التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

الأوضاع في مقدونيا بين الأمس المضطرب والمستقبل المُقلق 

يكثر الحديث اليوم عن التوترات التي يشهدها العالم، في وقتٍ تعيش المناطق المركزية للصراعات ما يسمى بشد الحبال السياسية، وبالتحديد منطقتي الشرق الأوسط، ومنطقة شرق آسيا. ومن ضمن التوترات الحاصلة في البلدان التي تدخل المشهد السياسي جديداً، الإضطرابات في مقدونيا والتي تزداد وتيرتها مع الأيام. فماذا في مجريات الإضطرابات الأخيرة؟ وما هو تحليلها موضوعياً؟

أولاً: مجريات الأوضاع في مقدونيا

خرج آلاف المحتجين مجدداً في مظاهرة في العاصمة المقدونية سكوبيه، من أجل المطالبة بإستقالة رئيس الحكومة نيكولا غروفسكي، على خلفية الكشف عن التنصت على مكالمات هاتفية. يأتي ذلك بعد نحو أسبوع من استقالة وزيرين في حكومة غروفسكي ورئيس جهاز المخابرات، وقال زعماء المعارضة في مقدونيا: “إن رئيس جهاز المخابرات ساسو ميجالكوف ووزيرة الداخلية غوردانا جانكولوفسكا يقفان وراء محاولات التحكم في الإعلام وجهاز القضاء والمسؤولين المنتخبين عبر التنصت على هواتفهم، لكن الحكومة نفت الإتهامات”، مشددة على أن المعارضة تحاول زعزعة استقرار البلد لما يخدم مصلحتها. وتأتي الأزمة السياسية في مقدونيا بعد اشتباكات دارت الأسبوع الماضي بين الألبان والشرطة، أسفرت عن مقتل ١٤ ألبانياً وثمانية من عناصر الشرطة في المواجهات التي أعقبت عملية دهم نفذتها الشرطة في منطقة يقطنها الألبان في بلدة كومانوفو الشمالية، ويشكل الألبان نحو ربع سكان مقدونيا البالغ عددهم مليونين و ١٠٠ ألف شخص.

وبات التوتر السياسي على أشده في مقدونيا منذ أن اتهمت الحكومة في كانون الثاني الماضي زعيم المعارضة اليسارية زوران زاييف وأربعة أشخاص آخرين بالتجسس وارتكاب أعمال عنف ضد مسؤولين في الحكومة. ولكن زاييف الذي استمعت إليه النيابة العامة في مطلع نيسان نفى هذه الإتهامات، مؤكداً بالمقابل أن الحكومة المحافظة تتنصت خلافاً للقانون على ٢٠ ألف شخص بينهم سياسيون وصحافيون ورجال دين. كما كان قد اتهم زاييف رئيس الوزراء بأنه قبض رشاوى من شركة صينية قدرها ٢٠ مليون يورو مقابل حصول الأخيرة على عقود لبناء طريقين سريعين. 

ثانياً: تحليل المعطيات:

لا شك أن هذه الأوضاع المضطربة في البلاد ، سيكون لها الكثير من التأثير على الداخل في مقدونيا، الى جانب الأثر فيما يتعلق بالشأن القومي. لذلك يمكن قول التالي:

– إن هذه الإتهامات المتبادلة أغرقت مقدونيا، المرشحة منذ عشر سنوات للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، في أزمة سياسية ودستورية حادة مما دفع بالإتحاد الأوروبي الى الإعراب عن قلقه من الوضع الراهن مطالباً باجراء تحقيق محايد في هذه الإتهامات. 

– ما يؤجج المخاوف الداخلية هو ما يمكن القول بأنه تصعيد للمعارضة، التي دعت الى تظاهرة ضخمة ضد الحكومة ستحصل في المستقبل القريب، مما يعني أن الأمور تتجه نحو مزيد من التوتر والتصعيد الداخلي. ويمكن وصف أصل الخلاف الحاصل بين الطرفين بأنه يعود لسببٍ واضح وهو أزمة الثقة الحاصلة بين المعارضة والحكومة. فبغض النظر عما إذا كانت أزمة مفتعلة أو موجودة حقيقةً، لكنها واقعة. ففي كل خطاب تلقيه المعارضة تتهم الحكومة بالفساد فيما تتهم الأخيرة المعارضة بأن وراءها أطرافاً خارجية وأجهزة مخابرات أجنبية.

– ويعتبر أصل الخلاف تاريخياً حيث أن هذه الجمهورية اليوغوسلافية السابقة، تضم ٢,١ مليون نسمة غالبيتهم من السلاف وربعهم من الألبان. ولذلك تشهد منذ بداية السنة أزمة سياسية خطيرة بسبب خلافات بين التشكيلات السلافية الرئيسية. وتقدر نسبة الألبان في مقدونيا التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، نحو ٣٠ في المئة. وكانوا قد حملوا السلاح في ٢٠٠١ واشتبكوا مع قوات الأمن قبل أن يلعب الغرب دور الوسيط في اتفاق سلام يعرض على الأقلية الألبانية مزيدا من الحقوق والتمثيل ودخول الساحة السياسية.

يبدو أن الإتفاق الذي حصل برعایة الغرب، لم يجدِ نفعاً، وها هو الخلاف يستعر من جديد. وبغض النظر عن المشاكل العرقية المتجذرة، فإن كثيرین في مقدونيا يشعرون بالإحباط بسبب الوتيرة البطيئة للنمو الإقتصادي والإندماج مع الغرب. الى جانب الإستياء من تعثر مساعي البلاد للإنضمام للإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بسبب نزاع طويل الأمد مع اليونان على اسم البلاد. والسؤال الأهم اليوم هو: الى أين ستتجه الأمور في مقدونيا؟ سؤال نضعه برسم الأيام المقبلة.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق