قراءة بین السطور لقمة کامب دیفید المنتظرة
ينظر العالم للقمة التي ستعقد بين أمريكا والدول الخليجية بعد أيام. لكن المهم في الموضوع هو حقيقة الأسباب والنتائج. فالعالم اليوم قد تغير، وقواعد اللعبة أصبحت جديدة على الجميع. من هنا، ما هي القراءة الحقيقية لقمة كامب ديفيد المنتظرة؟
أولاً: الأجواء ما قبل قمة كامب ديفيد:
من المتوقع أن يجدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال قمة تجمعه مع زعماء الدول الخليجية الأسبوع المقبل مساعيه للتأكيد على حرص أمريكا حفظ أمن الخليج الفارسي، من خلال نشر منظومة دفاعية مشتركة لحماية المنطقة. ونقلت “رويترز” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن أوباما يسعى لطمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة وتهدئة مخاوفهم من أي اتفاق نووي مع طهران. ويتوقع هؤلاء المسؤولين وبحسب رويترز، أن تعرض واشنطن على دول مجلس التعاون بالإضافة إلى مشروع الدرع الصاروخية المشتركة، تقديم ضمانات أمنية واسعة النطاق وعقد صفقات أسلحة جديدة وتكثيف المناورات العسكرية المشتركة.
وكان الرئيس الأمريكي قد دعا في مطلع الشهر الجاري قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى أمریکا لبحث الصفقة السياسية التي توصلت إليها اللجنة السداسية وإيران في ٢ نيسان الماضي، ومن المقرر أن يتم تحويل هذه الصفقة إلى اتفاق شامل لتسوية القضية النووية الإيرانية بحلول ٣٠ من حزيران القادم. وبعد أيام من توجيهه الدعوة، قال أوباما في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” إن دول الخليج تواجه مخاطر خارجية واقعية، لكن المخاطر الكبرى التي تهددها مرتبطة بالقضايا الداخلية. وهو الأمر الذي أثار انفعال الدول الخليجية، التي لم تستوعب حتى الآن إمكانية توصل أمريكا مع إيران لإتفاقٍ شامل. فقد قال الرئيس الأمريكي: “أظن أن المخاطر الكبرى التي قد تواجهها تلك الدول ليست مرتبطة بتوغل إيراني محتمل، بل قد تأتي تلك المخاطر بسبب الشعور بالإستياء في داخل الدول”، وتابع: “سيكون هذا الحديث صعباً، لكن علينا أن نطلقه”.
ثانياً: قراءة بين سطور الدعوة:
لا يمكن القول بأن الأجواء بين الدول الخليجية وأمريكا على ما يرام وبالتحديد منذ صعود الدور الإيراني في المنطقة. ولا يمكن نكران السعي الإيراني لزيادة النفوذ، فهذا مشروعٌ في السياسة الدولية، كما أن تصاعد هذا الدور جاء نتيجة تراجع دور أطراف آخرين. وبالعودة للحديث عن حقائق القمة المنتظرة وما هي الأسباب والنتائج والمتوقعة، لا بد من معرفة التالي:
– إن سعي أمريكا لطمأنة دول مجلس التعاون، ينبع من ضعفٍ في الموقف الأمريكي، وليس منشأه القوة. وهذا لا يعني بالضرورة أن الدول الخليجية قوية، لكن الطرف الأمريكي لم يعد يمون على دول المنطقة عموماً في الوقت الراهن بالتحديد. وقد يسأل البعض عن سبب ذلك، لكن الحقيقة هي في أن أمريكا تدفع ثمن براغماتيتها السياسية والتي يمكن أنها ولأول مرة جاءت على حساب هذه الدول لا سيما الخليجية منها. وفي مقابل ذلك فإن الدول الخليجية ليس بموضع الطرف القوي، لتتخلى عن حاضنتها الأمريكية. فالدول الخليجية اليوم أصبحت في موقع من يعاني من صراع وجود، سببه هشاشة أوضاع هذه الدول الداخلية الى جانب سقوط رهاناتها الإقليمية لا سيما في سوريا. كما يمكن القول إن هذه الدول تدفع أيضاً ثمن دخولها ومنذ البداية في المشاريع الأمريكية في المنطقة، ورهانها على السياسة الأمريكية. ولحسن حظها كانت الأمور تجري ولفترة ليست بقصيرة كما تشتهي، على عكس ما جرى مؤخراً. فماذا يمكن أن يجمع الطرفين اليوم؟
– لم يكن تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، ليحصل لولا وجود أسبابٍ لذلك. ولعل من أهم الأسباب هو فشل التخطيط الإستراتيجي الأمريكي وتجاهل خيارات الشعوب. فأمريكا والتي لا يمكن نكران نجاحها في تحقيق الكثير من أهدافها، إلا أنها سقطت في تأمين إستمرارية نجاحاتها. والسبب في ذلك يعود بحد ذاته لإعتمادها على أنظمةٍ كالدول الخليجية، صنعتها وجهزتها وراهنت عليها. وهو الأمر الذي جعل الدول الخليجية أدوات لها على مر سنين طويلة. فحصدت ومن خلال أياديها العربية نفوذاً استطاعت من خلاله تحقيق الكثير من أهدافها الإستعمارية التي طالت الأرض والمقدرات. وهنا يأتي السؤال الأهم: ما الذي جري؟
– منذ بداية ما سمي بالربيع العربي، دخلت الدول في منطقة الشرق الأوسط في صراع الوجود. وهو الذي يمكن توصيفه عملياً بالخوف الذي اعترى حكام الأنظمة من أن يكون مصيرهم السقوط. وهنا لا يمكن إخفاء الدور الأمريكي في تحريك أدوات الربيع العربي. وبدأت تسقط أنظمة وترتقي أخرى، فجرى ما جرى في ليبيا ومصر وتونس بالتحديد، لتبدأ معها الأزمة السورية. حينها شعرت الدول الخليجية أنها على حافة السقوط، فأمريكا تعرف أن الأنظمة الخليجية لم تعد قادرة على فرض ما تريد. والسبب يعود في ذلك إلى أن هذه الأنظمة كغيرها من الدول العربية لم تتقن فن بناء الحصن الداخلي لها، أي إرضاء شعوبها. حينها أدرك الطرف الأمريكي أنه قد يكون من سلبيات الربيع العربي والتي قد تكون غير محسوبة، تدهور أنظمة دول مجلس التعاون. وهنا تزامن ذلك مع تصاعد النفوذ الإيراني الذي أثبت وبحسب الوقائع عقلانيته في السياسة الخارجية وقدرته على إدارة الملفات. لكن أين كانت الضربة القاضية؟
– حين سقطت رهانات الدول الخليجية في سوريا بالتحديد، أصبحت هذه الدول بلا أوراق بالمعنى السياسي. ولعل الطرف الأمريكي الذي يبقى عقلانياً في إدارته للملفات أكثر من الأطراف الأخرى كونه يتعاطى مع النتائج، أدرك أن الأمور تسير الى خواتيم ليست في مصلحته. فكانت الضربة القاضية الأولى. ثم جاء بعد ذلك القرار الأمريكي المؤمن بضرورة الجلوس مع إيران كطرفٍ وحيدٍ عقلانيٍ بين الأطراف الإقليمية التي إتخذت من التشدد سبيلاً لها. وهنا كانت الضربة الثانية.
بناءاً لما تقدم من حقائق، فإن السعي الأمريكي لطمأنة الدول الخليجية ليس من باب حرص أمريكا على أنظمة وشعوب هذه الدول، بل لوجود مصالح مشتركة تهم أمريكا، الى جانب أن الدول الخليجية بأجمعها، يعتبرها اللاعب الأمريكي ورقةً بيده يفاوض عليها في ملفاته الدولية. لذلك فإن الأهداف المعلنة من القمة والتي يمكن تلخيصها بزيادة التعاون العسكري، تهدف لإعادة إحياء الدور الأمريكي عبر تعزيز وجوده العسكري ليس أكثر. ولهذا فإن النتيجة الموضوعية لهذه القراءة التحليلة، تخلص الى أن قمة كامب ديفيد، ستكون قمةً تجمع الضعفاء الباحثين عن إعادة إحياء دورهم، ومن جهةٍ أخرى يمكن الاتفاق على مقولة إن إيران هي السبب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق