التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

الدول الخليجية وتبنيها وجهة النظر الإسرائيلية للصراع: تحليل ودلالات 

محمد علي جعفر /

 لا يمكن المبالغة في وصف الدول الخليجية بالدول القادرة على الإستقلال بقراراتها بعيداً عن واشنطن. لكن الواضح أن عدم الرضا الخليجي عن السياسة الأمريكية، يتوافق مع السخط الإسرائيلي من نفس الموضوع. وقد تتفق أمريكا والكيان الإسرائيلي الى جانب الدول الخليجية علي العداء المشترك لإيران. لكن الواضح أن الرأي في طريقة التعاطي السياسي تختلف بين هذه الأطراف. وإن كان معلوماً اليوم، أن السعودية والدول الخليجية، أقرب لتبني وجهة النظر الإسرائيلية، من تلك الأمريكية. فكيف يمكن تحليل السياسة الخاصة لدول الخليج وبالتحديد السعودية؟ وكيف اختلفت مع رؤية الراعي الأمريكي فيما اتفقت مع وجهة النظر الإسرائيلية؟

قد يكون العداء المشترك لإيران، هو الجامع بين أمريكا والدول الخليجية اليوم، لكن طريقة التعاطي مع هذا الملف، لا بد انها تختلف بين الطرفين. وهو ما يجب توضيحه، لتحليل الرؤية الإستراتيجية للطرفين. وقد يكون بعيداً عن المنطق وضع واشنطن مقابل الدول الخليجية، لأسبابٍ تتعلق بأن هذه الدول وعلى مدى عقودٍ من الزمن، لم تخرج من الحاضنة الأمريكية بل كانت تسبح في البحر السياسي الأمريكي وما زالت. لكن تحول الصراعات اليوم من صراعات إستمرار الى صراعات وجود، بدّل الأولويات، وجعل الأطراف تنظر الى مصالحها كلٌ على حده وبالتحديد الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي، في ظل تعاظم الدور الإيراني، والمبرر حدوثه، نتيجة الفراغ الحاصل الذي خلفه تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.

لقد سعت السعودية الى جعل نفسها من الناحية الدينية، ممثلةً للعالم الإسلامي. لكن ما ظهر في سبعينيات القرن الماضي من حركاتٍ إسلامية في مصر والعالم العربي، الى جانب إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، جعل السعودية تشعر بأنه أصبح لها منافسون بحسب وجهة نظرها للصراع. وهو الأمر الذي دفعها للتعاطي مع إيران من منطلق الخصومة الأقرب للعداء منه للأخوة، لا لشيءٍ بل خوفاً من تقلص دورها. فالسعودية اعتمدت منذ البداية الأيديولوجية الدينية في تعاطيها مع الملفات الخارجية. وهو الأمر الذي تختلف فيه إيران، والتي لم تتعاط يوماً وبحسب الحقائق التاريخية، من المنطلق الديني، بل كانت تدعم المستضعفين في العالم من أي فئةٍ كانوا. يضاف الى ذلك أن السعودية سعت للإستفادة من الوجود الأمريكي في المنطقة، محاولةً تقليص دور إيران والعراق إقتصادياً، ليبقى نفط الخليج النفط الوحيد في الواجهة. وبالتالي نجد أن رؤية السعودية كانت منذ البداية، قائمة على تعزيز الأدوار الظرفية، والتي قد تتغير مع الزمن. وهو الأمر الذي حدث فعلاً اليوم، وضرب نفوذها وهيبتها.

من الناحية الأخرى نجد أن أمريكا قد شاركت السعودية رؤيتها الجيوسياسية لإهتمامها بالإستيلاء على نفط المنطقة، الى جانب رؤيتها أن الخليج يشكل لها نقطة ارتكاز لنفوذها في العراق وأفغانستان. لكن الوجهة الدينية لم تكن مهمة بالنسبة لأمريكا، فهي صاحبة السياسة البراغماتية وتؤمن بالإحتواء كخيارٍ يطغى على سياسة المواجهة. وهو الأمر الذي شكل أحد أهم أسباب الخلاف بينها وبين الدول الخليجية الى جانب الكيان الإسرائيلي. وهو ما ترجمه وصول الأمريكي الى قناعة أنه لم يعد يستطيع تجاهل أهمية إيران في المنطقة. وهنا يأتي السؤال الأهم: في ظل التباين بين الرؤيتين، كيف حصل الإختلاف؟

  • إن تراجع الدور الأمريكي في أفغانستان والعراق، شكل نقطة تحول في القراءة الإستراتيجية للمنطقة، وهو الأمر الذي أثر بالنتيجة على السياسة الأمريكية. فإنسحاب واشنطن من البلدين، جعلها أكثر ضعفاً من ناحية النفوذ، مما خفض من سقف مواجهتها مع إيران. وهو الأمر الذي أثر سلباً على الدول الخليجية وبالتحديد السعودية، الى جانب الشعور الإسرائيلي بتراجع أمنه القومي.
  • تراجعت أهمية النفط الخليجي، بل أهمية الدول الخليجية بأسرها في السياسة الإستراتيجية لأمريكا. وهو الأمر الذي جعل السعي الأمريكي للتوصل لإتفاقٍ مع إيران أقوى. لكن الطرف الأمريكي الذي قرأ المرونة الإيرانية بأنها تعبيرٌ عن الضعف، إنزلق الى الفخ الإيراني بالإعتراف بالحق النووي لإيران بمجرد جلوسه الى طاولة المفاوضات. وهو الأمر الذي يعتبر الخطأ الإستراتيجي القاتل لأمريكا بحسب رأي الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية.
  • ويمكن إضافة العامل التركي ليكون سبباً في زيادة التباين بين أمريكا والدول الخليجية. فالإختلاف الأمريكي التركي في مقاربة الأزمة السورية، والسعي التركي للإستفادة من الإرهاب في إسقاط النظام السوري، هو أمر تتفق فيه تركيا مع السعودية والدول الخليجية التي تعتبر منشأ هذه المدارس التكفيرية، الى جانب المصلحة الإسرائيلية في إيجاد قوةٍ واقعية تضرب محور المقاومة. لكن العارف بالرؤية الأمريكية يدرك أن تزايد قوة التنظيمات التكفيرية وتحكمها بالميدان العسكري أكثر من اللازم، هو من الأمور التي أصبحت تشكل تخوفاً لدى الأمريكي ليس حرصاً على أمن المنطقة واستقرارها كما يظن البعض، بل لأن الأمور ستؤول الى وصول أطرافٍ بعيدة عن العقلانية، تدير الحروب ضمن حسابات جاهلة لا علاقة لها بقواعد الإشتباك العسكري أو السياسي.
  • إضافةً الى ما تقدم، شكل التضعضع الحاصل داخل دول مجلس التعاون أمراً يعتبر من المسائل التي أثرت على وحدة القرار الخليجي. فقطر وعُمان تختلفان مع السعودية، على عكس دول أخرى أقرب إلى لُب المشروع الخليجي كالبحرين والإمارات. فمثلاً علاقة أمريكا بقطر ترتهن لوجود مركز العمليات الجوية الأمريكية على أراضيها، وهو ما يجعل العلاقة الأمريكية القطرية منفصلة نسبياً عن العلاقة مع بقية الدول الخليجية.

لا يمكن القول إن الدول الخليجية خرجت من السياسة الأمريكية، لكن الصراع المعقد بدّل الأولويات بين الأطراف، وبالخصوص أن أمريكا لا تهتم بالشريك أو الأداة على قدر إهتمامها بالمصلحة. كما أن الكيان الإسرائيلي، يحاول دوماً تعميق الخلافات بين الدول الخليجية وواشنطن بل حتى بين الدول الخليجية نفسها. ولعل المستقبل سيحدده مدى قدرة دول مجلس التعاون على الإتفاق، الى جانب أهمية النفط الخليجي لأمريكا التي تنظر اليوم لشرق آسيا، فيما تبقى إيران عرابة السياسات المفاجئة مستقبلاً.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق