بین الناتو وروسیا: هل تُنبِئ شبه القطیعة، بعداوةٍ تتطور حرباً عسکریة؟
يبدو أن الأمور تتجه للتأزم بين روسيا وحلف الناتو، بعد قيام الأخير بزيادة تحركاته في المناطق التي تقع على الحدود الروسية والتي يمكن تحديدها بالجبهة الشرقية. وهو ما أدى لإتهام روسيا للناتو بالقيام بأعمالٍ استفزازية من شأنها أن تزيد من حال التوتر. في ظل حديثٍ عن خطٍ ساخن بين روسيا والناتو، طلبه الأخير من أجل البقاء على تواصل مع الجانب الروسي. فماذا في تطورات الأزمة بين الروس وحلف الناتو؟ وكيف يمكن قراءة مستقبل العلاقات بين الطرفين؟
أولاً: التصعيد بين الجانبين:
أعلن نائب وزير الدفاع الروسي “أناتولي أنتونوف” يوم الخميس المنصرم، أن جميع أشكال التعاون المشترك مع الناتو توقفت بما فيها مشاريع التعاون في أفغانستان. وأضاف أنتونوف في تصريح صحفي، أنَّ “العلاقات الحالية بين روسيا والناتو هي بمستوى التمثيل في الحلف”، مشيراً إلى أن “بلاده ستقلص حجم تمثيلها في حلف شمال الأطلسي الـ(ناتو)”. ولفت أنتونوف، إلى “زيادة حلف الناتو تحركاته في المناطق قرب الحدود الروسية، وأن نسبة ٩٩% من مناورات الحلف تجري في الجبهة الشرقية”، واصفاً ذلك بـ”الأعمال العدائية ضد روسيا”. وتطرق أنتونوف الى الاتفاق بين روسيا وأمريكا، بخصوص تدمير الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، والذي أشار الى أنه يعد من أهم الاتفاقيات بين البلدين لتعزيز الثقة وتحقيق الأمن. لكنه أوضح أن واشنطن تجاهلت تنفيذ الاتفاقية المذكورة، في الوقت الذي قامت فیه روسيا بتنفيذ الاتفاق بكل حسن نية، ودمرت صواريخ وأنظمة إطلاق الصواريخ أكثر من أمريكا.
من جهة أخرى بدأ حلف شمال الأطلسي يوم أمس إحدى أكبر مناوراته على الإطلاق للتصدي للغواصات في بحر الشمال، ودعا السويد، الدولة غير العضو في الحلف، إلى المشاركة للمرة الأولى. وتشارك قطع بحرية من ١١ دولة في المناورة التي أُطلق عليها اسم “ديناميك مونجوز”، وتتضمن محاكاة لاكتشاف غواصات ومهاجمتها، وذلك في واحد من أكثر البحار صعوبة من حيث الأخاديد والتيارات السريعة. وتزايدت التوترات في دول المنطقة منذ أن انفجر الصراع الروسي ــ الأطلسي، حيث يقول الأخير إن دول البلطيق، المتحالفة دفاعياً مع الدول الاسكندنافية، تخشى أن تكون “الهدف التالي المحتمل” بالضم بعد شبه جزيرة القرم، إذ توجد في كل منها أقليات روسية كبيرة. وفي الشهور القليلة الماضية، كان الأدميرال براد وليامسون، قائد المناورة الأطلسية قد صرح أن “روسيا لها حق في أن تكون في البحر… تماماً مثلما لنا الحق”. وتابع وليامسون “لكن الحوادث التي شهدناها لا تتفق مع اللوائح الدولية… وهذا سببٌ للقلق”، مضيفاً أن المناورة “ليست رداً على ذلك… لكن الأمر له صلة بالمناورة” على حد تعبيره.
ثانياً: تحليل وقراءة:
إن الأوضاع بين روسيا ودول الناتو تأخذ منحی تصادمياً بسبب مواقف الأخيرة التي تتماشى مع السياسة الأمريكية. ولعل سياسات الناتو أدت الى امتعاض الروس بسبب ما يمكن تسميته وقوف هذه الدول الى جانب الموقف الأمريكي، مع العلم أن وجودها على مقربة من الروس يستوجب منها الحذر أكثر من سخط الطرف الروسي. وهنا يجب الإشارة الى التالي:
– إن أكثر ما يؤشر الى حجم المشكلة بين الطرفين هو ما أشارت له صحيفة ألمانية الأحد الماضي، عن أن قيادة حلف الناتو ووزارة الدفاع الروسية أقامتا خط اتصال سريع متبادل استجابة منهما للتوتر المتصاعد في أوروبا. وأشارت صحيفة frankfurter allgemeine” zeitung” إلى أن الهدف من هذه الخطوة، التي تعد الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، تمكين القيادات العسكرية من معالجة القضايا الناشئة على الفور، لافتة إلى أن قناة الاتصال المقامة مماثلة لتلك التي استعين بها عقب أزمة الصواريخ الكوبية عام ١٩٦٢. وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر في مقر الحلف إن “الناتو والقيادة العسكرية الروسية تربطهما قناة اتصال من جديد. وكان قد منح القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا ورئيس اللجنة العسكرية في الحلف، إمكانية التباحث مع الزملاء الروس”. وهنا يأتي السؤال الأهم وهو هل يعني ذلك أن الحرب الباردة قد انتهت وتتجه الأمور الى ما هو أسوأ بين الطرفين؟
– لكن الأغرب في الموضوع هو أن مجلة “der spiegel” الألمانية ذكرت في نهاية يناير الماضي أن حلف شمال الأطلسي يرغب في إقامة “خط اتصال ساخن” دائم مع الجانب الروسي. وأشارت المجلة الألمانية إلى أن هذه الفكرة جسّدت على أرض الواقع في إبريل عام ٢٠٠٣، إلا أن هذا الخط توقف عن العمل بسبب الأزمة الأوكرانية. وهو ما يدل حقيقةً على أن الناتو أصبح يدرك أن الأزمة بينه وبين روسيا قد تطول منذ ذلك الوقت. وبالتالي فهل يعني ذلك تأكيد حلف الأطلسي مضيه بالتصعيد؟
– وكانت “der spiegel” قد أشارت إلى أن المبادرة في هذا الشأن تعود إلى وزير الخارجية الألماني فرانك – فالتير شتاينماير الذي قال مطلع كانون الأول عام ٢٠١٤ في اجتماع مع نظرائه من أعضاء الحلف وروسيا “يجب علينا أن نملك إمكانية أن نكون على اتصال بسرعة ومباشرة”. وأكدت المجلة أن قيادة حلف الناتو لديها الرأي ذاته، لافتة إلى أن الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ أصدر أمرا بعد اجتماع وزراء خارجية دول الناتو، بإعادة الاتصال الدائم مع الجانب الروسي. فهل ينبئ الوضع بمزيدٍ من التأزم؟
إن الأمور بين روسيا وهذه الدول تأخذ منحی تصادمياً يحتاج للتأمل والمراقبة. لكن القادم من الأيام وحده هو الذي يمكن أن يحدد مجرى الأمور. فروسيا اتخذت قرارها بشأن التعاطي الصارم مع دول الناتو، وهو ما أوجب إقامة خطٍ ساخن للبقاء على تواصل. ولكن الوصول الى مرحلة شبه القطيعة، هو أمرٌ ينذر بالمزيد من التصعيد. فروسيا أصبحت تعلن وعلى الملأ انزعاجها من الأسلوب الأمريكي في التعاطي مع الاتفاقيات، وهو ما يعني سياسياً أن روسيا أصبحت تحشد لشرعنة ما تريد القيام به. لكن الخطير في المسألة هو: ما الذي تنوي عليه روسيا في المستقبل؟ وهل وصلت شبه القطيعة الى حد العداوة مع الناتو؟ وكيف يمكن تفسير قرار بوتين بتقديم أول دبابةٍ تصنعها روسيا منذ انهيار الشيوعية، والتي يقال إنها أقوى دبابة في العالم، في الأسبوع المقبل في الذكرى السبعين لانتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية؟ كلها أسئلة تحتاج لانتظار المقبل من الأيام، لكنها حتماً تدل على تصعيدٍ خطير.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق