ملف المصالحة الفلسطينية، هل ينجح نبيه بري حيث فشل الآخرون؟
مبادرات ومساعٍ عديدة تقدمت بها جهات عدة من أجل التوسط لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتحديداً بين حركة حماس وحركة فتح؛ هذه المساعي لم تفلح حتى الآن في ايجاد حل جذري للخلاف القائم بين الجهتين، وذلك بالرغم من توقيع عدة اتفاقيات في عدة عواصم عربية، كان آخرها اتفاق الشاطئ في مصر منذ نحو عام من الآن.
ومؤخراً وصل قطار الوساطات عند رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، الذي قدم مبادرة للمصالحة طرح فيها جملة أفكار واقتراحات لقيت ترحيباً من الطرفين. حيث استضاف في مكتبه لقاءً مشتركاً بين وفدين قياديين من حركتي “فتح” و”حماس” لبحث سبل تحقيق المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية.
وجاء اللقاء المشترك بعد اجتماعين منفصلين عقدهما الرئيس بري مع كل وفد على حدة. وضم الاجتماع عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” والمشرف على الساحة في لبنان عزام الاحمد والسفير اشرف دبور وامين سر “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات. وترأس وفد “حماس” نائب رئيس المكتب السياسي موسى ابو مرزوق، وضم ممثل الحركة في لبنان علي بركة ومسؤولين آخرين. كما حضر عضو المكتب السياسي في حركة “أمل” محمد جباوي.
لماذا نبيه بري؟
يُعتبر الرئيس نبيه بري من الشخصيات السياسية المخضرمة، فهو رئيس حركة أمل التاريخي، ورئيس مجلس النواب اللبناني لعقود، ويعرف القضية الفلسطينية معرفة ممتازة، وهو قريب جداً من أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وله علاقات جيدة مع المكونات الفصائلية الفلسطينية كافة، وهذه الصفات تمنحه فرصة جيدة لتقديم أفكار معتدلة ومنصفة تساعد على حلّ المشاكل العالقة بين فتح وحماس، وهو يستمد قوة طرحه من شخصيته وموقعه من ناحية، ومن واقع الفلسطينيين في لبنان من ناحية ثانية.
وقد تقدم الرئيس بري بمبادرة لحل المسائل العالقة بين الطرفين، تتكون من ثلاث نقاط: تسهيل عمل حكومة التوافق الوطني، وانهاء مشكلة رواتب موظفي غزة، واستئناف اجتماعات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.
وفيما يلي نتناول المشكلات الثلاث التي تسعى مبادرة الرئيس بري لحلها:
تسهيل عمل حكومة التوافق الوطني
حيث ما تزال العقبات ماثلة أمام حكومة التوافق الوطني التي شكلت في فلسطين بموجب اتفاق الشاطئ في مصر، وحتى الآن لم تمارس هذه الحكومة دورها المطلوب في تحمل المسؤولية من أجل إعمار قطاع غزة وإعادة توحيد مؤسسة السلطة الوطنية الفلسطينية والانطلاق باتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة برعاية مصرية في ٥-٤-٢٠١١. الأمر الذي يقتضي إزالة الانقسام وكل العقبات وتمكين حكومة التوافق الوطني من العمل بمساعدة كل الفصائل التي وقعت الاتفاق وتنفيذ كل بنوده، سواء عمل الحكومة أو قضية الاعمار أو حل قضية الموظفين والبنود الأخرى المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية خصوصا.
حل مشكلة رواتب الموظفين في غزة
فبعد أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في صيف ٢٠٠٧، قامت الحركة بتعيين نحو ٤٥ ألف موظف في القطاعات المختلفة، فيما استنكف موظفو حكومة السلطة الفلسطينية، ويبلغ عددهم حوالي ٧٠ ألف، عن متابعة وظائفهم في القطاع بأمر من السلطة الفلسطينية، وأُطلق عليهم تسمية “المستنكفين”، وهؤلاء كانت السلطة الفلسطينية تدفع رواتبهم طوال فترة حكم حماس في غزة.
وبعد تشكيل حكومة الوفاق الفلسطيني في يونيو ٢٠١٤ تقرر تسجيل موظفي السلطة الفلسطينية في وزاراتهم والمؤسسات الحكومية في قطاع غزة تمهيداً لعودتهم الى العمل. كما تقرر تشكيل لجنة لدراسة أوضاع موظفي حكومة حماس السابقة، والبت في مصيرهم، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع ولم تنفذ أياً من مهامها.
التأخر في تسلم موظفي حماس لرواتبهم، وعدم البت أصلاً بشأنهم، دفع باتجاه فعاليات احتجاجية، وتطورت الأمور للحد الذي طالب فيه رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامي الحمد الله، بدعم دولي لحل هذه القضية العالقة، وذلك في ظل وضع اقتصادي صعب تعاني منه الحكومة الفلسطينية، والذي زاد من حدته، احتجاز الكيان الاسرائيلي لأموال الضرائب الفلسطينية، وعدم تسديدها للسلطة الفلسطينية.
استئناف اجتماعات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير:
تم تشكيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يضم اللجنة التنفيذية للمنظمة، والأمناء العامين للفصائل، بمن فيهم مسؤولي حماس والجهاد الإسلامي، استجابة لحل مشكلة عدم تمثيل منظمة التحرير للكل الفلسطيني، حيث لا تندرج تحتها فصائل هامة كحركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما.
وجاء تشكيل الإطار القيادي بعد التوقيع في مصر على اتفاق المصالحة في العام ٢٠١١، وعقد في مصر أكثر من اجتماع لهذا الإطار، بمشاركة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، والأمين العام للجهاد رمضان شلح، وكان من المفترض أن يجري تفعيله بعد التوقيع على اتفاق الشاطئ الأخير في نيسان/ أبريل من العام الماضي، الذي أفضى إلى تشكيل حكومة التوافق الوطني.
إلا أن اجتماعات الإطار توقفت فيما بعد وذلك بسبب عدة عوائق نذكر منها:
– الخشية من عواقب ضم حركتي حماس والجهاد الاسلامي لمنظمة التحرير، خوفاً من احتمال سحب الاعتراف الأمريكي والاسرائيلي والأوروبي بالمنظمة، وفرض عقوبات أخرى عليها، لأن هناك موقفا دوليا يطالب بموافقة حماس والجهاد على شروط “اللجنة الرباعية” قبل اشتراكهما في المنظمة. وقد سبق أن تعطّل الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة العام ٢٠٠٩ على خلفية عدم موافقتهما على شروط “اللجنة الرباعية”، وفُرِضت المقاطعة للسبب نفسه على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد “اتفاق مكة” العام ٢٠٠٧.
– المعارضة المصرية لعقد الإطار القيادي في ظل الخصومة بين مصر وحركة حماس. حيث أن حركة فتح لن تجازف بإغضاب مصر الراعية لاتفاق المصالحة وصاحبة الثقل الكبير في القضية الفلسطينية وبحكم الموقع الجغرافي لها. ويبدو أنه لابد لحماس من ايجاد مسافة كافية بينها وبين الإخوان المسلمين لانهاء حالة الفتور بينها وبين الحكومة المصرية.
– عدم رغبة حركة فتح بإدخال منافس لها على قيادة منظمة التحرير، حيث تعتبر منظمة التحرير آخر المؤسسات الموحدة التي تقودها حركة فتح من دون منافس جدي، خاصة في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة، ومساعيها للتوسع في ممارسة السلطة على القرار الفلسطيني.
لا شك أن هذه المشكلات التي تعترض التوافق الفلسطيني، من شأنها زيادة المعاناة التي يفرضها الكيان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وعلى الفصائل الفلسطينية أن تستغل فرصة مبادرة الرئيس بري لتفويت الفرصة على هذا الكيان المستفيد الأكبر من الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، وذلك للوصول إلى صيغة توافقية تسهم في تحرير الأراضي المحتلة، وتنهي المعاناة الفلسطينية المتفاقمة مع تفاقم الصراع في المنطقة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق