هل ستنجح السعودیة فی الحد من الخطاب الإیرانی؟
أعلنت عاصفة الحزم بقيادة السعودية أن أحد أبرز أهداف العملية يتمثل بوقف سيطرة ايران(المفترضة) على اليمن، وقد حاولت السعودية الدخول إلى اليمن عبر البوابة الإيرانية(ايران فوبيا) لإستعادة نفوذها هناك بعد الثورة التصحيحیة التي أسقطت المبادرة الخليجية الثانية بقيادة حركة أنصار الله.
ولم يقتصر الطرح السعودي في مواجهة النفوذ الايراني على اليمن بل سبقه في لبنان، فلسطين، سوريا والعراق، لذلك حاولت سلطات الرياض عبر الأموال النفطية وأدواتها إسقاط الخطاب الإيراني الذي تلقفته الشعوب لأسباب نذكرها لاحقاً، تحت عناوين عرقية وطائفية عدّة كالمدّ الفارسي والمدّ الصفوي. لکن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو هل نجحت أو ستنجح السعودية في الحد من خطاب ايران؟ ولماذا لجأت شعوب هذه الدول إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ظهرت قبل حوالي الـ٣٦ سنة فقط؟
رواج الخطاب الإيراني
قبل الدخول في الإجابة على السؤال الأول أي “هل ستنجح السعودية في الحد من خطاب ايران؟”، لا بد لنا من شرح أسباب لجوء العديد من شعوب دول المنطقة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لبنانياً لم تجد المقاومة اللبنانية سوى ايران داعماً لقضيتها سياسياً ومالياً وحتى لوجيستياً، وبالفعل نجحت المقاومة اللبنانية عبر هذا الدعم الإيراني في دحر الكيان الإسرائيلي في مثل هذه الأيام من العام ٢٠٠٠. أما فلسطينياً ففي حين تواطأ العديد من القادة العرب مع الكيان الإسرائيلي وتجاهلوا مطالب الشعب الفلسطيني المظلوم، نعم قدّموا الدعم المالي بعد فشل الحروب الإسرائيلية التي تغاضوا عنها بل دعموها سياسياً طيلة أيام العدوان، وقفت طهران إلى جانب القضية الفلسطينية جاعلةً إياها على رأس سلم أولوياتها في السياسة الخارجية ناهيك عن الدعم المالي والعسكري لمختلف الفصائل الفلسطينية.
أما على الساحة السورية فقد وقفت طهران إلى جانب أقوى حلقات محور المقاومة عندما تواطأ عليها العالم بأسره في حرب كونية بدأت منذ ٤ سنوات، وقد سطع نجم السعودية وقطر في مقدّمة هذه الدول المتواطئة. كذلك على الساحة العراقية، نجحت إيران من خلال وقوفها إلى جانب الشعب العراقي على مختلف إنتماءاته العرقية والمذهبية، في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي بكسب ودّهم وكسر فتور العلاقة التي كانت سائدة بسبب نظام البعث السابق.
اذاً، بات واضحاً أن رواج الخطاب الإيراني لدى الشعوب الإيرانية سببه الوحيد أن هذه الشعوب وجدت ملاذها الآمن وحضنها الدافئ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجل ما اقترفته إيران هو الوقوف في وجه المشروع الأمريكي-الإسرائيلي المعادي للإسلام، لكن السعودية التي تقدّم نفسها بديلاً عن المشروع الإيراني، تسعى لترويج خطابها العائلي عبر درع الجزيرة في البحرين، وجبهة النصرة وجيش الإسلام في سوريا، وفلول البعث في العراق، وأخيراً عاصفة الحزم وحلفائها (القاعدة وأنصار هادي) في اليمن.
مأزق السعودية
لقد شعرت السعودية بالمأزق “المفترض” عندما أيّدت طهران الثورة التصحيحية في اليمن، وعندها بدأت سلطات الرياض بالترويج الممنهج لمقولة احتلال أربع عواصم عربية هي بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء، ما أدى إلى “عاصفة الحزم” التي خلّفت أحقاداً صعداوية وصنعائية وعدنية على النظام السعودي. إيران كعادتها طالبت بالحل السياسي للأزمة في اليمن وأرسلت طائرة المعونات الإنسانية التي اعترضتها الطائرات السعودية لكنها لم تعرها أي إهتمام، عندها لجأت طائرات التحالف لقصف مدرج مطار صنعاء، ما أجبر الطيّار الإيراني الشجاع على العودة إلى طهران. الآن أيضاً تبحر سفينة إيرانية محمّلة بآلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية للشعب اليمني باتجاه ميناء الحديدة رغم كافة التهديدات.
اذاً، المأزق الفعلي- بصرف النظر عن فشلها التام في الأهداف التي حدّدتها الرياض مع بداية العاصفة- يكمن في ضعف الخطاب السعودي الذي يعتمد على السلاح والبترودولار مقابل الخطاب الإيراني الذي يرتكز على المنطق والأسس الإسلامية. الرياض والدول التي شاركت في العدوان على اليمن، هي نفسها من أظهرت إيران أنها أهم صديق للشعب اليمني فيما أظهر التحالف السعودي أنه أبشع الأعداء لهذا الشعب.
وقد بات واضحاً أن “الجرم” الوحيد الذي ارتكبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو وقوفها بجانب شعوب المنطقة، في حين أن جرم هذه الشعوب هو لجوءها لإيران بسبب غياب البديل. والسعودية التي تريد الحد من انتشار الخطاب الإيراني يتوجّب عليها أن تغيّر منطقها الوهابي الدموي وتعود إلى الحوار، وكذلك تقدّم البدائل التي تقدّمها إيران لشعوب المنطقة، ولكن “سبق السيف العذل”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق