التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

حزب الله واستراتيجية الأمن القومي الجديدة 

محمد علي جعفر /

الوقت – عندما أجاب بريجنسكي عن تعريف الإستراتيجيا، قال وبصراحة: “إنها أن تتعلم من الدروس الحقيقية للتاريخ، وأن تعرف ماذا تريد”. بهذه الكلمات للمستشار الأمريكي في مجال الأمن القومي، يمكن معرفة أسباب الخلل في الإستراتيجيات، والتي ستكون حتماً أسباب النجاح. ولعل القارئ لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في عيد الإنتصار والتحرير والتي ألقاها في النبطية في لبنان، يدرك أن الرجل بصفته رأس قيادة حزب الله، يتقن حياكة الإستراتيجيات، ووضع الأهداف. فكيف يمكن تحليل رؤية حزب الله المستقبلية، والتي جاءت على لسان أمينه العام، بطريقةٍ موضوعية؟ وكيف تتطابق هذه الرؤيا للمستقبل، مع الفهم الدقيق لتاريخ الصراع؟

عند الحديث عن تحليل المواقف، يتم الوقوف عند العديد من المسائل. فالشخصية التي تطلق الموقف تشكل بحد ذاتها أهميةً، يتم التوقف عندها. ليأتي بعد ذلك توقيت الخطاب، ومضمونه الى جانب الحديث عن رمزيته. وهنا يمكن تحليل خطاب السيد نصر الله الأخير على الشكل التالي:

شكل أمين عام حزب الله وبشخصه جزءاً مهماً من مكامن قوة حزب الله. فالمراقب للحركة التاريخية للصراع، أي منذ بروز المقاومة الإسلامية في لبنان، وبالتحديد عند تولي السيد مهمة الأمين العام، يدرك أن الصهاينة آمنوا منذ ذلك الوقت أن الرجل يتمتع بقدرةٍ عاليةٍ على القيادة، نادرة الوجود. الى جانب قدرته الخطابية التي مع مر الأيام ترسَّخ لدى الجميع أن السيد يتقنها. ولعل الحديث ليس في الأسباب بل في مجال توصيف الحقائق. لنقول أن التوقف عند الشخصية التي أطلقت المواقف في عيد التحرير اللبناني، لا يحتاج للكثير من الوقت. فلقد أصبح معروفاً ومنذ زمنٍ ليس بقصير، أن الجميع في لبنان والشرق الأوسط، بل في كل مراكز القرار وفي الكيان الإسرائيلي بالتحديد، يستمعون لخطابات الرجل، لما يشكله شخصه وعبر قيادته، أهميةً في مجريات الصراع، الى جانب قدرته على سرد الفهم الحقيقي للتاريخ، وربطه بالحاضر، والإنطلاق من خلاله للمستقبل. لذلك ومما تقدم فإن التعامل الموضوعي مع خطاب السيد يختلف عن باقي المواقف. وهنا ننتقل مباشرةً لتحليل الخطاب.

لقد قدّم السيد ومن خلال خطابه، سرداً لتاريخ المقاومة، منذ انطلاقتها حتى انتصارها في تموز ٢٠٠٦، وقدرتها اليوم على إلحاق الهزيمة بالتكفيريين. وقد ركز خلال سرده على أن المقاومة التي تبناها جزءٌ من اللبنانيين، كانت دوماً تقدم الإنتصارات لجميع الأطراف في لبنان. وعندما حصل الإنتصار الذي شكل أول منعطفٍ في الصراع مع الكيان الإسرائيلي أي في أيار ٢٠٠٠، قدمت المقاومة هذا الإنجاز للبنان أجمع وللشعوب العربية والإسلامية كافة، ولجميع المستضعفين في العالم. مشيراً الى أن معنى الإنتصار الحقيقي، يعرفه من يؤمن بالمقاومة وخيارها فقط. وكان الهدف من هذا الكلام الإشارة الى ما يُقال عنه في علم الإستراتيجيا، الدروس الحقيقية للتاريخ

ثم تحدث السيد عن العمل المقاوم وكيف أنه شكل نموذجاً من حيث القدرة والزمن. ليصل الى أن الإندحار في ٢٠٠٠، كان بداية التغيير في الصراع، ليتعزز ذلك في ٢٠٠٦، وليدرك حينها العالم بأسره، أن حزب الله قوةً حقيقية. وهدف السيد من ذلك، للإشارة الى الفهم الصحيح للواقع الحقيقي للبنان اليوم، ولأهمية المعادلة الموجودة أي الشعب والجيش والمقاومة. وهذا ما يقال عنه في علم الإستراتيجيا، نقاط القوة.

ثم تحدث السيد عن الحرب مع التكفيريين وكيف أن المقاومة اليوم تدرك بالحقائق وليس بالنوايا، أنها اتخذت القرار الصحيح عندما قررت دخول الحرب السورية. وهنا يعرف المخطط العسكري المتمرس، أن الهدف الحقيقي لحزب الله كان حينها، الهجوم الإستباقي، والذي من خلال يمكن بناء ساحةٍ للإلتحام مع العدو، بعيدةٍ عن المدنيين. ليهدف السيد، الى أنه ولولا هذا التدخل الذي هاجمه الكثيرون حينها، لكان الإرهاب الداعشي على أبواب الجميع، ويتنزه بين القرى والمدن كما يحصل في بعض العراق اليوم. وهو ما يقال عنه في علم الإستراتيجيا، بتقييم الإنجازات.

بعدها انتقل للحديث عن رؤيا حزب الله. فبعد السرد التاريخي الدقيق، وربطه بالحاضر الموصوف بإتقان، قدم السيد رؤيته الحكيمة للمستقبل. ليقول أن العالم بأسره اليوم، ينظر لهذا الخطر الإرهابي من منطلق أنه خطرٌ وجودي. وبالتالي فلم تعد للحدود الجغرافية أية أهمية. لأن العدو الجديد، لا يعرف أي معنىً للمنطق العسكري أو السياسي أو حتى قواعد الإشتباك الإستراتيجي، بل يؤمن بأنه القادم لإقامة الخلافة الإسلامية فقط. مشيراً الى أن تجربة هذا العدو، تتحدث بنفسها عن أسلوبه البشع. وكان الهدف من هذا الكلام تقييم الخطر الحقيقي الموجود اليوم. وهو ما يقال عنه في علم الإستراتيجيا، تقييم المخاطر.

لينهي السيد خطابه بوضع الحل الذي يراه مناسباً، وهو أن الأمن اللبناني، لم يعد يقتصر على الحدود اللبنانية فقط، بل يتعداها لأمن سوريا ودول المنطقة. وبالتالي فقط استطاع السيد أن يحدد مسار المستقبل بدقة، وقد كان واضحاً بأن المستقبل الصعب، يحتاج لحكمةٍ في التعاطي، وليس لمزايدات يتقنها فقط مراهقوا السياسة. لذلك فإن حزب الله الموجود في الخط الأمامي للصراع مع الكيان الصهيوني، موجودٌ أيضاً في العمق الإستراتيجي للصراع. والهدف من هذا كان أخذ العلم فقط

إن المستقبل اليوم، يحدد معالمه صناع القرار واللاعبون على طاولة إسترتيجيا المنطقة. ولا مكان للأبواق المزايدة، أو للساسة المراهقين. فمن إيران دولة الإمام الخميني التي بدأت مع ثورتها شعلة نهضة المستضعفين في العالم، فكان أول منعطفٍ في التاريخ السياسي المعاصر، الى مقاومة السيد حسن نصر الله في لبنان والتي صنعت مدرسةً قتاليةً جديدة خرجت من روح تلك الثورة، حاك منها حزب الله تاريخ الأمة المشرف وحاضرها القوي، وخارطة المستقبل العزيز. ليجعل من الأمن القومي اللبناني، أمناً للمنطقة والعالم أجمع. ونموذجاً سيشهد المستقبل القريب أنه، سيدرس في مدارس الثورات ويكون الشعار عند حركات المستضعفين.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق