ضحى الكاتب ..إطلالة متفردة في التشكيل العراقي
· علي عبد الحسن
لاتزال تقنية معالجة سطح اللوحة المعاصرة هي الشغل الشاغل الذي يؤرق الفنانين ،فهي المادة الأولية التي يخرج من خلالها الشكل الناطق بالمضمون ،وهي من أهم ما يحدد أسلوبية الفنان المتفردة ،وقد يقضي الفنان جلّ عمره في الدراسة والبحث والتجريب ليصل الى نتيجة مقنعة ،لكنها سرعان ما تتبدد بفعل استمرار البحث والتجريب وتطور الاساليب التقنية ،هكذا تستمر عملية العطاء الابداعي المتجددة الرافضة لحدود النمطية، قد يكون ذلك معقولا للفنانين المحترفين الذين درسوا -أكاديميا -أصول الفن وعناصره وفلسفة الجمال الفني ،لكنه لا يكون كذلك على من لم يحظّ بتلك الفرصة، كما هو الحال مع الفنانة ضحى الكاتب ،فهي لم تدرس الفن أكاديميا ،لكنها كانت مُجدة في بحثها الفني الدؤوب ،وغزيرة في تجاربها ،مطلعة بامتياز على تجارب معظم الفنانين ،حريصة على حضور المعارض التشكيلية بكل أنواعه ،تقرأ المنتج الفني بلغة رصينة .
كل ذلك جعلها تختزن –من حيث تعلم او لا تعلم – كمّا معرفيا واكاديميا هائلا امتزج مع ذائقيتها الحسية المتقدة ،لتحيل المفردات الشكلية والموضوعية التي عشقتها منذ طفولتها الى اعمالٍ ابداعيةٍ جمعت فيها كل مقومات العمل الفني الناجح كالمادة والشكل والمضمون ،كما تفردت بأسلوبيتها النادرة في طريقة معالجتها لسطوح تلك اللوحات ،والتركيز في تلك المعالجة على الملمس من خلال استخدامها لمواد متنوعة تقترب فيها للميكس ميديا أكثر من اقترابها للكولاج .
أرادت ان تجمع في اعمالها كل المفردات المادية والجمالية التي رافقتها في سنوات عمرها المعبأ بألآم وآمال جيلها ،فلا نستغرب عندما نرى قماشة الجنفاص –بكل ما تكتنزه تلك المادة من روحية – تتوشح جميع اشكالها ،تلك الاشكال التي لم تلونها بالاصباغ اللونية المعتادة وكان لسان حالها يقول ” الأصباغ لا تشبع ثورتي الأنفعالية ” ، فلم تجد ما يبث فيها الحياة غير قصاصات من القماش تحمل الوان الذكرى وشجون الأشكال ،ففكرة القماش لا تخلو من رؤية فلسفية قصدية تكون من خلال رؤيتها العميقة لتلك الاشكال التي طالما أحبتها ،وكأنها قد جُرِدت من حميميتها وجماليتها والأسباب في ذلك التجرد والعري كثيرة،فأحبت أن تخيط لها كسوتها وتطرز لها جمالها –المفقود-بقوة كي لا يسقط عنها مجددا ، كانها تتقصد تذكيرنا بحميمية وعفوية وبساطة الماضي وروعة ما كانت تخيطه الأم لأطفالها ايام الاعياد…!
تمكنت ضحى الكاتب – بامتياز – من المزج الحسي الانفعالي المسؤول بين عفوية اللوحة ذات المضامين الروحية العميقة ،وبين القصدية التي تجلّت في حنكتها التقنية وتراكم معرفتها وخبرتها المعززة بتجاربها التي لا تعترف الحدود .
طباعة الخبر
ارسال الخبر الى صديق
في ثقافة وفن