یاسر عرفات القائد.. وفلسطین القضیة المرکزیة
تأتي ذكری مرور أكثر من عشر سنوات على وفاة الزعيم الفلسطيني ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، والذي كان قد توفي في فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ٢٠٠٤ دون أن يعرف أطباء مستشفى بيرسي (حيث كان يتلقى العلاج) السبب الحقيقي لوفاته. وسلمت بعد الوفاة نسخة من ملفه الطبي إلى السلطة الفلسطينية وأخرى إلى أرملته سهى عرفات. وبالرغم من المطالبات الكثيرة التي أكدت على ضرورة كشف الظروف الغامضة التي أدت إلى وفاة ياسر عرفات، إلى أن التحقيقات والفحوصات المخبرية التي أجريت، لم تكن لتوصل إلى نتائج واقعية، خاصة في ظل الحديث عن عملية تسميم من خلال مادة البلونيوم، والتي اثبتت بعض التحاليل وجود هذه المادة في الدم. وقد أجري مؤخرا تحقيق أشرفت عليه المحكمة الفرنسية لتتوصل إلى نتائج مغايرة للنتائج السابقة، معتبرة أن ياسر عرفات لم يقض مسموماً. فما هي خبايا الموضوع؟ وهل من تناقض بين نتائج المحكمة الفرنسية وغيرها من النتائج والدراسات السابقة والجديدة؟ وما أهداف ودلالات المماطلة في مثل هكذا موضوع يمكن التحقق منه بسهولة؟
في العام ٢٠٠٦، أي بعد عامين من وفاة الرئيس ياسر عرفات، صدرت معلومات التحقيقات التي أجريت بخصوص وفاة الرئيس ياسر عرفات. وقد أشارت المعلومات التي استندت على فحوصات طبية أجريت بعد أخذ عينات من الدم، بأن الرئيس ياسر عرفات قد قتل مسموما بمادة البولونيوم. حينها توجهت سهى عرفات أولا إلى سلطات فرنسا حيث توفي زوجها هناك، وطلبت أرملة عرفات من أطبائه عينات الدم التي أخذت منه خلال فترة علاجه، لكنهم امتنعوا عن الاستجابة للطلب بدعوى السرية الطبية. لكن في ٢ أبريل/نيسان ٢٠١٢، تلقت سهى عرفات إجابة من الشرطة العسكرية الفرنسية تفيد بأن العينات تم إتلافها عام ٢٠٠٨ لأن أحدا لم يطالب بها. وهنا يبرز التناقض الأول بين المطالبات التي اقدمت عليها زوجة ياسر عرفات، بالإضافة الى الجهود التي قامت بها السلطة الفلسطينية آنذاك، وبين ادعاءات الشرطة العسكرية الفرنسية .
في ١١ مايو/أيار ٢٠١٢، اتخذت قضية وفاة عرفات مسارا مختلفا بعد أن وضع خبراء معهد الأشعة الفيزيائية الجامعي في مدينة لوزان الفرنسية تقريرا عن نتائج فحوصهم لأغراض عرفات الشخصية، التي سلمت لهم من قبل أرملته يفيد بوجود كميات غير عادية من مادة بولونيوم ٢١٠ المشعة فيها. فشكلت فرنسا تحقيقا جنائيا، وعينت ثلاثة قضاة من محكمة ناتير غربي باريس للتحقيق بالقضية، وقد استلزمت التحقيقات الذهاب إلی رام الله، حيث دفن الرئيس الفلسطيني، لأخذ عينات من الجسد وإجراء الفحوصات اللازمة للقضية .
الجدير بالذكر أن التحقيقات أشرف عليها خبراء فرنسيون وروس، وقد أبلغت لجنة التحقيق الفرنسية نظيرتها الفلسطينية، بأن القوانين الفرنسية تحظر عليها إشراك أي جهة أخرى. وقد أجريت التحقيقات والتي أخذت مسارا طويلا ومعقدا اشتمل على التحقيق مع بعض الشخصيات التي كانت مقربة من الرئيس عرفات، لكن ما خلصت إليه النتائج يظهر تناقضا شديدا .
فقد أعلن مسؤول في هيئة الطب الشرعي الروسي أن الفحوصات التي أجريت على العينات المستخرجة لا تفيد بأن الرئيس الفلسطيني الراحل مات مسموما بالبولونيوم. في المقابل فإن هيئة الطب الشرعي الرسمية تنصلت من تلك التصريحات وقالت إنها سلمت النتائج لوزارة الخارجية الروسية .
أما خبراء الطب الشرعي السويسريون فقد سلموا تقريرهم حول فحص رفات عرفات إلى السلطة الفلسطينية ومحامي سهى عرفات. وبحسب التقرير السويسري فإن نتيجة التقرير تفيد بأن معدلات البولونيوم الموجودة في رفاته تبلغ ١٨ ضعف المعدلات الطبيعية وبأنهم على يقين بنسبة ٨٣% بأن عرفات مات مسموما بالبولونيوم .
أما التحليلات الطبية التي توصلت إليها اللجنة الفرنسية، فأكدت أن عرفات لم يَقْض مسموماً. جاء ذلك بإعلان وكيلة النيابة في محكمة نانتير الفرنسية، كاترين دونيس، في بيان، أن الخبراء الفرنسيين يُشددون على أن البولونيوم ٢١٠ والرصاص ٢١٠، الذي تمّ قياسُه في قبر عرفات وفي العيّنات التي تم استخراجُها من جثمانه، يعودان إلى طبيعة المكان المحيط، وهو ما يناقض التقرير السويسري الذي اعتبر بأن مادة البلونيوم ٢١٠ قد بلغت نسبة ١٨ ضعف المعدلات الطبيعية، وهنا يكمن لب المشكل في القضية والتناقض بين الأقوال والتحقيقات .
كما أصدرت دار لارشيبل الفرنسية أخيرا كتاب (قضية عرفات… الموت الغامض للزعيم الفلسطيني) للصحافي الفرنسي ايمانويل فو. ويخلص هذا العمل إلى أن الوفاة لم تكن طبيعية بناء على مجموعة شهادات ووثائق جمعها متعقبا المحطات التي مرت بها القضية منذ وفاة أبو عمار في مستشفى بيرسي العسكري في باريس قبل عشر سنوات (١١ نوفمبر ٢٠٠٤) وحتى إعادة فتح الملف من خلال تحقيق قناة الجزيرة وتقرير مخبر سويسري عن تسمم الزعيم الفلسطيني بالبولونيوم ٢١٠، من ثم أخذ عينات من رفاته وتحليلها .
يطرح الصحافي، وهو رئيس تحرير في إذاعة أوروبا سلسلة من الأسئلة حول النقاط الغامضة في القضية. فيتساءل مثلا عن أسباب عدم تشريح الجثة، واستبعاد الفرنسيين احتمال التسمم، وعن إعطاء أرملة عرفات وابن شقيقته ناصر القدوة ملفا طبياً ناقصا، وعن اختلاف نتائج تحليل رفات عرفات بين الخبراء الفرنسيين والروس والسويسريين، وعدم نشر تقرير الخبراء الفرنسيين على غرار الروس والسويسريين، وامتناع القضاة الفرنسيين عن الرد على طلب تعاون لجنة التحقيق الفلسطينية .
ويبقى السؤال الأكبر، لماذا قامت السلطات الفرنسية آنذاك بتدمير عينات الدم والبول وسائل النخاع الشوكي التي استخرجت من جسم الرئيس؟ ولماذا تبقى تفاصيل قضية عرفات مجهولة؟
قد يمكن الإجابة عن السؤال من خلال فهم طبيعة الصراع، والدور الذي كان يؤديه الرئيس الراحل، والقضية الفلسطينية الكبرى التي كان يحملها، وهي بطبيعة الحال تستلزم على من يقف بوجه قضايا الأمة، من إخفاء أي أثر قد يشير إلى المجرم الحقيقي وأعداء الإنسانية، وما التحقيقات والدراسات والمحاكم التي تشرف عليها فرنسا بهدف الكشف عن حقيقة القضية والغموض الذي يكتنف مسئلة وفاة الرئيس الفلسطيني، إلا حاجة ملحة وضرورية تفرضها مثل هذه القضية والأمة التي تقف خلفها، وتصر على كشف الفاعلين، وفيه ترى فرنسا أو غيرها لزوما عليها للرضوخ أمام هذا الواقع، ناهيك عن الفوائد التي تحصلها من خلال تتبع هكذا موضوع، من اجراء اختبارات ودراسات وتحاليل بهدف التطوير والاستنتاج. ولا يخفى على أحد سياسة هذه الدول، من اتخاذ هذه التحقيقات اسلوبا منها لتمييع القضايا وطمسها وإخفائها عن أهلها والمطالبين، وغض النظر عن كل الجرائم التي يرتكبها الکیان الإسرائیلي وأعداء الأمة .
إن جرائم هذا الکیان وأعداء الأمة والقضية، وما يرتكبونه في كل يوم من عملية قتل وتصفية لرموز الأمة، فقد أضحى كل فرد من الشعب الفلسطيني، وكل فرد من افراد الأمة المطالبة بتحقيق العدل وإرجاع الحقوق الى أهلها، رمزاً من رموز القضية والإنسانية، یغتاله الکیان الإسرائیلي، ولا من مطالب، يريدون أن يشغلوا فكر الأمة عن قضيتها الأساس، القضية المركزية، عنوان الأمة، قبلة المسلمين فلسطين .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق