باخرة المساعدات الإيرانية لليمن ودور إيران المتوقع في المنطقة
شهدت القضية اليمنية ومنذ انطلاق الثورة بوجه التنظيمات الإرهابية فيها، مساندة وتأييدا من قبل الطرف الإيراني خاصة على صعيد السياسة الدولية، دون التدخل في شؤون اليمن الداخلية، وكذالك كان الموقف من حرب عاصفة الحزم وعودة الأمل الرافض لتلك الحرب، والتى أودت حتى الآن إلى أعداد هائلة من القتلي والجرحى والدمار. وفي ظل هذا المشهد الإنساني المؤلم اتخذت إيران قرار عدم الاكتفاء بالمواقف السياسية والعمل علي إرسال المساعدات الإنسانية لإغاثة الشعب اليمني.
إذ أن المشهد الصارخ لما يزيد عن ٢٥٧١ شهيداً من بينهم ٣٨١ من الأطفال و٢١٤ من النساء، فيما بلغ عدد الجرحى ٣٨٩٧ جريحاً بينهم ٦١٨ من الأطفال و٤٥٥ من النساء، والذي يقف العالم متفرجا عليه دون أي تدخل يحاول إيقاف الحرب ومساندة الشعب اليمني في محنته إلا من بعض المواقف السياسية القليلة، فما كان من إيران إلا التحول نحو المبادرة العملية بإرسال المساعدات الإنسانية، والتي بدأت جوا عبر طائرة محملة بالمساعدات الطبية في الشهر الثالث من العام الجاري، والتي لم توفق للهبوط في مطار صنعاء بسبب التدخل السعودي وتهديده لقائد الطائرة وقصفه لمدرجات المطار حتى يستحيل عليه الهبوط، في عمل متعمد لحصار الشعب اليمني والضغط عليه حتي بدوائه ولقمة عيشه. لكن الجانب الإيراني لم يقف متفرجا طويلا حتى بادر مجددا وأعلن عن عزمه لإرسال المساعدات بحريا عبر باخرة للهلال الأحمر الإيراني بالتنسيق مع الهلال الأحمر الدولي والسعودي، وخرجت السفينة الإيرانية محملة بـ ٢٥٠٠ من المساعدات الإنسانية من بينها ٧٠٠ طن من الطحين و ١٢٠٠ طن من الأرز و ٤٠٠ طن من المواد الغذائية، و ٥٠ طنا من الأدوية والمستلزمات الطبية، و ٥٠ طنا من المياه المعدنية إلى جانب أواني الطهي. وحملت السفينة على متنها ٤٠ شخصا، بمن فيهم ١٥ موظفا طبيا و١٣ عضوا من وسائل الإعلام، و ٧ من مناهضي الحرب من أمريكا وفرنسا وألمانيا و ٥ من افراد الطاقم فيما كان يفترض أن تحمل السفينة ٢٠ شخصا من الموظفين، سالكة مسار بندر عباس، بحر عمان، المحيط الهندي، خليج عدن فالبحر الأحمر لترسو في ميناء الحديدة في الشواطئ اليمنية. وفيما يبدو فإن السعودية لن تتجرأ هذه المرة على محاولة إعاقة تقدم السفينة نظراً لخطورة هكذا خطوةسياسيا وعسكريا، ووفقا للمعنيين فالسفينة ستقطع ١٢ ميلا بحريا في المياه الدولية قبل الوصول للمياه الإقليمية اليمنية.
والخطوة الإيرانية الحالية ليست جديدة في مساندتها لشعوب المنطقة وقضايا الشعوب المستضعفة في العالم، فليس غافلا عن أحد مواقف إيران السياسية في القضايا العربية المعادية للكيان الإسرائيلي والسياسة الأمريكية والغربية فيها ومساندة لكل من يقف بوجههم، في سياسة لم تتوقف عند البيانات والتصريحات بل امتدت ومنذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإيرانية، بمد المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحاليا السورية والعراقية بالمال والسلاح والعتاد اللازم لتلك المقاومات والشعوب، وهو ليس منهجا اتقائيا بل سياسة مبدئية وصلت حتى مساعدة الشعب البوسني في أزمته ومناصرة حقوق وقضايا كوبا وشعوب وسط وجنوب القارة الأمريكية.
وقد أثمرت تلك المواقف والمساعدات بتغيير معادلات الحروب هناك بشكل كبير جدا إلي حد أنه أنتج انتصارات مدوية في وجه الكيان العبري والمجموعات الإرهابية ليس آخرها انتصار غزة في حرب الـ ٥١ يوما وانتصارات الحشد الشعبي والجيش العراقي في محافظة صلاح الدين وحاليا انتصارات المقاومة والجيش السوري في جرود القلمون السورية، في دليل واضح على ضخامة الدور والتأثير للجمهورية الإسلامية والذي ليس بعيدا عن صنع النصر المرتقب للشعب اليمني في وجه السعودية وأعوانها، الأمر الذي تؤكده المواقف الشاكرة لإيران والمعترفة بالفضل وحجم الدعم اللامتناهي وغير المشروط، على لسان القادة والمتحدثين باسم الثورات وشعوب المقاومة في المنطقة.
وتتحمل إيران بالمقابل ضغوطا سياسة قوية وحصارا اقتصاديا قاسيا، يحاول الغرب تظهيره على أنه لمنع إيران من امتلاك اسلحة نووية، لكن العالم كله بات يعلم أنه يكفي لإيران أن تتنازل في قضية واحدة من قضايا الشعوب المداعمة لها، كمثل تخليها عن دعم القضية الفلسطينية، فيكفي ذلك ليقولوا بحق إيران امتلاك السلاح التي تشاء ومنها القنبلة الذرية، لكن رفض إيران المبدئي والنابع من قناعات اسلامية راسخة، لأي تنازل أو تراجع في أي من ملفات المنطقة ليس سوى استكمال للثورة التي قامت عليها تلك الجمهورية، وفهم جيد للواقع ورؤية استراتيجية واضحة ووعي دقيق للتاريخ والحاضر والمستقبل، فهي تعلم جيدا أن أي تنازل أمام هؤلاء لن توقف أطماعهم وستليها تنازلات أكبر ومحاولات استعباد وإذلال كما يجري مع كل حلفاء أمريكا والكيان العبري.
وبذلك يعتبر الدور الإيراني قياديا في الدفاع عن شعوب المنطقة وحاميا لها ومحافظا على مصالحها، فأعداء الأمة والجاهلين الخانعين والمتآمرين من أهلها هم فعلياً أعداء للإسلام والحضارة ولم يردعهم لا إنسانية ولا أخلاق ولا دين من قتل المسلمين وتدمير حضارتهم لنهب ثرواتهم وقمعهم والسيطرة عليهم، وما كان ليردعهم أي شيء، لولا الموقف الإيراني الحازم بوجهها، لذلك يعتبر خط المواجهة الذي اعتمدته إيران السبيل الأنجع للرد ورفع الظلم عن الأمة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق