حرب اليمن: خطأ قاتل في الحسابات السعودية؟
محمد عز /
“عاصفة الحزم” المثيرة للسخرية والتي دامت لما يقارب شهراً من الزمن لم تكن سوى مجزرة بشعة راح ضحيتها الآلاف من المواطنين الأبرياء في اليمن.
فمنذ السادس والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي، تعرّض هذا البلد إلى ضربات جوية مدمرة بأحدث الأسلحة الأميركية التي تمتلكها السعودية والهدف المعلن هو “إرجاع الرئيس المستقيل عبدربّه منصور هادي” إلى السلطة، وطوال هذه الفترة لم يستسلم اليمنيون شعباً وجيشاً وأحراراً في حركة أنصار الله وتمكنوا التصدي للأعداء وثنيهم عن تحقيق مآربهم غير المشروعة. ولما أحسّ النظام السعودي بالهزيمة وعدم قدرته على إرجاع هادي إلى سدة الحكم بادر إلى لعبة لا تخفى على أي متابع للأحداث حيث تم إعلان توقف الهجمات العسكرية في الحادي والعشرين من الشهر الجاري والدخول في مرحلة جديدة أطلق عليها “إعادة الأمل” لليمن!
يرى الخبراء أنّ الرياض قد واجهت فشلاً ذريعاً على أربعة أصعدة، داخلية وإقليمة وإسلامية ودولية، كما أنّها لم تتمكن من تحقيق أيّ من أهدافها التي كانت تحلم بتحقيقها، ويؤكّد هؤلاء الخبراء أنّ السبب الأساسي من وراء تغيير التوجه السعودي بشكل مفاجئ بلغ 180 درجة وزعم حكومة الرياض انتهاء المرحلة الأولى من هذه العمليات هو شعور ساسة آل سعود بفشلهم ميدانياً، إذ كانوا يتوقعون أن هذه الهجمة ستكون بمثابة استعراض للقدرة العسكرية للجيش السعودي بغية إثبات وجوده على الساحة العسكرية داخلياً وإقليمياً ودولياً.
لكن إعلان وقف الضربات الجوية بشكل غير متوقع ومن دون تحقيق أيّ هدف من الأهداف التي طبلت لها وسائل الإعلام السعودية والعربية الموالية لها ووسائل الإعلام الصهيونية، قد أثبت بشكل قاطع أنّ هذا الجيش لا يتعدى كونه هواءً في شبك حتى وإن امتلك أسلحة فتاكة.
وما آثار سخط حكومة الرياض هو تجاهل الدول العربية في الخليج الفارسي لأوامرها، برغم أنّ حكوماتها قد أعلنت – رغماً عنها – انضمامها إلى التحالف الهشّ ضد الشعب اليمني، ولم تكن مشاركة هذه البلدان سوى بهرجة إعلامية يراد منها كسب ودّ الرياض وكذلك فإنّ حكّام الدول الخليجة يعرفون جيداً أنّهم لو لم يلبّوا أوامر الرياض سيكون مصيرهم الزوال لا محالة.
ورغم مليارات الدولارات التي تنفقها السعودية سنوياً لشراء بعض الحكومات العربية والإسلامية، لكنّ ذلك لم يكن مجدياً لها بحيث لم يؤازرها أيّ بلد إسلامي غير عربي، ما بدد أحلامها وحال دون بلوغها أهدافها السياسية التي كانت تحلم بها وذهبت دولاراتها أدراج الرياح.
ومن ناحية أخرى فإنّ هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي لا يمكن التملّص منه اليوم قد كانت له تداعيات سيئة للغاية في مختلف الأصعدة الداخلية والإقليمية والإسلامية والدولية.
الصعيد الداخلي
العاهل السعودي الجديد يحاول إيهام الرأي العام الداخلي والدولي بأنّ الحوثيين يشكلون خطراً حقيقياً على أمن المملكة التي تعاني أزمات محتدمة ولا سيّما في داخل الأسرة الحاكمة، لذلك أقحم نفسه في مغامرة لا أحد يعرف عواقبها ظناً منه بأنّه بهذا الأسلوب سيكون قادراً على إعادة ماء وجه حكام الرياض الذين فقدوا مصداقيتهم بين سكان الجزيرة العربية والمسلمين قاطبةً، لكنّ الحوثيين عبر اتّباعهم سياسةً عقلانيةً وعدم انخداعهم بخوض حرب استنزافية قد تسببوا في إفشال مساعي آل سعود وثنيهم عن تحقيق مآربهم غير المشروعة والتي كانوا يحلمون بها طوال السنوات الماضية، وبالتالي أثبت ذلك للعالم أجمع بأنّ هذه الحرب هي مهزلة أحادية الجانب وليست سوى استعراض مثير للسخرية وأنّ اليمن لا يشكل أيّ تهديد على أمن السعودية كما يزعم أعداؤه.
الصعيد الإقليمي
على المستوى الإقليمي فإنّ الحرب السعودية على اليمن لم تتمكن مطلقاً من إيجاد أيّ تغيير في معادلات القوى في المنطقة، والحقيقة أنّ حكام آل سعود حاولوا جاهدين تأسيس تحالف شامل تشارك فيها أطراف عربية ودولية إسلامية بغية تحقيق هدف طالما راود أجفانهم ألا وهو فرض أنفسهم كقيادة تدير دفّة الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي تتمكن من توجيه مسارات الأزمات نحو مصالحها ومصالح حلفائها في واشنطن وحلحلتها بما يخدم أطماعها، لكنّ تجاهل البلدان العربية والإسلامية لطلباتهم الملحّة والمتكرّرة قد جرّد هذه الهجمة اللاإنسانية من صبغتها الإسلامية المزعومة.
كما ثبت للعالم أجمع أنّ حكومة الرياض ليس بإمكانها بتاتاً تأسيس تحالف عربي بل حتّى خليجي مهما أنفقت من أموال طائلة تجنيها من نفط المسلمين وحجاج بيت الله الحرام!
لذلك لم يلتحق بركبها هنا سوى نزر يسير من بلدانٍ حكوماتها تحتاج إلى التمويل السعودي وتجامل الحكومة السعودية لامتصاص أكبر قدر ممكن من دولارات النفط من دون تقديم أيّ عون يذكر وليست مشاركتها سوى بهرجة إعلامية فضلاً عن مشاركة عددٍ من بلدان الخليج الفارسي الهزيلة التي تتجرع المرّ من سياسات الرياض وتضطرّ لأن تسير تحت رايتها رغم أنفها لكونها مسلوبة الاختيار.
الصعيد الإسلامي
على صعيد العالم الإسلامي فإنّ هجوم السعودية على بلد مسلم وتدمير بناه التحتية والصحية والخدمية وإراقة دماء الآلاف من مواطنيه الأبرياء غالبيتهم من النساء والأطفال وتشابه هذه الأعمال البشعة بما يرتكبه الصهاينة في فلسطين المحتلّة ولا سيّما في غزّة المحاصرة، فضلاً عن تشجيع الصهاينة لهذه الأعمال وإعرابهم عن سرورهم لذلك، إضافةً إلى سكوت الرياض المطبق حينما يرتكب الصهاينة تلك المجازر الشنيعة ضد الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره. كلّ ذلك أسفر عن حدوث انطباع في ذهن كلّ مسلم غيور على دينه بأنّ حكومة آل سعود التي تزعم أنّها في خدمة الحرمين الشريفين ليست فقط تتجاهل نصرة المظلوم وتغضّ الطرف عن ظلم الظالم، بل إنّها ترتكب مجازر ضد المسلمين يندى لها الجبين وهذه المجازر لا تقلّ شأناً عما يرتكبه السفاح نتنياهو الصهيوني الحاقد على الإسلام والمسلمين والمتعطش لدمائهم، والأدهى من ذلك أنّ هذا المعتوه يصفق جذلاً لما تقوم به حكومة الرياض ضد الشعوب الإسلامية في مختلف بقاع العالم الإسلامي.
فهذه الحقائق المريرة ستحول قطعاً دون تحقيق حلم السعودية بزعامة المسلمين في العالم ولا سيّما بعد تأسيس لجنة تقصّي الحقائق في اليمن وإثبات تقاريرها بأنّ الطائرات الأميركية التي تمتلكها السعودية قصفت الشعب اليمني المسلم بأسلحة محرمة دولياً وبما فيها قنابل فسفورية سامّة وحرارية وهو تماماً ما فعله الصهاينة في غزّة حينما صبّوا حميم حقدهم على أبنائها المسلمين وكأنّ الطائرات السعودية اليوم هي نسخة طبق الأصل من طائرات “تل أبيب”. كما أنّ تأييد حكومة الصهاينة لهذه الهجمة المدمرة قد أدّى أيضاً إلى ابتعاد الحكومة السعودية عن العالم الإسلامي.
الصعيد الدولي
وأمّا على الصعيد الدولي، فإنّ حكام آل سعود عبر زعم أنّهم يحملون لواء إدارة أزمات المنطقة واعتبار أنفسهم ضمن القوى المؤثّرة في الشرق الأوسط ومن خلال محاولاتهم البائسة في النيابة عن واشنطن للتدخل في مشاكل بلدان المنطقة بشكل مباشر، يحاولون في الواقع نفش ريشهم وإيهام العالم بأنّهم النوّاب الشرعيون للأميركيين لكن أنّى لهم ذلك!
فعجزهم المتوقع عن التصدّي لهذه المهمّة الخطيرة قد ثبت للعيان بالدليل القاطع في أزمة اليمن، إذ إنّ هذا البلد الذي لا يمتلك أيّ سلاح متطور ولا يمكن مقارنة قدراته الدفاعية مع عشر القدرات العسكرية التي تمتلكها السعودية قد أثبت أنّ الرياض لا حيلة لها سوى إنفاق مليارات الدولارات باستمرار لأجل كسب دعم دولي محدود ومؤقت بطبيعة الحال حيث ينفد مع نفاد تلك الدولارات.
إنّ الهجمة السعودية ضد الشعب اليمني قد عجزت عن تحقيق أهدافها الموضوعة مسبقاً على مختلف الأصعدة الداخلية والإقليمية والإسلامية والدولية كما أنّ السبب الأساسي للقرار الأحادي في محاولة تغيير مسار الحرب وزعم إيقافها هو الفشل الذريع ميدانياً وأبرز دليل على ذلك هو سيطرة اللجان الشعبية على مناطق شاسعة من اليمن مقارنة مع ما كانت تسيطر عليه قبل هذه الهجمات التي دمرت الحرث والنسل فحسب.