الأمن القومی السودانی: بین المصلحة الداخلیة والسیاسات الخارجیة
سارعت وسائل الإعلام فجر الأربعاء للتأكيد على أن سلاح الجو الإسرائيلي قام بشن غارة جوية في السودان، ونسبت ذلك إلى مصادر عسكرية قالت إنها “موثوقة”، أن مدينة أم درمان تعرضت لغارة جوية. وفيما لم يستبعد الساسة السودانيون ذلك بسبب طبيعة الكيان الإسرائيلي العدوانية، لم تذكر القوات السودانية في بيانها ذلك. فماذا في آخر تطورات المشهد السوداني؟
أولا: خبر الإعتداء الإسرائيلي:
أعلنت تصريحات الجيش السوداني في بيانٍ عسكري، أن دفاعاته الجوية تصدت لشيء ما في الجو، لم يحدده البيان، ولكن قال إنه شيء يشبه الطائرة أو الصاروخ، دون توضيح مزيد من التفاصيل. فيما لم تستبعد التصريحات السودانية أن يكون الهدف الضوئي الذي استهدفته مضادات الدفاع الجوي السودانية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية الثلاثاء ليلاً، هدفا إسرائيلياً كان في مهمة إستطلاعية للتأكد من معلومات تخص السودان. وكانت القوات المسلحة السودانية، قد أكدت في بيان لها في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء الفائت، أن مضادات الدفاع الجوي بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، تصدت في وقت متأخر من ليلة الأربعاء لهدف ضوئي، الأمر الذي يؤكد يقظتها واستعدادها للتصدي لأي هدف معاد، مشيرة إلى أن التحقيقات جارية. وطمأن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد، المواطنين بأن الأوضاع تحت السيطرة التامة، نافياً ما تردد عن محاولة إنقلابية واشتباكات عسكرية أو هجوم خارجي. من جهةٍ أخرى وكعادته، التزم الكيان الإسرائيلي الصمت على التقارير التي تحدثت عن قصف إسرائيلي لموقع في السودان.
ثانياً: قراءة تحليلية في الأسباب:
ليس جديداً أن يقوم الكيان الإسرائيلي بالإعتداء على أي دولةٍ لأسبابه التي دائماً ما تكون تهدد بنظره أمن كيانه. لكن السودان والذي تشير الكثير من التقارير الى أن شعبه يقع ضحية سياسات رئيسه عمر البشير والتي تلاقي إستياءاً كبيراً لا سيما في المرحلة الأخيرة من حكمه والتي امتدت اليوم بعد نجاحه في الإنتخابات الأخيرة. ويميز الرجل علاقته بالسعودية والتي قد تكون السبب الأساسي لدخوله الحرب على اليمن. وهنا لفهم الظروف التي يمر بها السودان على صعيد أمنه القومي لا بد من إيضاح التالي:
– ما يجعل المراقب يوجه الإتهام للكيان الإسرائيلي بالمسؤولية عن هذه الغارة، هو ما حدث في عام ٢٠١٢، حين أغارت طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي على مجمع اليرموك الصناعي العسكري، جنوب العاصمة السودانية الخرطوم. وكانت حينها المرة الرابعة في أقل من ثلاث سنوات تقريباً التي تخترق فيها الطائرات الإسرائيلية الأجواء السودانية، وتقصف فيها أهدافًا محددة بدقة. الإسرائيليون حينها اعترفوا بالأمر على المستوى غير الرسمي فقط، في ظل صمت حكومي تام إزاء الاتهامات السودانية بوقوف الکیان الإسرائيلي خلف هذه الغارات، وأكدت الصحافة العبرية وقتها أن مصنع الأسلحة الذي تم قصفه بالخرطوم هو هدف شرعي بالنسبة للكيان الإسرائيلي لكي تهاجمه، إذ أفادتهم تقارير أن المصنع هو عبارة عن مخزن أسلحة يتم من خلاله نقل السلاح إلى غزة ولبنان. ولعل هذه الغارة الجديدة تفتح ملف الأسباب الرئيسية لاستهداف السودان مراراً، ففي العام ٢٠٠٩، استهدفت الطائرات الإسرائيلية قافلة قالت إنها تحمل أسلحة عبر السودان إلى غزة، قتل فيها ١١٩ شخصاً، وفي عام ٢٠١١ قصفت أيضاً سفينة في ميناء بورسودان. وفي عام ٢٠١٢ قصفت طائرة إسرائيلية سيارة مواطن سوداني اتهمته بأنه يهرب الأسلحة إلى قطاع غزة، وبعدها بعدة أشهر قُصف مصنع اليرموك.
– وهنا يأتي الحديث عن العلاقة بين السودان والسعودية والمصلحة منها في وقتٍ تطرح فيه العديد من الأسئلة حول مدى الحرص السعودي على الأمن السوداني. فعندما قرر الرئيس السوداني عمر البشير ومن السعودية المشاركة في الإعتداء على اليمن، لاقى استياءاً من القوات العسكرية السودانية التي لم تكن موافقة على ذلك. فقد أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية وبناءاً لمصادرها في عددها في ٢٧ اذار ٢٠١٥ إلی وجود تذمر ورفض من قبل مجموعات في القوات المسلحة السودانية لقرار المشاركة العسكرية في الضربة على اليمن، إذ يرى أولئك أن السودان لديه عدة جبهات قتالية مفتوحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومن الأولى أن تُحسم المعارك الداخلية أولاً ويُدحر المتمردون الذين يهددون أمن المواطنين. كذلك لإعتبارهم بأن إمكانيات الجيش السوداني لا تسمح له بخوض معارك خارجية. وهو ما يفسر المشاركة الخجولة للسودان في الإعتداء السعودي على الشعب اليمني. فأين هي السعودية اليوم وهل يمكن ان تقدم للسودان ما يساهم في تعزيز أمنه ضد إعتداءات الكيان الإسرائيلي؟
– ولعل قرار مشاركة الخرطوم في العدوان علی الیمن قد يكون جاء من أجل تحقيق مكاسب دبلوماسية مستقبلية في علاقاتها مع الدول الخليجیة بصورة عامة والسعودية على وجه التحديد. فمن الزيارة الأولى التي جمعت البشير بالملك سلمان في الرياض تم فيها حسم أمر إعلان مشاركة السودان. وهو ما قد يبرر التطورات التي أظهرها تصرف السودان في الفترة الأخيرة وانحيازه التام لقناعات الدول الخليجية. فيما كشف مصدر دبلوماسي مطّلع لصحيفة الأخبار أن مكافأة الرياض للخرطوم مقابل الإنضمام إلى الحلف السعودي ضد اليمن ستكون إعلان تحالف سياسي بين البلدين، ومساعدة السودان في تطبيع علاقاته مع الدول الغربية. وهذا ما يعرف الجميع أنه على حساب الشعب السوداني الرافض بأغلبه لسياسات البشير.
– وهنا لا بد من الإشارة الى أن إيران سعت مراراً لمساعدة السودان في الشأن المتعلق بحماية أرضه من الإعتداءات الإسرائيلية، على الرغم من تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ومن الجانب السوداني بالتحديد نتيجة سياسات البشير التي كانت دائماً تضع إسترضاء السعودية في أولوياتها. ففي العام ٢٠٠٣ قدمت إيران عرضاً لبناء منصات دفاعية صاروخية، قوبل بالرفض السوداني. وهذا ما كشفه وزير الخارجية السوداني علي كرتي مشيراً الى أن السودان رفض عرضاً تقدمت به إيران بعد الضربات الإسرائيلية لبناء منصات دفاع صاروخية وأجهزة للدفاع عن السودان والتصدي للهجمات الإسرائيلية في شرق السودان، واضاف أن السودان رفض العرض رغم الأذى الإسرائيلي واختراقها الأجواء السودانية ووصولها إلى ضرب مستودعات أسلحة وذخائر في الخرطوم. وهو ما يحتاج للتبرير أمام الرأي العام السوداني.
كثيرة هي الأسئلة التي تطرح اليوم عن السياسة الخارجية للسودان والتي يقودها البشير في ظل إستياءٍ داخلي. ولعل أهم هذه الأسئلة هو ما ستؤول إليه البلاد في المستقبل في ظل جعلها ضمن الحاضنة الخليجية التي تحتاج لمن ينقذها اليوم. فالى أين ستؤول الأمور المتعلقة بالسودان مستقبلاً؟ هذا ما ستحدده الأيام المقبلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق