دلالات زيارة أوغلو لضريح سليمان شاه
الزيارة التي قام بها رئيس الورزاء التركي أحمد داوود أوغلو الأحد إلى ضريح سليمان شاه داخل الأراضي السورية، شكلت بلا شك علامة فاصلة في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة. فالزيارة التي تعد الأولى لمسؤول سياسي تركي إلى الموقع الجديد للضريح، لم تحصل على إذن من السلطات السورية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً واضحاً للسيادة السورية وفق ما تنص عليه المواثيق الدولية.
وكان أوغلو قد عبر الحدود برفقة وزير الدفاع وقادة عسكريين إلى قرية آشمه السورية التي تبعد نحو ٢٠٠ متر فقط عن حدود تركيا، لزيارة الضريح الذي نقل إلى القرية التي سيطرت عليها تركيا في فبراير/شباط الماضي، في دلالة واضحة على هامش الحركة الواسع الذي تتمتع بها السلطات التركية في الأراضي السورية، الأمر الذي يعود الفضل فيه إلى الجماعات الارهابية المسلحة التي تحظى بالرعاية التركية.
ويرى مراقبون أن الدولة التركية قد حولت الضريح العثماني إلى “مسمار جحا”، لاتخاذه ذريعة وحجة للتدخل في الأراضي السورية متى شاءت، كما حدث طوال السنوات الأربع الماضية، التي كانت حكومة أردوغان (عندما كان رئيساً للوزراء) تُلوِح بالتدخل إذا ما تعرض الضريح إلى أي “اعتداء”. فلو كان الأمر مرتبطاً بالقيمة التاريخية للضريح، لماذا لم تقم الدولة التركية بنقله إلى داخل الأراضي التركية ليحظى بالتجليل والاحترام بما يليق به؟ ولماذا الاصرار على تغيير مكانه من الأراضي السورية قرب قلعة جعبر في مدينة منبج، إلى أرض سورية أخرى في قرية أشمة قرب مدينة عين العرب؟
الجدير بالذكر أن الضريح ظل لمدة سنة ضمن سيطرة تنظيم داعش الارهابي، دون أن يلحق به أي ضرر يذكر، وهذا يدل على التنسيق والتعاون بين الجانب التركي مع التنظيم الارهابي الذي تعارض مبادئه بناء الأضرحة، والذي قام بهدم كل المزارات والأضرحة الواقعة في نطاق سيطرته، التنسيق الذي يشهد عليه افراج داعش عن المحتجزين الأتراك في الموصل دون شروط تذكر، ناهيك عن الدعم اللوجستي والاستخباراتي واستخدام داعش للأراضي التركية كمعبر للدخول إلى كل من سوريا والعراق.
وتأتي زيارة أوغلو –التسلل كما يصفه الجانب السوري- للضريح العثماني في الوقت الذي يشهد فيه الميدان السوري، تراجعاً للجماعات الارهابية المسلحة في كل من إدلب والقلمون والجنوب السوري. حيث انقلبت معادلة الميدان خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن كانت تسير في صالح الجماعات المسلحة من خلال دعم تركي قطري سعودي مباشر. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة التركية إنما جاءت بدافع رفع الروح المعنوية للجماعات المسلحة، للقول بأن تركيا مهتمة بالسيطرة على منطقة الشمال السوري، وأنها ستستمر في تقديم الدعم لهذه الجماعات المسلحة.
وتشير أوساط في الداخل التركي إلى أن زيارة أوغلو لضريح سليمان شاه إنما جاءت في اطار الحملة الدعائية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية قبيل الانتخابات النيابية في حزيران المقبل، وذلك من خلال التركيز على مسألة تمس تراث الأتراك وتاريخهم، إذ أن أوغلو أراد أن يوجه رسالة للداخل التركي بأن حزب العدالة والتنمية ليس قادراً على الارتقاء بالمستوى الاقتصادي لتركيا فحسب، بل قادر أيضاً على صيانة جثث الآباء والأجداد وتراثهم ولو كانوا خارج الحدود. إلا أن أوساطاً في الداخل التركي انتقدت هذه الخطوة، مبينة أن ضريح سليمان شاه كان في أمان على مدى عقود من الزمن، وأن جميع الحكومات السورية لم تمس الضريح بسوء، وإن كان من خطر على الضريح فهو من ناحية الجماعات التكفيرية المسلحة التي عملت حكومة العدالة والتنمية على دعمها وتقويتها.
ومن جملة أسباب زيارة داوود أوغلو لضريح “سليمان شاه” جد مؤسس السلطنة العثمانية، يمكن الاشارة إلى التوجه العثماني لحكام تركيا الجدد، ومحاولتهم تحقيق حلم احياء “الامبراطورية العثمانية القديمة”، وهو التوجه الذي يظهر جلياً من خلال سياسات وتصريحات رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، وعكفه على بناء القصور واحياء التراث القديم، وتعليم اللغة العثمانية القديمة، من أجل تتويج نفسه سلطاناً جديداً على الامبراطورية الجديدة.
يبقى أن نشير إلى موقف ما تسمى “المعارضة السورية” من الانتهاك التركي الواضح للسيادة السورية، حيث صرح رئيس ما يسمى “الائتلاف السوري” خالد خوجة بأن “تركيا استشارته وقد سمح لها بالتحرك، وإدخال الجيوش والمدرعات، فهي صديقة للشعب السوري وفعلت الكثير من أجله في ثورته والأمر طبيعي جداً وعلينا الإطمئنان”!!
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق