قراءة في الأبعاد الإستراتيجية لإنجازات حزب الله في القلمون
عندما تأتي الأمور للوقائع الميدانية لا يمكن حينها إلا الحديث عن الإنجازات. فالصورة التي استطاع حزب الله اللبناني ترسيخها في قلوب الشعوب، ترتقي يوماً بعد يومٍ. ولعل الإنجاز الأكبر لحزب الله بعد معركة القصير في سوريا، كانت إنجازات معركة القلمون، والتي أثبتت أن ما حصل في القصير كان البداية، لكنها لم تقل ما هي النهاية. فكيف يمكن استخلاص الأبعاد الإستراتيجية لإنجازات حزب الله في القلمون؟
أولاً: على الصعيد اللبناني الداخلي:
يمكن القول إن تنظيم داعش الإرهابي حاول التحضير لمعركة القلمون من خلال التأسيس لجنود له في منطقة الزبداني. وهو الذي استطاع من خلال بعض الإنتصارات التي حققها خلال الأشهر الماضية في أكثر من ساحة مواجهة في سوريا والعراق شراء الولاءات هناك، كما استخدم قدراته المالية خصوصاً لشراء الهاربين من معركة القصير. لذلك كان لا بد من قطع الطريق أمام ما تمكن التنظيم الإرهابي من تأسيسه هناك، عبر قطع العمق اللوجستي بين جبال القلمون وجبال الزبداني. وهذا ما قامت به المقاومة الإسلامية، تأسيساً منها لمعركة القلمون. لكن الهم الأكبر لحزب الله بحسب متابعة الإنجازات، وفهم طريقة تفكير الحزب، كان بحسب المحللين، نزع ورقة عرسال من يد الإرهابيين والتي بقيت لمدة أربع سنواتٍ كشوكةٍ في الخاصرة السورية، لما تشكله المنطقة من جغرافيا استفاد منها الإرهاب، ضمن خطةٍ هدفت لإستنزاف دمشق عبر الحدود السورية اللبنانية. وبالتالي فإن أحد أهم إنجازات معركة القلمون هو إعادة الوجه الحقيقي لعرسال التي يعرف الجميع أنها ليست في إطار التآمر على دمشق، وإن فُرض عليها ذلك تحت مسمى سياسة “النأي بالنفس” اللبنانية.
وما يؤكد ذلك هو الحملة السياسة التي قادتها قوى سياسية لبنانية تعارض حزب الله، وهي التي يقع دورها في صلب التحريض على محور المقاومة، تماشياً مع البروباغندا السياسية لأمريكا، وأدواتها. وهي القوى ذاتها التي جعلت عرسال أرضاً خصبة للإرهاب، وأدخلتها في صراعٍ علنيٍ مع الجارة السورية، يعلم الجميع أن أهلها (عرسال) هم منه براء. فقامت هذه القوى منذ إعلان حزب الله على لسان أمينه العام في شباط انتظار ذوبان الثلج، بالتحذير من مخاطر هذه المعركة، محاولةً كالمعتاد إدخال الفتنة في خطابها، والترويج للخطوط الحمراء باللهجة السعودية. وكالعادة كان السفير الأمريكي في لبنان ديفيد هيل، أحد مُخرجي هذه المسرحيات المعتادة، من خلال كلامه التهويلي، الأمر الذي يؤكد أن للأمر دلالات كبرى. كما أن المعركة منعت من محاولة الإرهاب المتمثل بداعش، استغلال واستنزاف القرى اللبنانية الحدودية.
ثانياً: فيما يتعلق بالأزمة السورية:
من إزالة الشوكة اللبنانية من خاصرة الجارة سوريا، يمكن القول إن لمعركة القلمون بعداً خاصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية. فخلال الأشهر الماضية جرت محاولات جدية، لإضعاف الهمة السورية وبالطريقة الأمريكية، مستهدفةً الأصعدة الميدانية والسياسية والنفسية والإعلامية في آنٍ واحد. ويمكن القول إن محاولة زج الجيش السوري في معركة ضد مخيم اليرموك كانت أحدها، الى جانب معارك الساحل السوري ومحاولة فصله عن مركز الدولة دمشق. ولعل أهم ما نجح فيه الحلفاء الخليجيون، الذين سجل التاريخ أنهم اجتمعوا فقط، على توحيد يدي الإرهاب أي داعش والنصرة. لكن العارف بالميدان العسكري يدرك أن نجاحات هؤلاء، لم تكن بسبب قوتهم، بل بسبب اتساع رقعة الميدان السوري. وهنا تأتي إنجازات حزب الله في القلمون، لتعيد حالة القوة التي أضعفتها انتصارات الإرهاب في إدلب تحديداً.
فإنجازات القلمون ستؤدي حتماً، الى تحصين أمن دمشق بالنظر الى امتداد الجرود القلمونية الى ريف حمص واتصاله بالشريان الحيوي الى العاصمة السورية. ما قد يعيد أمن دمشق، ويشكل تطوراً ميدانياً مهما في ريف العاصمة.
ولا يمكن فصل المحاولات الفاشلة ضد سوريا عن الحرب السعودية على اليمن. فقد أتت كلها في نفس الوقت، الى جانب معارك اليرموك وإدلب. وهنا أيضاً يُنظر للإنجاز القلموني بطريقة مماثلة. فقد تزامنت هذه الإنجازات مع وصول النار اليمنية للداخل السعودي، وزيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي الى دمشق، والتي أتت بعد زيارة وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج الى طهران، كما تزامنت مع صمود الجيش السوري في مستشفى جسر الشغور، لتؤكد أن الجبهة التي يمثلها محور المقاومة، متماسكة وعلى تنسيق عالي المستوى.
ثالثاً: فيما يتعلق بالبعد الإقليمي:
على الصعيد الإقليمي فإن إنجازات القلمون لا تعني نهاية الإرهاب أو التآمر. لكن العقول العسكرية في الكيان الإسرائيلي، تعرف جيداً أن جغرافيا الجليل ليست أصعب من جغرافيا القلمون. فحزب الله وبحسب الوقائع، استطاع إرسال رسالة قوية لأدمغة الكيان الإسرائيلي وجنرالاته، مفادها أن القدرات القتالية لحزب الله، تكشفها المعارك الحقيقية فقط. وأن النجاح في أي معركةٍ مقبلة هو حتمي، بعد النجاح في معركةٍ تعتبر الجغرافيا فيها واسعة ومتصلة. وهي التي تمتد من ريف القصير وحمص صعوداً الى جرود القلمون. لذلك فإن حزب الله استطاع انتزاع فرضيات الإنتصار عبر الميدان، وجعل من المعارك المتصلة بالأزمة السورية، عينة لقدراته العسكرية المعلنة فقط.
وبالنتيجة يمكن القول إن محور المقاومة استطاع أن يضرب رأس الإرهاب، ويقدم مع ذلك، ومن خلال حزب الله اللبناني، نموذجاً للمستقبل في حال الحرب مع الكيان الإسرائيلي. وهنا يمكن وبالإستناد الى الوقائع المذكورة، القول بأن حزب الله ارتقى من مرحلة التطبيق العسكري في الميدان، ليقدم للعالم بأسره نموذجاً جديداً، اسمه مدرسة حزب الله العسكرية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق