التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

کولومبیا: تاریخ من الاستغلال سببه المصلحة الأمریکیة والحاجة للدعم 

إن الأثر السلبي الكبير للسياسة الأمريكية على دول أمريكا اللاتينية لا سيما كولومبيا يعود في جذوره الى الماضي. فمنذ العام ٢٠٠٣ دخلت العلاقات الأمريكية ـ الكولومبية مرحلة من أهم وأكثر مراحلها إثارة للجدل وذلك بعد إقرار برنامج المساعدات الأمريكية لكولومبيا لعام ٢٠٠٣، والذي شمل زيادةً فى حجم المساعدات التى جاء أغلبها عسكرياً والذي سمح حينها ولأول مرة للسلطات الكولومبية باستخدام الملايين الأمريكية والمساعدات التقنية والإستخباراتية في صراعها ضد الميليشيات اليسارية المسلحة والمدرجة على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. فماذا في أثر المساعدات والخطط الأمريكية على الشعب الكولومبي؟ وما هي المصلحة الأمريكية؟

على الرغم من معارضة الكثيرين في الداخل الأمريكي، بدأت زيادة المساعدات الأمريكية لكولومبيا في العام ٢٠٠٣، حيث وصلت الى ٥٣٩ مليون دولار وفق موازنة تلك السنة. وكانت أمريكا تبرر مساعداتها، بحجة دعم الإدارات الكولومبية المتعاقبة فى حربها على معاقل زراعة وتجارة المخدرات فى محاولة لسد المنافذ أمام طوفان المخدرات الكولومبي الذي يغرق أسواق أوروبا وأمريكا بأطنان من الهيروين والكوكايين سنوياً. لكن وعلى الرغم من ذلك فقد تعالت أصوات المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وقطاعات عريضة داخل البلدين مؤكدة أن تدخل واشنطن في الصراع الكولومبي وإن كان بشكل غير مباشر، سيكون بمثابة إذكاء لنيران كولومبيا المستعرة بالفعل والتي أتت على الأخضر واليابس طيلة أربعة عقود من الحروب الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان والفقر والفساد. فما هي الأسباب التاريخية للسياسة الأمريكية تجاه كولومبيا؟

– إن الصراع الكولومبي الذي يدور منذ ما يزيد على ٤٨ عاماً سعت دائماً واشنطن لجعله ساحةً لها، وجبهةً جديدة بدأت منذ أن قررت إدارة بوش الابن أن تخوض من خلالها حربها على الإرهاب. وهو ما أكدته كلمة وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد خلال قمة وزراء دفاع دول نصف الكرة الغربي التي عقدت في شيلى منتصف شهر نوفمبر ٢٠٠٣، حيث ناشد رامسفيلد حينها دول أمريكا اللاتينية وفي مقدمتهم كولومبيا، الحليف الأول لواشنطن في المنطقة بتوحيد جهودها ووضع برامج تدريب عسكرية مشتركة ونظماً لتبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة خطري الإرهاب والمخدرات. ومنذ ذلك الحين تشير المعطيات الى أن غالبية تلك الدول قد انضمت بالفعل لما يسمى معسكر الأخيار الأمريكي ضد ما اصطلح أمريكياً على وصفه بقوى الشر والإرهاب. ولعل ما دفع أمريكا منذ ذلك الحين الى الخطوة تلك، بالإضافة الى مصالحها الخاصة، هو ظهور الأدلة والقرائن على وجود علاقات وثيقة بين الجماعات المسلحة في كولومبيا وغيرها من الجماعات الواردة على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية.

– بالإضافة الى ذلك لجأت أمريكا لكولومبيا لدعمها في تعزيز الاستقرار الداخلي. وهو الأمر الذي يمكن أن تكون كولومبيا قد أخطأت في تقديره عندما لجأت لأمريكا، لأن الواقع اليوم يبرهن فشل الأمريكيين في ذلك. فقد طمح الساسة في كولومبيا لأن تعاملهم أمريكا على غرار ما حصلت عليه كل من الفليبين وجورجيا فى إطار الحرب الدولية التي قادها بوش. فكان لها ما تريد لتدخل بذلك واشنطن بثقلها وراء الرئيس الكولومبي الجديد وتبدأ مرحلة حاسمة في تاريخ العلاقات بين البلدين أدت للفوضى ليس أكثر. فالأصوات المنتقدة لطبيعة وأهداف برنامج المساعدات الأمريكية وخروج المظاهرات في بعض الأحيان للتنديد بسياسات أمریکا في كولومبيا ليس بالشيء الجديد ولكن اللافت اليوم أن نبرة الاعتراض كانت الأقوى في السنوات الأخيرة. الى جانب وقوف منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية في طليعة المعارضين لبرنامج المساعدات الجديد والتي رأت منذ ذلك الوقت أي ٢٠٠٣، أن ضخ المزيد من الأموال والعتاد إلى ساحة القتال الكولومبية سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان ووقوع المزيد من الضحايا بين المدنيين.

وهنا بعد عرض السياسة التاريخية لواشنطن في تعاطيها مع كولومبيا، يجب الإشارة الى مصالح أمريكا الحقيقة وماذا أرادت من البلد الكولومبي؟

– إن برنامج وخطط أمريكا تجاه كولومبيا، سعى دوماً لخدمة المصالح الأمريكية في كولومبيا وكان يتماشى مع أهداف الشركات متعددة الجنسيات وذلك على حساب الشعب الكولومبي الذي يعيش ثلثاه تحت خط الفقر. فقد جاءت برامج المساعدات الأمریكية طيلة السنين المتلاحقة، لإسكات الهاجس الذي يعتري أمريكا والمتعلق بتراجع اعتمادها على مقدرات الشرق الأوسط نتيجة تراجع نفوذها، وضرورة إيجاد بدائل جديدة. فكانت أمريكا اللاتينية أول هذه البدائل، وبالتحديد كولومبيا في ضوء علاقات واشنطن التي كانت متوترة مع فنزويلا تحت قيادة هوغو شافيز.

– ما يدل على أن أمريكا لم تكترث يوماً لوضع الشعب الكولومبي، بل سعت فقط لمصالحها، هو أن الأمريكيين أهملوا ومنذ البداية المشاكل الجذرية التي تعاني منها كولومبيا فوسط كل تلك الملايين المتدفقة على كولومبيا لتسليح الجيش وحماية أنابيب البترول الأمريكية، بقيت برامج التنمية الإجتماعية ومشروع المحاصيل البديلة لزراعة المخدرات على هامش الإهتمام الإمريكي. في وقتٍ نصت فيه الكثير من الخطط على تمويل برامج لمساعدة المزارعين ولكن آلاف المزارعين الذين وقعوا على إتفاقيات التعاون والإبادة لم يحصلوا على شيء وعادوا مرة أخرى لصفوف عصابات المخدرات والميليشيات المسلحة.

يدرك الشعب الكولومبي جيداً أن أمريكا كانت وما زالت الدولة التي استغلته منذ زمنٍ بعيد حتى اليوم. كما أن منظمات حقوق الإنسان لم تتوان يوماً عن التحذير من خطر الإنتهاكات الحاصلة في كولومبيا جراء السياسات الأمريكية. لكن الواضح أن أمريكا التي أعادت انفتاحها على دول اللاتين، تسعى لإعادة أدوارها هناك. وهنا يأتي السؤال التالي: هل سيسمح الكولومبيون لأمريكا باستغلالهم مرة أخرى؟ أم أنهم سيتعلمون من دروس التاريخ؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق