إضعاف الأمن القومی العربی: ضمانٌ لأمن الکیان الإسرائیلی حققته السیاسة الأمریکیة عبر الأدوات الخلیجیة
في الوقت الذي سعت فيه الدول الخليجية الى بناء ما سمي “القوة العربية المشتركة”، والتي هدفت بحسب ادعائهم الى الدفاع عن المصالح العربية، يتم الحديث اليوم عن مستقبل الأمن القومي العربي، إذا صحَّ التعبير. ولعل الأمر المضحك والمبكي في آن واحد، هو الترحيب الأمريكي بهذه الخطوة. لكن الشعوب التي أصبحت تفهم حقيقة الأمور بسبب انكشاف حجم المؤامرة عليها، تعلمت من التاريخ السياسي المعاصر أن أمريكا لا ترحب إلا بالكوارث التي تصب نتائجها سلباً على العالم العربي والإسلامي. فمن يريد أن يتحدث عن أمن المنطقة، عليها أن يوجه بوصلته نحو الكيان الإسرائيلي، وليس أن يقوم بعدوانٍ غاشمٍ على الشعب اليمني الأعزل. وهنا يأتي الحديث عن سر ضعف الجيوش العربية، وعدم قيامها بضرب الكيان الإسرائيلي. وهذا ما يجيب عليه السؤال التالي: كيف ساهمت أمريكا في ضرب الجيوش العربية؟ وكيف أن أمن الكيان الإسرائيلي هو الأولوية؟
أولاً: مقدمة لا بد منها
منذ بداية انهيار الإتحاد السوفيتي في التسعينات من القرن العشرين، عملت أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهم الغربيون بشكل ممنهج على إضعاف القوى العسكرية العربية قبل الدخول في مخطط تقسيم المنطقة لإقامة ما بين ٥٤ و٥٦ دويلة. ولعل إغراق الجيش العراقي بالحرب مع إيران، كان أحد أهم أسبابه ضرب قوة الجيش العراقي واستنزافه في المكان الخاطىء. لكن البداية التي شكلت منعطفاً في العصر الحالي، كانت بالاحتلال الأمريكي للعراق في سنة ٢٠٠٣، وذلك بعد حصار استغرق ١٢ عاماً. حينها تمت تصفية أهم قوة عسكرية واقتصادية وعلمية على البوابة الشرقية للمنطقة العربية. لكن أمريكا والكيان الإسرائيلي لم يكتفيا بذلك، فقاما بخلط الأوراق في المنطقة، فجاء بعدها دور السودان ليتم تقسيمه إلى دولتين مع استمرار السعي للمزيد من التمزيق. ثم ركبت أمريكا ومعها حلف الناتو حركة التطور والتحول في ليبيا ودعم مشروع الديمقراطية فيها وقلب النظام، وذلك عبر شن حرب تركت البلاد في حالة فوضى، يبدو أنها ستؤدي إلى قيام ثلاث دول متعادية. ثم استخدمت واشنطن نفس أسلوب التدخل، لإدارة التحول في تونس ومصر وسوريا وذلك من خلال ما يسمى بسياسة الفوضى الخلاقة .
ولكي تغرق أمريكا جيوش الدول العربية والإسلامية بالتفكير في حالة الفوضى الداخلية، قامت بتغيير أولويات الدول وجعلتها تسبح في مشاريع وهمية، كان الهدف منها الضرب الممنهج لقوة هذه الجيوش وإن بطريقة غير مباشرة. فانتشرت لافتات الحرب على الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والمشاركة السياسية، وحق تقرير المصير حتى اشتعلت نيران الحروب الاستباقية، فتغيرت أنظمة، وعدلت دساتير وقوانين عدة، وبرزت الانقسامات السياسية والطائفية والمناطقية والمذهبية .
وهنا يأتي الحديث عن إضعاف سوريا عسكرياً من خلال حرب مستمرة منذ آذار ٢٠١١، والتي شهدت الساحة السورية فيها كل أنواع التدخل العسكري والأمني، مما أنهك الجيش السوري الذي ما يزال حتى الساعة صامداً في وجه هذه المؤامرة الدولية. لكن الأمر المهم والذي قد لا يلتفت له الكثيرون بسبب عدم وضوحه، هو الدور الأمريكي الإسرائيلي في ضرب الجيش المصري. فبعد سوريا جاء دور مصر والتي عبر الكيان الإسرائيلي عن هاجسه من الخطر الذي يشكله الجيش المصري على أمن النظام الصهيوني .
فخلال صيف سنة ٢٠١٣ نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقريراً مطولاً أشارت فيه إلى أن ما تملكه مصر من طائرات إف ١٦ يماثل ما لدى الكيان الإسرائيلي، أما عدد الدبابات في الجيش المصري فقد فاق تلك التي بحوزة تل أبيب. وتضيف الصحيفة أن القلق الإسرائيلي الحقيقي ليس من عدد الأسلحة وإنما من التحسن في نوعية الجيش المصري، وانتقل هذا القلق إلى الكونغرس الأمريكي بخصوص القول بافتقاد البنتاغون المعيار الذي يفحص به نوعية وقدرات الجيش المصري .
فمصر تملك أكبر قوات بحرية في أفريقيا والشرق الأوسط وتتكون من سفن حربية كبيرة تسمى بالفرقاطات والغواصات وسفن مكافحة الألغام والقوارب الصاروخية وزوارق الدورية، وتعتمد على سلاح الجو للاستطلاع البحري والحماية ضد الغواصات. ويقول يوفاف شتاينتز الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي إن الأسطول البحري المصري أكبر ٣ مرات من نظيره الإسرائيلي. ولا داعي للحديث عن تفاصيل قوة الجيش المصري المعروفة بالأرقام. لكن المهم هو تسليط الضوء على السياسة العملية الإستراتيجية التي اتبعتها أمريكا والكيان الصهيوني في تدمير الأمن القومي العربي والإسلامي .
ثانياً: كيف دمرت أمريكا والكيان الإسرائيلي الأمن القومي للمنطقة
إن السياسة الأمريكية في المنطقة كانت تعتمد وبشكل كبير على الدول الخليجية وبالتحديد السعودية، الى جانب الأنظمة العربية الحاكمة. وهنا يأتي الحديث عن كيفية تنفيذ هذه الدول للسياسات الأمريكية، عن دراية ومعرفة .
– نجحت السياسة الأمريكية عبر أدواتها الخليجية في ضرب الاستقرار السوري وإضعاف قوة الجيش السوري عبر إغراقه في الحرب ضد الإرهاب، وذلك بعد ضرب ليبيا وجيشها وتقسيم الدولة الليبية .
– نجحت أدوات السياسة الأمريكية في المنطقة في ضرب الدولة العراقية وإدخال العراق في حرب طويلة تستنزف فيها القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب أيضاً .
– نجح أصحاب مشروع الشرق الأوسط الكبير، في خلق حالة من عدم الاستقرار الأمني في مصر خاصة في صحراء سيناء. وهذا ما سعت إليه أمريكا دوماً من أجل ضرب الجيش المصري وتحييده عن تهديد الكيان الإسرائيلي. لذلك نجد أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين بساكي كشفت في عام ٢٠١٣، أن واشنطن قد حجبت أكثر من ثلث المساعدات العسكرية لمصر للعام المالي ٢٠١٣. ويتعلق الأمر بمبلغ ٥٨٤ مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر المخصصة للسنة المالية ٢٠١٣. وقال مسؤولون حينها، إن هذه الأموال مودعة في البنك الاحتياطي الفيدرالي لاستخدامها في المستقبل. إلا أن ذلك ما يزال مستمراً حتى الآن .
– أدخلت السياسة الأمريكية الدول الخليجية في عدوانٍ قادته السعودية على اليمن، كان من أهدافه تعزيز الشرخ بين شعوب دول المنطقة واستنزاف جيوشها .
لقد أصبح واضحاً أن المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، ليست بجديدة. وأن انخراط الأنظمة العربية ولا سيما الدول الخليجية كان قائماً منذ البداية، لكنه انكشف الآن أمام الشعوب. ولعل الحقيقة الوحيدة التي يجب الإيمان بها تقول: إن مصدر قوة الأمة العربية والإسلامية وتحقيق الأمن القومي العربي، لن يكون إلا من خلال توجيه بوصلة الصراع نحو فلسطين. وهذا ما ستثبته الأيام المقبلة .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق