التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

لماذا یفضل سعد الحریری مصالح السعودیة علی لبنان؟ 

يشهد لبنان تنوعا سياسيا وطائفيا فريدا من نوعه، وموقعا جغرافيا استراتیجيا شديد الأهمية، ما جعله محط انظار الطامعين فيه. آل سعود الذين يستأثرون الحكم في السعودية، هم احد الطامعين، وتدخلاتهم في لبنان يشهد لها التاريخ ولا زالت. وفي هذا الشأن يتقاسم الأفرقاء السياسيون نظرات متباينة حول السعودية وتدخلاتها في الشأن اللبناني، فخارطة آل سعود الحاكمة تبدو لبعض السياسیين اللبنانیين شبه واضحة، فهم يميزون بين المعتدل والمتطرف، والأهم بين السخي والبخيل…، ولعل اكثر ما يمكن الحديث عنه في هذا الأطار، يكمن في العلاقة بين آل سعود و آل الحريري، وهذه العلاقة يترجمها رئيس الوزراء السابق للبنان سعد الحريري، لتكثر التساؤلات عن طبيعة هذه العلاقة، ومن هو المستفيد؟؟؟ وليبقى السؤال الأبرز، لماذا يفضل سعد الحريري مصالح السعودية على مصالح لبنان؟؟؟ وهي الاتهامات التي يتحدث عنها الكثير من الساسة اللبنانيين، وأدلتها تحكي عنها التجربة العملانية على الأرض.

العلاقة بين آل الحريري في لبنان والسعودية ليست حديثة العهد، فهي تعود الى الحقبة التي بدأ فيها آل الحريري بروزهم على الساحة السياسية اللبنانية، مع صياغة الطائف والذي كان فيه للسعودية الدور الأساس والمباشر في صياغة بنوده. وكان آنذاك اللبناني رفيق الحريري ممثل السعودية لإدارة هذا الملف، والذي اصبح فيما بعد رئيسا للوزراء في لبنان، ليحتل آل الحريري مكانة خاصة بين الطائفة السنية في لبنان في ظل تراجع التكتلات والشخصيات السياسية السنية الأخرى.

ومع اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري كان لا بد من أن يحل مكانه وريث سياسي للعائلة، ليقع القرار على ابنه سعد الحريري، ولينتخب فيما بعد رئيسا للوزراء في العام ٢٠٠٩، لتشهد فترة رئاسته العديد من الانتقادات، بما مفاده انقياد الحريري لأوامر داعميه من آل سعود، كان مؤداها استقالة حكومته. سعد الحريري الوريث السياسي لأبيه يمضي معظم أوقاته ومنذ فترة بين الرياض وباريس، فيما يقوم تياره السياسي باستمرار منهجه. هذه المنهجية والسياسة التي اتبعها الحريري الابن والقائمة على تغليب مصلحة حكام السعودية على مصلحة الوطن، بالإمكان إرجاعها لعوامل عديدة ابرزها كالتالي:

– جرت العادة في لبنان بأن يحل مكان الزعيم السياسي أحد أفراد عائلته، وتبقى الأرجحية في أغلب الأحيان للابن في إكمال المسيرة السياسية، ولكن أغلب السياسيين يعمدون الى تسليم ابنهم المكانة السياسية بشكل تدريجي، وهو خلاف ما حدث مع آل الحريري، اذ جاء استلام سعد الحريري لهذه المكانة السياسية الكبيرة، والتي تتطلب حكمة ووعي كبيرين، بشكل مفاجىء. فعدم حنكته السياسية وافتقاره لرؤية استراتیجية، جعلت منه الشخص الذي يسهل الاستفادة منه لتحقيق المكاسب والمآرب، وهو ما استفادت منه السعودية بل ودول كثيرة، خاصة في الفترة التي كانت تقود فيها أمریکا من خلال السعودية حملة على النظام السوري.

– المستشارون والمحيطون به، من الذين كانوا ملازمين لوالده، وكانوا يحتلون مكانة خاصة عند ابيه، كان سببا في ثقته بهم، وبالتالي هم وجدوا في ذلك الفرصة المناسبة في توجيهه لما فيه منافعهم ومصالحم الشخصية، خاصة وأن منافعهم تتعارض مع جو من التوافق مع الأفرقاء الآخرين وشركاء الوطن، وهو ما تلتقي عليه السعودية، ودعمها للتكفيريين في منطقتنا خير شاهد على ذلك.

– اسلوب تعامل السعودية مع سعد الحريري، فهم لا يأخذونه على محمل الجد. وفيما كان رفيق الحريري شريكاً فاعلاً في صنع القرار السعودي، وكان ينصح القيادة السعودية كيف تطوّر مصالح لبنان وكذلك السبيل الأفضل لتحقيق مصالح السعودیة في لبنان، فإن السعوديين يتعاملون مع سعد مثل طفل، وبأنه لا زال غير ناضج سياسيا، وبالتالي فإن عدم التوازن المترتب في العلاقة جعلت من الصعب على سعد الحريري تغيير الانطباع بأنه مجرد دمية سعودية، الذي سوف يعمل بكل ما تأمره به الرياض.

– المصالح الاقتصادية لسعد الحريري في السعودية، من شركات اتصالات ومقاولات وبناء، وكذلك الالتزامات الشخصيّة، جعلته ينظر الى انه مدين كثيرا اتجاه السعودية وأمرائها. يأتي ذلك الى الأزمة المالية غير المسبوقة التي مر بها، والتي دفعت به لطلب العون من الملك وكبار الأمراء للحصول على الدعم، كان حاصلها أن ابدت السعودية عن استعدادها لدعمه بـ ٤ مليارات دولار لسد ديونه والمستحقات المتوجبة عليه.

 – قناعته بأن شق قنوات مع العائلة الحاكمة، والاستفادة من الدعم السعودي السياسي والمالي، كفيل بتمكينه إقامة بنية حزبية قوية، واستدراج انصار ومحازبين، وبالتالي مشروعا سياسيا قويا.

– تربيته لم تكن بعيدة عن تربية القصور وتقاليد العائلة المالكة في الخضوع للكبير، والتزلّف للقوي، ومداهنة المنافسين، وإطراء الحلفاء المحتملين، وهو ما ترجمه عمليا في لبنان في ظل التدخلات السعودية المدعومة دوليا، ليتولد لديه قناعة أن السعودية ومن يقف ورائها هي الأقوى على الساحة اللبنانية، وبالتالي مضيه في سياسة التبعية للسعودية سيكسبه القوة والغلب سياسيا على باقي الأفرقاء وشركاء الوطن.

لكن ما لم يأخذه الحريري بالحسبان، ان السعودية تعمل في لبنان كما في كل بلد تتدخل فيه، لما يحقق مطامعها ومنافعها، وبالتالي فإن الحريري يبني على وهم بأن آل سعود لن يتخلوا عنه مهما حصل، وأنه خيارهم الوحيد في لبنان، لمجرد أنه من حملة الجنسية السعودية أو لكونه ابن رفيق الحريري. قد تحصل في لبنان صفقات سياسية يكون نتاجها انتخاب الحريري مرة اخرى لرئاسة الوزراء، لكن ليس لأن الحريري خيار دائم لآل سعود. في الواقع، تراجع الرصيد السياسي والشعبي للحريري الابن مقايسة مع السابق، حين قرّر الامتثال لإرادة الخارج، فيما كان يرفض الإصغاء إلى نصائح شركائه في الوطن.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق