تاريخ سوريا: التنوع الطائفي والفكري لا يمنع الوحدة
دائماً ما يدعي بعض الساسة ورجال الإعلام أن الحرب الدائرة في سوريا والتي دخلت عامها الخامس هي حربٌ طائفية متناسين تاريخ سوريا، وكما يُقال “التاريخ شاهد الأزمنة، نور الحقيقة، حياة الذاكرة، معلم الحياة، رسول القدم”، فلابد من دراسة مختصرة لتاريخ سوريا لنجد أنه مليء بالأدلة والشواهد على أن سوريا كانت تمتاز بوحدة وطنية متينة ونسيج اجتماعي محكم اضافة الى حرية الفكر منذ أقدم العصور والى يومنا هذا، وبنظرة سريعة الى التاريخ السوري يمكن الوصول لهذه النتيجة والقرن الماضي مليء بالنماذج والأمثلة.
ففي عام ١٩٢٥ انطلقت الثورة السورية الكبرى من جبل العرب(جبل الدروز) وكانت بقيادة سلطان باشا الأطرش الذي ينتمي الى الطائفة الدرزية وكان هدف الثورة الأول إقامة دولة عربية حرة وتوحيد سوريا ساحلاً وداخلاً والاستقلال ورفض الانتداب الفرنسي والتحق بركب هذه الثورة الوطنيون الدمشقيون والسوريون والعرب ونجحت في توحيد سوريا بعد أن كانت فرنسا قد قسمتها إلى أربع دويلات: دمشق، وحلب، وجبل العلويين، وجبل الدروز، وهكذا سطرت الثورة السورية الكبرى أروع مثال عن الوحدة الوطنية التي يؤمن بها الشعب السوري.
أما عن الشيخ صالح العلي فهو ينتمي للطائفة العلوية وهو شيخ ورجل دين وشاعر ومن مشائخ جبل العلوين وهو أحد المشاركين في ثورة سلطان باشا الأطرش وقد تعرض للإقامة الجبرية بسبب رفضه عرض الفرنسيين باقامة دولة علوية وبعدها قدم الفرنسيون هذا العرض لأخيه الأصغر سنا الشيخ محمود الذي رفض هو الآخر، وعلى أثر ذلك تم تعريضه للتعذيب وخرج جراء ذلك يعاني من ايذاء جسدي ونفسي لازمه حتى وفاته مسجلاً نموذجاً آخر عن الوحدة الوطنية.
يضاف الى هؤلاء القادة، ابراهيم هنانو وهو من مواليد بلدة كفر تخاريم غربي حلب من الأكراد السنة وقد شارك أيضاً في الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي فعرض عليه الفرنسيون رئاسة دولة تضم كل المناطق التي شملتها ثورته (ادلب وحارم وجسر الشغور وانطاكية)، ولكنه رفض العرض وأصر على وحدة الأراضي السورية، وبهذا تشكل سوريا في تاريخها نموذجاً للوحدة فالأرض السورية تجمع كل المكونات الدينية والعرقية وكل هذه المكونات والطوائف يبذلون الدماء للحفاظ على وحدة سوريا وحرية العقيدة فيها.
وبالنسبة للشعب السوري ففي ١٤ شباط عام ١٩٣٩ تظاهر رفضاً لإجتزاء لواء الاسكندرون مؤكدا أن الشعب السوري لا يتنازل عن وحدة أراضيه وشعبه، وكذلك في عام ١٩٤١ بدأت سلسلة مظاهرات ضخمة في سوريا احتجاجًا على الحصار الاقتصادي المفروض خلال الحرب العالمية الثانية من قبل الحلفاء على سوريا وكذلك كانت مناهضة للانتداب الفرنسي وهذا يشير الى وحدة المعاناة التي يعيشها السوريون بكافة أطيافهم.
الوحدة الوطنية في سوريا رغم اختلاف الأديان وتعدد الطوائف كانت على مر العصور صفة بارزة تميز الشعب السوري بها فالمسيحيون لم يكونوا بعيدين عن الاسلام بل كانت تجمعهم روابط متينة الى حد جعل من الشهيد جول جمال المولود في اللاذقية وهو من أسرة مسيحية أرثوذكسية يستمد فكر الشهادة من الاسلام حيث نفذ عملية استشهادية على زورقه مما أدى الى تدمير وإغراق المدمرة الفرنسية (جان بار( التي كانت تحاول الاقتراب من الشواطئ المصرية، أضف الى ذلك أن والده شارك في الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي.
مسلمون ومسيحيون، سنة وعلويون، أكراد وعرب، كل هؤلاء تعاونوا معاً لتحقيق هدفهم الأسمى وهو توحيد سوريا ومنع فرنسا من تقسيمها طائفيا ليعيش الشعب السوري بكامل ألوانه وأطيافه تحت سقف مشترك، وهذا ما يشير الى حرية العقيدة والوحدة الوطنية التي كانت منتشرة في المجتمع السوري عبر التاريخ وهذا يدحض كافة الادعاءات التي تتهم الشعب السوري بالطائفية ويزيل كافة الشكوك المثارة بأن الحرب التي يعاني منها هي حرب مذهبية، وكما يقول الفيلسوف شيشرون “من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلاً صغيراً.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق