زيارة كيري لروسيا: بين ثبات موسكو وضعف واشنطن
لم يكن من المفاجئ توجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا للقاء نظيره الروسي الى جانب الرئيس، ولكن لا شك أن لهذه الزيارة دلالات إستراتيجية لا بد من الإشارة إليها. فماذا في التصريحات حول الزيارة ؟ وما هي دلالاتها؟
أولاً: التصريحات الثنائية:
اختتم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نهاره الطويل في مدينة سوتشي الروسية، بمؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بعدما أجرى محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث لخّص نتائج زيارته بوصف التعاون بين موسكو وواشنطن بـ “الحاجة الملحة” في مختلف الملفات الدولية. وقال كيري في المؤتمر الصحافي إن مباحثاته مع لافروف شملت الوضع في أوكرانيا والمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى الملفين السوري واليمني والقمة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والدول الخليجية في “كامب ديفيد”. وأثناء لقائه بوتين كتب كيري على حسابه في موقع تويتر: “أجريت مناقشات صريحة مع الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف بشأن قضايا مهمة تتضمن محادثات إيران وسوريا وأوكرانيا، وتابع “من المهم أن نبقي خطوط الإتصال مفتوحة بين الولايات المتحدة وروسيا فيما نتعامل مع القضايا الدولية الملحة”.
من جانبه، أعلن لافروف أن المحادثات التي عقدها كيري معه ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أتاحت لروسيا وأمريكا فهماً متبادلاً في شكل أفضل، في وقت أكد المستشار في الكرملين يوري أوشاكوف أن الرئيس الروسي يرغب في أن تعود العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى وضعها الطبيعي، ولكنه أشار إلى أن المحادثات “لم تؤد إلى انفراجة كبيرة”. بدورها، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن لافروف أبلغ كيري أن “محاولات الضغط علينا بالعقوبات ستؤدي إلى طريق مسدود”، لافتة إلى أن التعاون بين البلدين “لن يكون ممكناً إلا بناءً على حقوق عادلة ومتساوية ودون محاولات للإملاء أو الإكراه”. وبحسب البيان أكد لافروف “أهمية رفض المعايير المزدوجة ضد الإرهابيين نظراً إلى الحالة في اليمن، حيث تم فرض تدخل عسكري خارجي على النزاع المسلح الداخلي، ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية على مجمل المنطقة المحيطة”. وشدد لافروف في محادثاته مع كيري على أن المسؤولية عن نشوب الأزمة في العلاقات بين موسكو وواشنطن لا تقع على روسيا، وذكرت الخارجية الروسية أن الطرفين اتفقا خلال لقائهما على عدم وجود بديل للتسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، وهو ما أكده كيري خلال المؤتمر الصحافي المشترك.
وشدد كيري ولافروف على أهمية التوصل إلى حل سياسي في سوريا. واعتبر كيري أن حل الأزمة السورية يجب أن يكون سياسياً ومن خلال “انتقال سلمي للسلطة”، كما لفت لافروف إلى أن الطرفين اتفقا على تفعيل الجهود من أجل تطبيق اتفاق جنيف، وأشار إلى أن على اللاعبين الخارجيين أن يدفعوا طرفي النزاع في سوريا إلى تطبيق اتفاق جنيف. وقال كيري إن “روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على تفعيل الحوار حول الأزمة السورية خلال الأسابيع المقبلة”، مؤكداً أن موسكو هي شريك مهم في محاربة الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة، لافتاً إلى أن “تنظيم داعش لا يهدد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحده بل العالم أجمع.”
ثانياً: الدلالات الإستراتيجية:
إن للزيارة العديد من الدلالات التي يجب الوقوف عندها وتختصرها بما يلي:
– لا شك أن مجرد قيام الطرف الأمريكي بالزيارة بحد ذاته يدل على حجم الثبات الروسي والضعف الأمريكي. فليس من المعتاد أن يأتي الأمريكي الى روسيا من دون هدف. لكن هذه الزيارة تؤكد ما يقوله المحللون الإستراتيجيون بأن الدور الأمريكي في المنطقة يتراجع لدرجة لم يعد الأمريكي يمون على أحد.
– لم تفضِ الزيارة إلي الكثير من النتائج سوى تجديد الإتفاق على التسوية بشأن الأزمة الأوكرانية. كما أن التصريحات تؤكد توصل الأمريكيين الى قناعة مفادها ضرورة إشراك الطرف الروسي في القضاء على الإرهاب في المنطقة، ومحاولة تفعيل هذا الدور في سوريا.
– أكد الروس عدم تراجعهم، وأن العقوبات الأمريكية الغربية لن تجدي نفعاً، ولعل ردة الفعل الروسية تجاه الأطلسي، وتصعيده الأخير قد أجدى نفعاً، فالأمريكيون يعرفون أن الرئيس بوتين ماضٍ في مشروعه ولن يتراجع.
– لا شك أن الطرف الأمريكي سعى لمعرفة رأي اللاعب الروسي بالكثير من المواضيع العالقة، لا سيما الأزمة اليمنية ودور الدول الخليجية. وهذا يدل على أن الأمريكي أصبح أكثر قناعة بعدم قدرته على فرض شروطه والقيام بتطبيق سياسته التي يريدها متفرداً.
قد لا يتبين اليوم ما ستؤول إليه الأمور بين روسيا وأمريكا، لكن المؤكد هو أن أمريكا تحاول الظهور بمظهر الطرف الواقعي فيما يبقى الطرف الروسي ثابتاً على مواقفه. ولعل الأيام المقبلة هي التي تنبئنا بالمزيد.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق