التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, سبتمبر 20, 2024

السِلمُ العربيُّ مع الكيان الإسرائيلي، دوافعه ونتائجه 

ظهرت أول مبادرة سلام مع الكيان الاسرائيلي في أيلول عام ١٩٧٨م حيث قام الرئيس المصري أنور السادات بإستغلال نتائج حرب تشرين فبادر الى توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الإسرائيلي والمعروفة باتفاقية “كامب ديفيد” بعد مفاوضات جرت في ولاية ميريلاند وتحت اشراف جيمي كارتر الرئيس الأمريكي في تلك الفترة، وتلا هذه الاتفاقية معاهدة سلام مشابهة جمعت الأردن مع الكيان وتم التوقيع عليها عام ١٩٩٤م واللافت أنها أيضاً جرت تحت اشراف بيل كلينتون الرئيس الأمريكي آنذاك.

 

 اتفاقيات السلام هذه تفشَّت بين بعض الدول العربية التي بدأت تسعى جاهدةً الى تطبيع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي حيث برزت دعوة السلام السعودية عام ٢٠٠٢م والتي أطلقها الملك السابق عبدالله بن عبدالعزيز ورغم عدم نجاح الاتفاقية، تصر السعودية الى يومنا هذا على تنفيذها. فلقد طلب مؤخراً أنور عشقي رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جدة من نتنياهو قبول مبادرة عبدالله للسلام، وأكد في تصريح لصحيفة هآرتس أن المبادرة “لا تزال سارية المفعول وقائمة ولم تختف مع تبادل الحكم في السعودية وهي تلقى تأييد الملك سلمان”.

عودة مبادرة السعودية هذه الى الواجهة تأتي في اطار سعي السعودية الى تسليط الضوء عليها كدولة تدعم السلم والاستقرار العالميين وخاصة بعد أن تلطخت هذه الصورة بسبب الدعم الكبير والواضح الذي قدمته للتنظيمات التكفيرية المتطرفة في المنطقة، أضف الى ذلك أن النظام السعودي يحاول بشتى الوسائل ابراز دوره في القضايا العربية والعالمية وتثبيت موطأ قدم له في الساحات الدولية، هذا وتشكل دعوة عشقي لإحياء مبادرة الملك عبدالله للسلام رسالة طمئنة للكيان الإسرائيلي مفادها أن السياسة السعودية تجاه هذا الكيان لم تتغير بتغير الملك.

ويأتي الالحاح العربي على هذه المبادرة وغيرها من مبادرات السلام في سياق تبديل الروابط العربية الاسرائيلية السرية الى روابط علنية، فالسعودية مثلا تملك علاقة وطيدة تجمعها مع الكيان الاسرائيلي وظهرت خيوط هذه العلاقة بشكل واضح عام ٢٠١٤ حيث تناقلت وسائل اعلام عربية واسرائيلية عدة بما في ذلك موقع “ذا ماركر” الإسرائيلي و”يسرائيل هايوم” و”الإذاعة اليهودية” عن وزير النفط السعودي علي النعيمي قوله: “ليس لدينا ضغينة ضد أي دولة، وقادتنا يعززون السلام والتسامح الديني والتعايش”، وأكد النعيمي خلال مؤتمر لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك أن: “جلالة الملك عبدالله يشكل دائماً نموذجًا للعلاقات الطيبة بين المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، والدولة اليهودية ليست استثناء لهذا”.

مبادرات السلام مع الكيان الاسرائيلي لا تعبر عن قرارات الشعب الفلسطيني الذي يرفض أي مساومة على أراضيه، فبعد طرح السعودية لمبادرة السلام مع الكيان الاسرائيلي عام ٢٠٠٢ نفذت المقاومة الفلسطينية عملية استشهادية داخل الكيان تعبيراً عن عدم الموافقة واستمرار المقاومة، وكذلك فان حماس دعت الدول العربية التي أعلنت مشاركتها في اجتماع انابوليس للسلام المنعقد عام ٢٠٠٧ إلى عدم تطبيع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي وعدم تقديم أي تنازلات، وذكر أيمن طه المتحدث باسم حماس أن حركته كانت “تأمل ألا تشارك الدول العربية لأن مشاركتها ستقدم هدية مجانية من خلال التطبيع وستعطي مزيدا من الأهمية للعدو”.  

الرفض الفلسطيني لمبادرات السلام يتمحور على ثقة مطلقة بأن التطبيع مع الكيان الاسرائيلي يعطي مشروعية لهذا الكيان الذي لم ينسحب من الأراضي العربية والفلسطينة المحتلة ولا يحترم المقدسات الاسلامية اضافة الى أنه لا يعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وهذا ما أثبته الكيان الاسرائيلي بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤ وقراري مجلس الأمن رقم ٣٣٨ ورقم ٢٤٢ حيث لم يلتزم بأي قرار دولي فكيف سيلتزم بمعاهدات عربية! 

وعلى ما يبدو فإن الأصوات العربية التي ترتفع بين الحين والآخر والتي تدعو الى تفعيل المبادرات العربية للسلام مع الكيان الاسرائيلي عادت الى الظهور رغم رفض الشعب الفلسطيني لها جملة وتفصيلا واصرار هذا الشعب على المقاومة بسبب ما علمته العقود المنصرمة من غدر وخيانة الكيان الاسرائيلي، وهذا يُظهر نية بعض الدول العربية ورغبتها في توطيد روابطها مع الكيان الاسرائيلي وتحويلها الى روابط علنية على حساب مصالح الفلسطينيين وقضيتهم وعلى حساب المقدسات والأرض التي يحتلها هذا الكيان والتي لن يتنازل عنها أو يتركها بناءً على اتفاق أو معاهدة. فما أُخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وبهذا يمكن القول إن السِلم مع هذا الكيان ليس الا خطأ ستدفع ثمنه شعوب الأمة جمعاء.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق