النیبال بین أزمة الزلزال المدمر، ومؤامرة الإستغلال الصهیونیة
أن تطرح قضية إستهجان قيام الكيان الإسرائيلي بإستغلال الأزمات، هو من الأمور المضحكة، والسبب في ذلك هو أن الكيان الإسرائيلي بحد ذاته قائمٌ على استغلال أرض الفلسطينيين واغتصابها. وهذه حقيقة تاريخية وليست رأياً أو وجهة نظر. لكن المطلوب دوماً تسليط الضوء على الهمجية التي تعتبر من سنخية الكيان الغاصب. فعلى الرغم من حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالنيبال جراء الزلزال الذي ضربها الأسبوع الفائت، لم يتوان الكيان الإسرائيلي عن محاولة إستغلال القضية للترويج لوجهٍ إنسانيٍ له، الى جانب محاولة استقدام المشردين جراء الأزمة، بطريقية وصفت بغير الأخلاقية من قبل المنظمات الإنسانية العالمية. فماذا في الأزمة النيبالية؟ وكيف يحاول الكيان الإسرائيلي استغلالها؟
أولاً: الأزمة النيبالية والإستغلال الإسرائيلي:
سارعت العديد من الدول الى إغاثة الشعب في النيبال بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد. لكن أحد الأطراف الجديدة على عالم المساعدات الإنسانية كان الكيان الإسرائيلي، والذي حاول استغلال الأزمة من أجل الظهور بمظهر الطرف الإنساني. لكن المراقب وبموضوعية يمكنه إدراك أن الحس الإنساني ومن خلال التجربة التاريخية ليس من صفات الكيان الإسرائيلي. وهو الأمر الذي يقودنا للسؤال عن مغزى قيام هذا الكيان بالمساعدة.
عمد الكيان الإسرائيلي على استغلال مثل هذه الكوارث، لتقديم مساعدات لا تهدف سوى إلى الدعاية وترويج نفسها كداعمة إنسانية على مستوى العالم. وكان قد سارع بيتر ليرنر، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بالقول منذ أيام: “إن بعثة من الجيش ستغادر خلال الساعات المقبلة إلى العاصمة النيبالية كاتمندو، لتقديم المساعدة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد”. وأضاف: “ستضم بعثة الجيش الإسرائيلي إلى نيبال مختصين بالبحث والإنقاذ ومساعدة السكان لوجستياً وطبياً”. في السياق نفسه وجه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو رسالة خطية إلى نظيره النيبالي سوشيل كويرالا، قال فيها: “سنساعدكم في عمليات البحث عن المفقودين وفي تقديم العلاج الطبي للجرحى الكثيرين. باسم الشعب الإسرائيلي، أبعث بالتعازي إلى أهالي الضحايا وأتمنى الشفاء العاجل للجرحى. دولة إسرائيل ومواطنوها يقفون إلى جانبكم في هذه اللحظة الصعبة” على حد تعبيره. لكن ما هو الأمر الخطير الذي لاقى ردود فعلٍ عالمية وبالتالي كشف حقيقة عرض المساعدات الإسرائيلي؟
لقد ثارت العديد من ردود الفعل العالمية الغاضبة ضد الكيان الإسرائيلي، بعد الفضيحة الأخلاقية المدوية التي كشفها زلزال نيبال، والخاصة بقيام إسرائيليين بتأجير أرحام نساء نيباليات وهنديات، في إطار ما يعرف بإسم “الأم البديلة”. هذا ما أكدته مجلة تايم الأمريكية والتي تحدثت عن قيام تل أبيب بالإعتماد على الأمهات البديلات في نيبال، وهو الأمر الذي يكشف عن رابط لم يكن معروفاً على نطاقٍ واسع بين نيبال والكيان الإسرائيلي، كما أنها تفتح باب النقاش حول “أخلاقيات” تأجير الأرحام دوليّاً. وأشار تقرير المجلة الأمريكية، إلى أن محنة الأطفال الرضع وأمهاتهم البديلات، غطت على أحداث الزلزال المدمر في نيبال، وانتقد البعض إستخدام أموال الحكومة الإسرائيلية لإرسال بعثة الإنقاذ، وطالب آخرون الكيان الإسرائيلي، بإعادة تقييم قوانين تأجير الأرحام الخاصة به، في أعقاب هذه الأزمة.
وأوضحت المجلة في عددها الصادر يوم الأربعاء ٢٩ إبريل ٢٠١٥، أن القضية تكشفت، بعد إجلاء مجموعة من الإسرائيليين لأطفال حديثي الولادة من نيبال، ورفضهم إصطحاب الأمهات البديلات عقب الزلزال المدمر هناك، الذي أودى بحياة أكثر من خمسة آلاف شخص. كما ذكرت أن طائرة إسرائيلية من طراز بوينج ٧٤٧، عادت من نيبال إلى مطار بن جوريون الإسرائيلي الثلاثاء في ٢٨ ابريل الماضي، وعلى متنها ٢٢٩ راكبًا، بينهم ١٥ طفلًا إسرائيليًّا، جميعهم ولدوا خلال الأسابيع الستة الماضية، بينما لم يتمّ السماح للأمهات البديلات لهؤلاء الأطفال بالسفر.
قراءة تحليلية:
إن ما قام به الكيان الإسرائيلي هو استغلالٌ بشعٌ ليس مستغرباً بسبب أفعال الكيان المعروفة. لكن أسئلةً كثيرة تطرح اليوم حول مسؤولية المنظمات الدولية. الى جانب ضرورة معرفة إن كانت الحكومة النيبالية على دراية بما يجري، وهو الأمر الخطير في حال إثباته. لعل تفسير الأفعال الإسرائيلية قد يقع في خانة محاولة سلطات الإحتلال تقديم نفسها على أنها دولة كباقي الدول، لديها علاقات إنسانية مع الآخرين وتسعى لتقديم الخدمات الإنسانية. وهذا ما يمكن أن يكون رد فعلٍ طبيعيٍ جراء حالة التراجع التي يعيشها الكيان الإسرائيلي على الصعيد الإقليمي والدولي. فقد يكون صحيحاً الإدعاء بأن ما يسمى بإسرائيل تستفيد من الأزمات التي تحل بالمنطقة، لكنها أصبحت مقتنعةً أن المراهنة على التقسيم لن يجدي نفعاً في ظل تزايد وعي شعوب المنطقة. وهو ما يدفع بالقيادة الإسرائيلية للتفكير بالسبل التي يمكنها من خلالها تحقيق مكاسب معينة. لكن السعي الإسرائيلي لزيادة عدد السكان في الأراضي المحتلة، هو من الأمور التي تدفع للقناعة أكثر من أي وقتٍ مضى، بأن الكيان الإسرائيلي يعاني من أزمة حقيقیة تتعلق بوجوده. والتناقضات التي جمعت أسس هذا الكيان أصبحت اليوم من المشاكل التي تعصف بالأمن الداخلي له. فتجارة البشر هي من التجارات التي اشتهرت بها أجهزة عالمیة معروفة تتصل مباشرةً بالصهيونية العالمية.
وهنا يأتي الحديث اليوم عما يجري في النيبال، ليكون ضمن مسلسلٍ من الأحداث المتتالية والتي قد ظهر منها القليل، لكن ما خفي أخطر وأكبر. فمن ينظر لطبيعة المجتمع الإسرائيلي سيجده في تكوينه يعتمد على مجموعاتٍ لا تتصل ببعضها بل يمكن وصفهم بلقطاء من أنحاء العالم، تم جمعهم لبناء مجتمعٍ يتكون من أفراد لا مأوى لهم سوى هذه الأرض. وهو الأمر الذي سيهدد أمن الكيان الإسرائيلي داخلياً لإفتقاده للروابط الإجتماعية التي يُعتمد عليها لتأمين إستمرارية المجتمعات. وهنا يأتي السؤال المهم: هل سيهدد الأمن الإجتماعي الكيان الإسرائيلي، ليكون أزمةً جديدة تضاف الى أزماته المقلقة؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق