التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

حقائق وتحليل لتاريخ خطط أمريكا التقسيمية 

 

لقد أثبت العالم العربي عجزه عن التحليل المنطقي للمستقبل، حتى أن أولئك الذين يتصايحون للتحذير من مخططات الأعداء، يفعلون ذلك بناءاً على أوهام يتخيلونها وأساطير يتداولونها، وليس على أساس معرفي علمي. لذلك، يحبذ الخبراء الصهاينة نشر استراتيجياتهم المستقبلية علناً لتوعية أكبر عدد ممكن من اليهود والإسرائيليين بها، دون أدنى قلق من اطلاع العرب عليها، فإمكانية تصدي حكوماتهم لتلك الخطط إزاء معرفتهم بها شبه معدومة”. بهذه الكلمات يصف الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس “اسرائيل شاحاك” حال الأنظمة العربية. وهو ما يدل على حجم الإستهتار الأمريكي والإسرائيلي بهذه الدول، لأنها وخلال مسيرتها التاريخية، كانت تخضع لسياسات أمريكا التقسيمية. فكيف يمكن وعبر التاريخ رصد ذلك؟ ولماذا سعت أمريكا لتقسيم الشرق الأوسط؟

 

تبدأ قصة التقسيم مع الخطة الأولى في التاريخ المعاصر والمعروفة بخطة يينون ١٩٨٢. وهي الخطة التقسيمية التي حاكها، أودد يينون، رجل الموساد الغامض، والعقل المدبر لسياسات الليكود الإستراتيجية. وقد نشرت هذه الخطة في مجلة “كيفونيم” العبرية (إتجاهات بالعربية)، في شباط ١٩٨٢، تتضمن استراتيجية الكيان الإسرائيلي في الثمانينات. حينها كانت الحرب الباردة قائمة، أي الإتحاد السوفياتي ما زال في أفغانستان ويهيمن على شرق أوروبا، والحرب العراقية الإيرانية في ذروتها، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية مشتعلة، بينما كانت اتفاقية السلام مع مصر قد عقدت. وكانت التجربة اللبنانية بنظر المخطط الإسرائيلي، نموذجاً للمنطقة بأسرها. فلبنان كان مقسماً لـ ٥ دويلات حينها، وبالتالي فإن الدويلات التي تقوم على أساسٍ طائفي هي أمرٌ قد يبرر للكيان الإسرائيلي، الوجود ويعطيه شرعية. ومنذ ذلك الوقت كان المخطط يفكر كما اليوم، أي يجب أن تؤدي الخطة الى تقسيم العراق لثلاث دول، شيعية، سنية وكردية، ومن بعد تقسيم لبنان والعراق، يأتي دور مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربي وتركيا والصومال وباكستان. وقد أصر الرجل على خطته إنطلاقاً من قناعته بإشكالية أن الحدود العربية الموجودة آنذاك غير قابلة للدوام. فسوريا يمكن أن تقسم لأربع دول بحسب التوزيع الطائفي، والأردن تكون وطن الفلسطينيين بعد إسقاط الحكم الهاشمي، والدول الخليجية ليست بنظره سوى نخب حاكمة في قصور، جيوشها ضعيفة، وسكانها من جنسيات أجنبية.

بعد ١٠ سنوات من خطة يينون، تغيرت الأوضاع في المنطقة وما تم التخطيط له في الشرق الأوسط حصل في مناطق أخرى من العالم. خرج الإتحاد السوفياتي من أفغانستان، ليسقط بعدها ليتفكك لـ ١٥ دولة. مما خلف حرباً أهلية طاحنة هناك. انهارت دول شرق أوروبا وتقسمت يوغوسلافيا الى ٤ دول. تشكلت بذرة المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي في المنطقة، حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين، وقامت الإنتفاضة الفلسطينية. حصل غزو الكويت بدعمٍ أمريكي، ليحاصر بعدها العراق إقتصادياً. وازداد التواجد الأمريكي في الدول الخليجية، لحماية الأنظمة تلك. لتخرج الى العلن خريطة برنارد لويس ١٩٩٢ المختصة بتقسيم الشرق الأوسط، والتي كانت موضوعة في عام ١٩٧٤ لضرب الإتحاد السوفيتي لكنها بقيت سرية. والجامع بينها وبين خطة يينون ١٩٨٢، أنها تهدف للتقسيم على أساسٍ عرقيٍ وطائفيٍ، وركز على تسليح الجميع للتقاتل. وهو الأمر الذي سيمكن الأمريكي من السيطرة على موارد النفط من خلال السيطرة على الأنظمة، إذ لا ضرورة للإحتلال العسكري. وبمقارنة خريطة لويس مع خطة يينون، نجد أنهما اتفقا على محو الدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم العراق لثلاث دويلات، سنية وشيعية وكردية، وضم سيناء للكيان الإسرائيلي. والصريح في خطة لويس كان إشارته الى ضرورة الحفاظ على استقرار الكيان الإسرائيلي، مشيراً الى خطة بدأت لصناعة تنظيمات إسلامية مسلحة في بريطانيا. يستفاد منها عبر شحنها مستقبلاً من خلال استبداد حكام الدول العربية والإسلامية بحسب رأيه، وهو ما يغذي الصراع. وبعد عشر سنوات وجد برنارد لويس من يستمع له، فكانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الإبن، والذي عينه مستشاراً لإدارته قبل غزو العراق.

في السنوات الـ ١٤ بعد خطة لويس أي حتى العام ٢٠٠٦، حدثت الكثير من الأحداث السياسية في المنطقة والعالم. من الإنتفاضة الفلسطينية عام ٢٠٠٠، لأحداث ١١ أيلول في ٢٠٠١ وكذلك الغزو الأمريكي لأفغانستان وبعدها غزوه للعراق في ٢٠٠٣ والحرب الإسرائيلية على لبنان ٢٠٠٦. فكانت رؤية الشرق الأوسط الجديد والتي تطابقت مع مخطط رالف بيترز والذي عرف بـ”حدود الدم ٢٠٠٦”. والذي ركز على كل ما ورد سابقاً، لكن مع طرحه فكرة ضرورة تفتيت الدول الإسلامية لاسيما السعودية وباكستان.

في العام التالي لنشر مخطط “حدود الدم”، وبالتزامن مع إطلاق مجلس الشيوخ الأمريكي خطته غير الملزمة لتقسيم العراق، بدأ جيفري جولدبرج، وهو ناشط ومخطط له ثقله في اللوبي الصهيوني داخل أروقة السياسة الأمريكية، في كتابة سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، على صفحات مجلة أتلانتيك. فأدخل السودان والصومال في خطط التقسيم، وأعطى أهمية لسيناء مستقلة عن مصر، وإعترف بقوة حزب الله اللبناني، وبضرورة قيام دولة درزية في جنوب سوريا وشمال الأردن. وبعد ذلك وبسبب تغير الأوضاع بدأت حملة إسقاط الأنظمة في الدول العربية مع مطلع العام ٢٠١١، لتمتدد لما وصلت اليه الأمور اليوم، لأزمة في العراق وسورية، والعدوان السعودي على اليمن.

إذاً تحدث التاريخ عن خطط التقسيم. وكلها هدفت لضمان أمن الكيان الإسرائيلي، وزيادة نفوذ أمريكا على مقدرات دول المنطقة. ولعل ما يجب الإشارة اليه، هو أن مشروع تشويه الإسلام، كان من ضمن المخطط الهادف لصنع جماعاتٍ تكفيرية تساهم في ضرب إستقرار المنطقة. وبالتالي فإن فشل هذه الخطط كان يعود للأوضاع المستجدة، وزيادة قوة محور المقاومة، وهو الأمر الذي يبدو أنه الوحيد الذي يمكن الرهان عليه.

المصادر:

The Middle East quasi-state system by Ariel I. Ahram, May ٢٧, ٢٠١٤

خطة ينون، “إسرائيل الكبرى” وسوريا والعراق، وداعش وعلاقة الارتباط

The New York Times, Sunday Review, How ٥ Countries Could Become ١٤.

EIR Strategic Studies New Bernard Lewis plan will carve up the Mideast by  Joseph Brewda, Volume ١٩, Number ٤٣, October ٣٠, ١٩٩٢

الوقت – محمد علي جعفر

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق