التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, سبتمبر 19, 2024

أوروبا والخطأ الإستراتيجي: ليبيا من محطةٍ للنقل البحري، الي محطة لتصدير الإرهاب 

تشكل ليبيا على الرغم من غيابها عن المشهد السياسي اليوم، لتصدر المشهد اليمني والسوري الواجهة، نموذجاً للفشل الأمريكي والأوروبي بالتعاطي مع ملفات المنطقة. ويعود اليوم الحديث عن ذلك من منطلق الإرهاب الذي يزحف من ليبيا الى أوروبا. فكيف يمكن تقييم الخطر الداعشي على أوروبا إنطلاقاً من ليبيا؟

 

أولاً: الخوف الأوروبي من خطر تنظيم داعش الإرهابي، يدخل التصريحات الرسمية والإعلام

حذرت الحكومة الليبية من وجود متطرفين في صفوف المهاجرين الذين لا ينقطع تدفقهم إلى أوروبا على الرغم من تزايد حوادث غرق القوارب والتي أسفرت خلال الأشهر القليلة الماضية عن مصرع المئات. وكان وزير الثقافة والإعلام الليبي عمر القويري، قد قال في تصريح لوكالة “أنسا” الإيطالية مؤخراً، إن القوارب التي ستصل إلى إيطاليا في غضون الأسابيع القادمة ستقل ليس مهاجرين فقراء فحسب، بل و”دواعش” أيضاً على حد تعبيره. ومن جهةٍ ثانية، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرج، يوم الأربعاء المنصرم، من احتمال أن “يندس جهاديون ومقاتلون أجانب بين المهاجرين غير الشرعيين” الذين ينطلقون من السواحل الليبية في مراكب غير مؤهلة لعبور البحر المتوسط. قائلاً: “إن مسألة اختباء الجهاديين واختلاطهم في صفوف المهاجرين عبر البحر المتوسط مسألة في غاية الخطورة”، مشدداً على ضرورة اتخاذ خطوات جادة للرد على هذه الإضطرابات والتهديدات بأشكال مختلفة.

وعلى الصعيد الإعلامي كشف تحقيق لـ BBC، نقل فيه عن بعض المهربين في ليبيا قولهم إن تنظيم داعش الإرهابي يسمح لهم بمواصلة عملهم في تهريب المهاجرين مقابل الحصول على نسبة خمسين بالمئة من الأموال التي يحصلون عليها. وقد أشار التحقيق الى أن وكالة الحدود الأوروبية قد حذرت في وقت سابق هذا العام من أن مقاتلين أجانب يستخدمون طرق تهريب غير تقليدية للوصول إلى أوروبا. فيما نقل تقرير لصحيفة (ميل أون صندايMail on Sunday) البريطانية الأحد الماضي، عن كلام عميل مزدوج كان أفشى أسراراً عن تنظيم القاعدة إلى جهاز الإستخبارات الداخلي (MI٥)، ويعمل حالياً كمستشار أمني، قوله في برنامج على (بي بي سي): “إن حقيقة الأمر اليوم، هي أن داعش يقوم بتنفيذ مشروعه بتهريب المصريين والجزائريين والتونسيين والسوريين من خلال موقعه الإستراتيجي في مدينة سرت الليبية”.

ثانياً: كيف تتحمل الدول الأوروبية وتحديداً الناتو مسؤولية تمدد الإرهاب الداعشي إليها؟

لا بد لمقاربة ملف تمدد الإرهاب الى أوروبا، من الحديث عن مسائل عديدة، تشكل في الحقيقة أساس تطور هذا الخطر. وهنا تجدر الإشارة لما يلي:

– إن سياسة الكيل بمكيالين طغت على تعاطي الدول الأوروبية مع الأزمات المتعلقة بالمنطقة لا سيما الشرق الأوسط، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال الأزمة الليبية. وهو الأمر الذي يمكن رؤيته من خلال عدم الوقوف موقف المحارب للإرهاب في ليبيا، فيما يقوم الناتو مثلاً، بدعم الحملات العسكرية في أفغانستان.

– كما أنه ومن خلال مراجعة الأحداث الأخيرة المتعلقة بالأزمة الليبية منذ بدء الحديث عن التوترات في ليبيا الى إسقاط النظام وما بعد ذلك، يتبين حجم المسؤولية التي تقع على كاهل هذه الدول والتي تعاطت مع ليبيا من منطلق الدولة ذات الموارد التي يجب تقسيمها، سياسياً واقتصادياً، على شكل حصصٍ يستفيد منها الجميع.

– فالتدخل العسكري للناتو، كان السبب الأساس في خلق حالة الفوضى وأعمال العنف، التي كان يضبط إيقاعها نظام القذافي. ولأن علاجها لم يكن من الأولويات في تدخل الناتو، دخلت هذه الحركات حرب زعامات ونفوذ، أدت بليبيا للإنهيار، أمام صمتٍ دوليٍ مريبٍ، استنكرته الحكومة الليبية مؤخراً، على لسان عبد الله الثني، خلال مؤتمرٍ صحفي عقده بمقر الحكومة بمدينة البيضاء الشهر الماضي، قال فيه “إن المجتمع الدولي يتحرك بكل قوة في المشرق العربي بتوجيه ضربات متتالية ويقدم الدعم للدول في المشرق العربي لمحاربة الإرهاب، لكنه يقف ساكتاً عند العمليات التي تحدث بليبيا وهي مشابهة لما يحدث في المشرق العربي”، على حد تعبيره.

– كما أن الموقف الأمريكي الحالي من الأزمة الليبية والذي يمكن وصفه بالموقف المتنصل من المسؤولية، هو نتيجة الفشل الأمريكي في سيناريو التدخل العسكري ٢٠١١. حين تمسّكت أمريكا وحلفاؤها، آنذاك، بمبدأ التدخل العسكري في ليبيا رغم إدراكهم المسبق بأن الإطاحة بنظام معمر القذافي ستدفع نحو الفوضى وستطلق العنان لما يسمى اصطلاحاً بـ”الراديكالية الإسلامية”.

– إذ يعرف المحللون، أن الهدف الإستراتيجي لحلف الناتو من خلال عملياته العسكرية في ليبيا، كان السيطرة على مقدرات الدولة ومواردها من نفط وغاز، وجعل ليبيا موطئ قدم للأوروبيين في منطقة شمال أفريقيا، في ظل ضعف النفوذ الأوروبي الحاصل منذ سنوات، بفعل التنافس الأمريكي الصيني على هذه القارة.

– ولعل الموقع الجيو إستراتيجي الليبي وطول الساحل البحري، هو الذي يؤهل ليبيا بنظر الدول هذه، لأن تكون محطة أوروبية جديدة للنقل البحري من وإلى أفريقيا، وهو الأمر الذي شجع الأوروبيين على القيام بتدخلٍ عسكري مبرّره الظاهري حماية المدنيين. كما أن هذا السبب بالتحديد هو الذي يجعل ليبيا بوابة عبور الإرهاب الداعشي الى أوروبا اليوم.

فشلت أوروبا في إدارة الملف الليبي منذ البداية. وفشل معها العرَّاب الأمريكي الذي خسر بسبب سياساته البراغماتية الكثير. لكن الخطر الداعشي المحدق اليوم، أصبح واقعاً مفروضاً على أوروبا، يمكن التحسر من خلاله على وضع المواطن الأوروبي الذي اعتاد على الرغد والرفاهية، والبقاء بعيداً عن الصراعات. لكن الوقائع تشير الى أنه سيدفع ثمن سياسات دوله الخارجية، من خلال انعدام الأمن والاستقرار في المستقبل القريب.

 

الوقت- محمد على جعفر

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق