الطاولة الجديدة للمنطقة والعالم: قراءة تحليلية لوضع الأطراف إقليمياً ودولياً
إن الحديث عن التغیيرات السياسية هو من الأمور التي تجعل المراقب يقف وبموضوعية، محاولاً سرد الواقع وربطه بدقة متناهية، حرصاً على تقديم الصورة الأوضح. ولعل من أهم الأمور التي يجب تسليط الضوء عليها هو الوضع الراهن لللاعبين على الصعيد الإقليمي والدولي. فكيف يمكن وصف ذلك؟
لا يشك احدٌ بأن الطرف الأمريكي يسعى لإنجاز الإتفاق النووي كما أن الطرف الإيراني يسعى لحقه لكن ضمن شروط. وإذا كان السعي الأمریكي لإنجاز الإتفاق سبباً في تأزيم العلاقة بينه وبين أطراف عديدة لا سيما الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية، فإن إيران لن تمضي بالإتفاق على حساب حلفائها، لذلك رفضت ومنذ البداية المقايضة على أيٍ من الملفات الأخرى بالإتفاق النووي، وهي القادرة على فعل ذلك، بل أصرت على فصل الملفات، وإعطاء الأولوية للإتفاق. لكن يبدو أن إيران نجحت في مساعيها لإبراز نفسها كقوة، على عكس الطرف الأمريكي الذي لا يمكن نكران قوته، لكنه برز مؤخراً كجبار الخواطر، يركض بين الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي لإسترضائهم. وهو ما يصف الحالة السياسية المزرية التي وصلت لها أمريكا، من طرفٍ يحكم ضمن سياسة القطب الواحد، الى طرفٍ فشل في إشراك الأقطاب، وهو اليوم يسعى لأن يكون أقل الخاسرين ليس أكثر. لذلك يمكن القول إن الأيام المقبلة وبالتحديد حتى شهر شباط من السنة المقبلة هي الفيصل، بحيث يمكن حينها الحكم على الماضي. أما اليوم فالأمور رهن التطورات في ظل سعي أمريكي وإصرارٍ إيراني على الشروط.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن الخليجيين استطاعوا إيصال رسالة للطرف الأمريكي في الأحداث الأخيرة لا سيما العدوان السعودي على اليمن. ففي الوقت الذي لا يمكن فيه نكران أن العباءة الخليجية أمريكية الصنع، لا يمكن تجاهل أن الأمور بين الطرفين تغيرت بسبب تغير الأوضاع والظروف. وهذا إن دل على ضعف أمريكا اليوم فهو يدل أيضاً علی إفلاس الدول الخليجية. والسبب يعود لأصل أن هذه الدول دفعت ثمن البراغماتية الأمريكية، كما أن أمريكا دفعت ثمن ثقتها المرتفعة بأطرافٍ أثبتت فشلها في إدارة الملفات وبالتحديد الخارجية منها. وهو الأمر الذي انعكس سلباً على العلاقة بين الطرفين، لا سيما عند الحديث عن دخول الخليجيين في أزمة صراع الوجود، ودخول أمريكا في أزمة الخروج المخيب من الشرق الأوسط. وقد يكون أوباما حقق ما أراده من قمة كامب ديفيد، لكن ضيوفه الخليجيين عادوا أكثر قلقاً مع إدراكهم أن التفاهم مع إيران صار وراء ظهر أمريكا أي صار أمراً بالمبدأ مقرر الحدوث.
ولعل المشكلة الكبيرة التي ستعاني منها هذه الدول هي أنها ستخسر كافة حساباتها السياسية وبالتحديد في سوريا واليمن. وهو الأمر الذي ستدفع ثمنه السعودية وقطر وتركيا، لأن الخيار العسكري في سوريا واليمن لم يعد أمراً متاحاً، كما أن العراق استطاع النهوض والقضاء على الإرهاب. وبالتالي فإن التوجه نحو الحلول السياسية هو الخيار الوحيد الموجود للجميع، وهو الأمر الذي يحتاج لأوراق بين يدي اللاعبين، وهو ما لا تملكه هذه الدول الخليجية التي أحرقت نفسها مع أوراقها في سوريا قبل اليمن. وبالتالي فهي لا تملك الكثير لتقول “نحن هنا” أو حتى لكي تضمن لها كرسياً واحداً على طاولة المنطقة الجديدة.
وفيما يتعلق بالحديث عن العدوان السعودي على اليمن فيدرك الجميع اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أن أمريكا وروسيا بالتحديد كقطبين يؤمنان بضرورة إنهاء الأزمة بالطريقة السياسية. وهو ما حثت عليه أغلب الاطراف لا سيما إيران التي قالت منذ البداية إن ضرر هذه الحرب سينعكس أولاً على السعودية والدول الخليجية. وقد تكون السعودية ومعها دول مجلس التعاون، تفاجأت بالرد العنيف لكن العقلاني لإيران وحزب الله اللبناني على العدوان، وهو الأمر الذي يخالف تاريخ ردود الفعل للطرفين، بحيث تعودت السعودية على قيام هذه الأطراف بمحاولة استرضائها، تحت مسميات الوحدة الإسلامية.
لكن ما قامت به السعودية كان بحد ذاته نهايةً لقناعها الإسلامي، وفضحاً لدورها الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركته القيادة الإيرانية وكذلك حزب الله. فكان الرد العنيف على العدوان والمتناسب مع خيار الشعب اليمني، وكل ما يرتبط بالإنسانية والقوانين الدولية، أولی المفاجآت غير المتوقعة، لتأتي بعدها أعمال العدوان التي وضعتها المنظمات الدولية في خانة الإرهاب الممنهج. الأمر الذي جعل الجميع ينادي بوقف العدوان وإعطاء الحلول السياسية الأولوية. وقد تكون مشكلة السعودية اليوم أنها بالغت في رسالتها لأمريكا بالتحديد، وأدخلت نفسها في خطرٍ تحاول الخروج منه بأقل الخسائر. لكن الواضح أنها لن تستطيع الخروج منه دون مساعدة اطراف أخرى لا سيما إيران. والتي بدورها أبلغت الأطراف الدولية ومنذ البداية أنها مستعدة للمساعدة إنطلاقاً من مصلحة الشعوب الكبرى.
وهنا يمكن الإشارة الى أن تركيا أيضاً سعت للحل السياسي في اليمن، لكنها ووجهت بالرفض الخليجي. ولعل التركي الباحث عن دورٍ اليوم، دخل مع هذه الدول الخليجية في نفس الحسابات الخاطئة، حين دعم المعارك في سوريا تحديداً في ادلب وجسر الشغور. لكن الخسائر الفادحة التي منيت بها السياسة التركية لأردوغان في مصر وليبيا وتونس، الى جانب العراق، جعلت الأتراك يعيدون حساباتهم مدركين أن الطاولة لن تكون لمن لا يملكون أوراقاً سياسية قوية. ولعل الأتراك الذين اختلفوا مع الأمريكيين في نظرتهم للأزمة السورية، ينتظرون ما ستؤول اليه الامور بين أمريكا وإيران. كما أن الحديث الذي جرى عن إمكانية تكرار سيناريو عاصفة الحزم في شمال سوريا، يبقى من الأمور المحتملة، لأن الطرف التركي والخليجي عوَّدنا على التهور الخاسر.
أما على صعيد الدور الإستراتيجي لحزب الله، فلقد أحدثت معركة القلمون الكثير من التغييرات الميدانية والتي سيكون لها الأثر على الأزمة السورية، وبالتالي محور المقاومة. ليدخل حزب الله الى معترك اللاعبين الكبار ومن بوابة محاربة الإرهاب الداعشي.
إذاً بين الأطراف كافة يجتمع القوي مع الضعيف في عالمٍ يقوده صراع القدرة. لكن الواضح أن محور المقاومة أقوى بكثير من الأطراف الأخرى التي لم تعد تشكل محوراً واحداً، إنما يجمعها شيءٌ واحدٌ وهو دخولها صراعات الوجود. وبالتالي فإن الطاولة المقبلة أصبحت معلومة الأطراف. والأيام المقبلة ستكون الشاهد على كل حال.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق