عن أي لقاء مفترض في موسكو، وبتشجيع روسي. وقد ينعقد الاجتماع، الذي يحضره ما بين 30 إلى 40 معارضاً سورياً، في الأسبوع الأخير من أيار، فيما توجّه الخارجية الكازاخستانية دعوات إلى مسؤولين في الحكومة السورية قريباً، لفتح حوار شبيه بما جرى في موسكو، مع خلاف جوهري، وهو وجود مجموعة متجانسة من المعارضين السوريين، القادرين على التوافق على ورقة مشتركة، يمكن الانطلاق منها لاختبار التفاوض، في كازاخستان.