المراجعة القانونية لشرعية التدخل العسكري السعودي في اليمن
بدأت السعودية تدخلها العسكري بالغارات الجوية على اليمن تحت عنوان عاصفة الحزم في يوم الأربعاء ٢٥/٠٣/٢٠١٥. إذ أعلنت السعودية أنَّ هذه العملية العسكرية تأتي استجابة لدعوة الرئيس اليمني منصور هادي لدعم هذا البلد في مواجهة عدوان أنصار الله المتواصل استنادا إلي مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة وقد تم ذلك بجميع الآليات اللازمة بما فيها التدخل العسكري.
ولكنَّ السؤال المهم هنا هو: هل يعتبر هذا الهجوم العسكري إجراءاً قانونياً ومشروعاً وفقاً للقانون الدولي؟
يمكن دراسة عدم شرعية التدخل العسكري السعودي في اليمن من ثلاث زوايا: القوانين الداخلية والقوانين الدولية والقوانين الإنسانية:
أ) من زاوية القوانين الداخلية لليمن
وفقاً للمادتين ٣٧ و ٣٨ من دستور اليمن، فإن الظروف التي توفر إمكانية التدخل الأجنبي بغية استقرار الأوضاع الداخلية في اليمن لا تنطبق على الظروف الراهنة. ففي هذا القانون هناك طريقان لإضفاء الشرعية على التدخل الأجنبي واستخدام القوات العسكرية للبلدان الأخري لتحقيق الاستقرار في الأوضاع الداخلية في اليمن.
١: تصويت مجلس النواب (المادة ٣٧)
٢: تصويت مجلس الدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية (المادة ٣٨).
المادة ٣٧ من دستور اليمن تقول: تنظم التعبئة العامة بقانون ويعلنها رئيس الجمهـورية بعد موافقة مجلـس النواب. صحيح أنه وفقا للمادة ١١١ من دستور اليمن إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولكن لا يجوز له تعبئة القوات أو دعوة القوات الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية لليمن بما في ذلك الهجوم العسكري دون الحصول علي موافقة مجلس النواب.
من جانب آخر، وفقا للمادة ٣٨ من الدستور اليمني، لم يتم تشكيل مجلس الدفاع الوطني ولم يصوت هذا المجلس علي قرارٍ قبل العدوان السعودي. وبناءً عليه فإن تواجد وعدوان التحالف العربي يعتبر انتهاكاً سافراً للدستور اليمني ولا يمكنه تبرير (١) استخدام القوة (٢) والتدخل في الشؤون الداخلية لدولة اخرى (٣) وانتهاك سلامة أراضي اليمن. وهذه المباديء الثلاثة هي من المباديء المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
ب) من زاوية القانون الدولي:
نظرا إلي محورية ميثاق الأمم المتحدة في إجراءات الدول في الساحة الدولية ونظرا إلي استمساك السعودية والدول المتحالفة معها بهذا الميثاق، فمن الضروري دراسة وتحليل هذه المواد والبنود ذات الصلة بالموضوع.
في الفصل الأول وفقاً للفقرة الثالثة من المادة ٢ لميثاق الأمم المتحدة: يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر. من الواضح جدا أنَّ هذه الفقرة تمنع الدول الأعضاء من استخدام الأدوات غير السلمية. وتجدر الإشارة أيضا إلي أن الفقرة الرابعة من هذه المادة تحذر جميع الدول الأعضاء من تهديد بعضهم البعض بالقوة أو استخدامها أو أية طريقة اخرى ضد سلامة أراضي دولة أخرى ولا تتفق مع مقاصد الأمم المتحدة. ويصرِّح هذا الميثاق في الفصل الثاني وبناءً علي المادة السادسة: إذا أمعن عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن.
نستنتج مما تقدم ذكره، أنَّه من المذموم استخدام القوة من جانب أعضاء الأمم المتحدة ضد بعضهم البعض ذلك أنه يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة (السلام والأمن الدوليين.. إلخ). وما قامت به السعودية من إجراءات في اليمن حتى الآن لا ينطبق بأي حال من الأحوال على مقاصد الأمم المتحدة.
والفصل السادس من الميثاق يتحدث عن تسوية الخلافات بطريقة سلمية ويصرح علي أنه يجب علي البلدان، قبل أي هجوم عسكري، الحصول علي حل سلمي عبر المفاوضة والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء إلي الترتيبات الإقليمية أو الحلول السلمية الأخري التي يقع عليها اختيارها (المادة ٣٣ والفقرة ١). وما يلفت النظر هنا طريقة تدخل مجلس الأمن الدولي لأجل حل هذه الخلافات. من هذا المنطلق، بداية يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع أن يحلوا خلافاتهم بطريقة سلمية كما ذكرنا سالفا (الفقرة ٢ المادة ٣٧). وفيما عدا ذلك يحيل أطراف النزاع خلافاتهم إلي المجلس (المادة ٣٧). والأهمّ من كل ذلك هو الدور الذي جاء في نهاية هذا الفصل وهو دور النصيحة لأطراف النزاع.
ويختص الفصل السابع من الميثاق (المادتين ٣٩ـ٥١) بخرق السلام والاعتداء. تقول المادة ٥١ من هذا الفصل: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.”
والجدير بالذكر هنا أن ما تدعيه السعودية للهجوم العسكري علي اليمن وهو دعوة الرئيس منصور هادي غير مبرر وذلك أنه استقال من منصبه قبل الهجوم السعودي. ولا يمكن تبرير شرعية العدوان استناداً إلى مثل هذا الطلب. كان يمكن للسعودية أن تستمسك بهذا التبرير فقط في حال أولا: كان منصور هادي مايزال رئيساً لجمهورية اليمن، وثانياً: أن تقدِّم السعودية قبل عدوانها تقريراً عن الوضع في اليمن إلي مجلس الأمن للحصول علي التصريح اللازم. وفي الحقيقة أن منصور هادي كان رئيسا للحكومة الانتقالية في اليمن لا رئيسا للجمهورية ولا يمكنه كرئيس شرعي أن يدعو السعودية للتدخل في اليمن. وهذا ما يستشف أيضا من القرار ٢٢٠٤ الصادر من مجلس الأمن من أنه لم يسمه بصفته رئيسا شرعيا للجمهورية.
وما يمس مبدأ العدوان على اليمن وشرعيته وقانونيته هي الفقرة الأولي من المادة ٥٣ للميثاق والتي تُلزم جميع الدول بالحصول علي تصريح من مجلس الأمن للقيام بعمليات ضد بعضها البعض، ولم تقم السلطات السعودية بهذا الإجراء بأي شكل من الأشكال مما يتعارض بشكل سافر وصريح مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن الواضح أن مجلس الأمن قد أغمض عينيه حيال هذا الانتهاك السعودي السافر. الانتهاك الذي أدي إلي مقتل المدنيين والأطفال الأبرياء وتدمير البنى التحتية اليمنية وقوَّض عملياً شرعية هذا القرار.
الجدير بالذكر أن الأسباب المذكورة يمكن الاستدلال بها ايضاً في انتهاك ميثاق منظمة التعاون الإسلامي (OIC) وجامعة الدول العربية. وبناءً على هذا الميثاق فينبغي على الدول الإسلامية أن تحل الخلافات فيما بينها في إطار منظمة التعاون الإسلامي وكذلك الأمر بالنسبة للدول العربية الأعضاء في الجامعة. وخلافاً لنص الميثاق لم تستشر السعودية أياً من هاتين المنظمتين قبل الهجوم على اليمن.
ج) من زاوية القوانين الإنسانية:
الهجمات السعودية المكثفة وقصف المناطق السكنية والمدنية أسفرت عن خسائر في الأرواح بين المدنيين خاصة النساء والأطفال وكبار السن. لقد أراد السعوديون تركيع الشعب اليمني عبر تدمير البنى التحتية الحضرية كالمياه والكهرباء والمستشفيات في اليمن. وهذه الأضرار والاعتداءات تتناقض مع إعلان ١٦ سبتمبر ١٩٢٤ للأمم المتحدة الذي تمتْ المصادقة عليه في دعم الأطفال تحت عنوان «إعلان جينو» وأيضا إعلان حقوق الطفل الذي تمت المصادقة عليه في ١٤ نوفمبر ١٩٥٩ والمتعلق بحماية النساء والأطفال في الأزمات والنزاعات المسلحة والمادة ٧٧ من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف ١٩٧٧ في مجال العناية الخاصة بالأطفال حيال أي شكل من أشكال الهجوم المسيء. فضلا عن ذلك، فإن القرارات ٢٤٤٤(٢٣) في ١٩ ديسمبر ١٩٨٦ وديسمبر ١٩٦٩ و ٢٦٧٥ (٢٥) في ٩ ديسمبر تشير إلى دعم حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية في حماية المدنيين في فترة النزاعات المسلحة.
وبينما نلاحظ أن هذه الوثائق الحازمة والملزمة تحظر أيَّ اعتداء تجاه المدنيين في النزاعات بين الدول، تشن القوات السعودية غاراتها علي مدار الساعة في وقت تحظى فيه بدعم من الأمريكان ومجلس الأمن وغض الطرف من الدول الإسلامية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق