هدنة اليمن .. لفظ أنفاس أم إستراحة مقاتل!
دخل وقف إطلاق النار في اليمن لمدة خمسة أيام حيّز التنفيذ بعد ٤٧ يوماً من العدوان العسكري السعودي على الشعب اليمني، فاتحاً باب التكهنات حول مستقبل “العاصفة” السعودية و”أمل” اليمنيين في العيش بأمن وسلام. تأتي الهدنة الإنسانية هذه بعد فشل سعودي استمرّ على مدى الأيام الـ٤٧ في تحقيق أي إنجاز عسكري بإستثناء الدمار والقتل الذي خلّفته طائرات التحالف العربي، كما أنها سبقت قمّة كامب ديفيد بساعات حيث من المقرّر أن يلتقي الرئيس الأمريكي ببعض قيادات دول مجلس التعاون.
التحدّي الحقيقي حالياً في ظل الهدنة الإنسانية التي خرقتها الطائرات السعودية بعد أقل من ساعة على بدءها بأربع غارات على مدينة صعدة، يتمثّل بالعمليات الإنسانية الضخمة التي تترتب على عاتق الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية، لكن السؤال الأبرز هو ما بعد الهدنة الإنسانية، هل ستعود السعودية إلى استكمال عدوانها العسكري على الشعب اليمني؟ وما هي السيناريوهات المفترضة حالياً بدءاً من لقاء كامب ديفيد وانتهاءاً بانتهاء الهدنة؟
لفظ أنفاس أم إستراحة مقاتل
تشير أحداث العدوان إلى فشل عسكري سعودي بعد نفاذ بنك الأهداف في الأيام الأولى للحرب، عندها انتقلت السعودية إلى التركيز على المدنيين لإركاع اليمنيين عموماً وأنصار الله على وجه الخصوص، لكن الهمجية السعودية التي ترافقت مع فشل سياسي- تخلّف باكستان وتلكؤ مصر وانسحاب تركيا- لم تنجح في ليّ ذراع أنصار الله، وبالتالي أُجبرت على الرضوخ للموقف الأمريكي الذي بات بدوره محرجاً امام الأسرة الدولية.
لكن لا نعلم هل كان وقف إطلاق النار من السعودية “بناء على طلبها” كما حال قرارات الإقالة أو الإستقالة في عهد سلمان لأن العدوان كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، أم أن قرار وقف إطلاق النار كان أمريكياً بإمتياز لإيجاد أجواء مناسبة لقمّة كامب ديفيد، فمحمد سلمان قد رفض في وقت سابق أي هدنة إنسانية، لكن ما الضير في ذلك الآن بعد نيله المراد ووضعه على سكّة الحكم (ولي العهد الثاني). اذاً أسباب الهدنة الإنسانية تبدأ بلفظ أنفاس ولا تنتهي بإستراحة مقاتل، ما يدعونا إلى طرح عدّة سيناريوهات مفترضة تستشرف التحركات السعودية المقبلة.
سيناريوهان مفترضان
قبل الدخول في أي سيناريو مفترض نودّ التأكيد مسبقاً على أن السياسة السلمانية الحالية وبخلاف سلفه عبدالله غير قابلة للتكهّن في ظل تحكم “صبيان” في مراكز القرار، وقد أثبتت التجربة المتواضعة لأشهر قليلة أن اندفاع محمد بن سلمان وعبثية عبد ربه منصور هادي مقطوعة النظير في ساحات السياسة العالمية.
سوف ننطلق في مقاربة العدوان اليمني على السعودية من نظيره الإسرائيلي على الشعب الفسلطيني نظراً للتشابه من ناحية الأسباب والوقائع وربّما النتائج. لا يخلو مستقبل العدوان السعودي من أمرين، إما وقف العدوان أو استكماله بعد انتهاء المدّة المفترضة.
السيناريو الثاني أي إستكمال العدوان يتطلب تأمين عدّة أسباب مؤهلة، تبدأ بإرسال السلاح إلى مقاتلين هادي والقاعدة تحت ذريعة المعونات الإنسانية وتمر بتجديد بنك الأهداف لما بعد الهدنة ولا تنتهي بتحييد أو تخفيف الضغط الدولي ولعلّ السبب الأخير يعد من الأهداف الأساسية لقبول الرياض بالهدنة الإنسانية.
بالعودة إلى السيناريو الأول أي وقف العدوان، تشير الظروف الحالية سواءً التقدّم الميداني للجيش اليمني وأنصار الله أو تزايد الضغط الدولي بسبب المجازر السعودية إلى نتيجة واحدة مفادها “إستمرار الهدنة”، لكن كما ذكرنا سابقاً فإن إجراءات القيادة السعودية الشابة لا تنطلق من مبدأ المصلحة والمفسدة، بل هي اندفاعية غير قابلة للتوقّع ولكن ماذا لو تدخّل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الخط ؟
الخيار الأخير .. الخيار الإسرائيلي
لعلّه من الصدفة أو لسبب آخر يتشابه العدوانان السعودي والإسرائيلي حتى في نقطة “وقف إطلاق النار”، ما يدفعنا إلى التكهّن بأن السيناريو الثاني أي وقف إطلاق النار هو المرجح حالياً، وربّما آليته-كما الكيان الإسرائيلي- عبر الحليف الأمريكي فلا نستبعد إذا ما أعلن الرئيس أوباما في المنتجع الامريكي سيء الذكر “كامب ديفيد” تمديد الهدنة وإنهاء العدوان وبالتالي يكون قد سحب السعودية من المستنقع اليمني بصورة تحفظ ماء الوجه، من وجهة نظرهم.
لا يخفى على ذو لب فطن أنه في كلا السيناريوهين لن تترك السعودية اليمنيين دون إستثمار حتى فشلها العسكري على دماء الشعب اليمني عبر بذر بذور التفكيك والانقسام هناك، وفي حال تحقّق السيناريو الأول(وقف العدوان) ستسعى السعودية، سبحان الله، وكما الكيان الإسرائيلي للحصول على انتصارات في السياسة فشلت بتحقيقها في الميدان. لكن وعي الشعب اليمني صاحب الصبر الإستراتيجي سيفشل كافة هذه المخططات، ولا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمن.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق