التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

كشمير: واقع من النزاعات بين الهند وباكستان ودور تاريخي لبريطانيا وأمريكا 

لا تزال المنطقة الكشميرية وعلى مدى أكثر من نصف قرن بؤرة للتوتر الإقليمي في جنوب آسيا. وقد ازدادت أهمية هذه القضية في السنوات الأخيرة بعد التجارب النووية الهندية والباكستانية، في منطقة تضم تكتلاً بشرياً تجاوز تعداده خمس سكان العالم. فما أهمية هذه المنطقة؟ ولماذا تدخل دائرة الصراعات والنزاعات المحتدمة؟

 

إن إقليم كشمير منطقة تتمتع بموقع إستراتيجي وجيوسياسي هام بين وسط وجنوب آسيا. وتشترك المنطقة في حدودها، مع أربع دولٍ هي الهند وباكستان، الصين وأفغانستان. فيما تسيطر باكستان على مساحة ٣٢ ميلاً مربعاً منه، وتسيطر الهند على الباقي، كما أن هناك مساحة صغيرة تخضع للسيطرة الصينية منذ العام ١٩٦٢. ولأهمية هذه المنطقة، بقيت تحت الإحتلال البريطاني حتى إقرار بريطانيا حق الهند في إقرار مصيرها. وهو الأمر الذي دفع المسلمين في الهند للعمل على الإنفصال بوطن للمسلمين وهو باكستان. وظلَّت كشمير منطقة رمادية يتنازع عليها الطرفان، وحصلت بسببها ثلاث حروب (١٩٤٧، ١٩٦٦،١٩٧٢ على التوالي). ولأن محاولات حلّ القضية بشكلٍ سلميّ باءت بالفشل، بقيت المنطقة دولياً وبتعريف القانون الدولي: “منطقة مُتنازع عليها”.

وقد قامت الهند بضم الإقليم لها في ٢٧ أكتوبر/ تشرين الأول ١٩٤٧ وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير. وقد تضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٤٧ الصادر في عام ١٩٤٨ النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن. فالحلّ السلمي يشتمل على إخراج القوات العسكرية من الإقليم وإعلان استفتاء شعبي يقرر الحالة السياسية للشعب إما بالإنفصال أو الانضمام لأيٍ من البلدين، ولكنَّ المشكلات السياسية الممتدة بين البلدين من القرن الماضي تحول دون هذا. ولا زال الإقليم على ما هو عليه الآن. وهنا يأتي السؤال: كيف دخلت هذه المنطقة في الصراعات؟ ومن كان السبب في ذلك؟

خضعت المنطقة للكثير من الحروب على مر الزمن، وفي العام ١٨٤٦ باع البريطانيون ولاية جامو وكشمير إلى عائلة الدوغرا الهندوسوية والتي بقيت في الحكم حتى عام ١٩٤٧. وفي ١٧ تموز ١٩٤٧ أصدر الإحتلال البريطاني قانون استقلال الهند الذي أنهى الحكم البريطاني لها، وأوعزت بريطانيا بعد انسحابها بأن تنضم إما إلى الهند أو باكستان وفقا لرغبة سكانها، فتدخلت القوات الهندية في ١٣ أيلول ١٩٤٨ مما جعلها ترضخ للإنضمام إلى الهند. تطورت الأحداث بعد ذلك سريعاً، فاندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في النزاع وأصدر مجلس الأمن قرارا في ١٣/٨/١٩٤٨ ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم. وبدأ يسود المجتمع الدولي منذ ذلك الحين اقتناع بأن حل القضية الكشميرية يأتي عن طريق اقتسام الأرض بين الهند وباكستان، فاقترحت الأمم المتحدة أن تنضم الأجزاء التي بها أغلبية مسلمة وتشترك مع باكستان في حدود واحدة (تقدر بحوالي ١٠٠٠ كم) لباكستان، وأن تنضم الأجزاء الأخرى ذات الغالبية الهندوسية ولها حدود مشتركة مع الهند (٣٠٠ كم) للسيادة الهندية، لكن هذا القرار ظل حبرا على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع حتى الآن.

سرعان ما عاد التوتر بين الجانبين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة وتتابعت بصورة درامية لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني في أيلول ١٩٦٥ على طول الحدود بينهما في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان واستمر الصراع العسكري ١٧ يوماً لم يتحقق فيه نصر حاسم لأي من الدولتين، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.

حينها كانت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي وأمريكا على أشدها في منتصف الستينيات وخشيت موسكو من استغلال الإضطرابات الإقليمية في آسيا الوسطى لصالح المعسكر الغربي أو لصالح الصين التي لم تكن على وفاق متكامل معها آنذاك، فحاولت التدخل بقوة في الصراع الدائر بين الهند وباكستان بشأن كشمير ورتبت لمؤتمر مصالحة بينهما عقد في كانون الثاني ١٩٦٦ بطشقند، وبعد مفاوضات مضنية بينهما توصل الطرفان إلى تأجيل بحث ومناقشة قضية كشمير إلى وقت آخر، وبوفاة رئيس الوزراء الهندي شاستري المفاجئة إثر نوبة قلبية انتهى المؤتمر إلى الفشل.

عاد القتال بين الجارتين ليتجدد مع مطلع السبعينيات وكان الميزان العسكري هذه المرة لصالح الهند الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض غيرت من التفكير الإستراتيجي العسكري الباكستاني وأدخل البلدين في دوامة من سباق التسلح كان الإعلان عن امتلاك كل منهما للسلاح النووي أهم محطاته. وأسفر قتال ١٩٧١ عن انفصال باكستان الشرقية عن باكستان لتشكل جمهورية بنغلادش. بعدها دخل البلدان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية أطلق عليها اتفاقية شِملا عام ١٩٧٢، وتنص على اعتبار خط وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين في ١٧ كانون الأول ١٩٧١ هو خط هدنة بين الدولتين. وبموجب هذا الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب ١٩٧١ في كارغيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.

حديثاً، عاد التوتر إلى الأجواء بعد اتهام الهند لبعض الجماعات الكشميرية التي تتخذ من باكستان مقرا لها بالضلوع في الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في كانون الأول ٢٠٠١ والذي أدى إلى مقتل ١٣ شخصاً منهم المهاجمون الستة، وطالبت بتفكيك بعض جماعات المقاومة الكشميرية التي تعتبرها الهند إرهابية خاصة جماعتي لشكر طيبة وجيش محمد، ثم تطورت الأحداث وحشدت الدولتان بعض وحداتهما العسكرية. لكن الضغط الأمريكي حينها على الجيش الباكستاني منع الأمور من التطور الى حرب، بسبب الدور الذي حددته أمريكا للجيش الباكستاني وهو القضاء على تنظيم القاعدة والقبض على أسامة بن لادن ومراقبة الحدود الأفغانية الباكستانية الطويلة.

مازالت المنطقة تعاني من الإضطرابات التي تجعلها محط نزاعٍ بين الهند وباكستان. ولعل الدور البريطاني الأساسي، وبعده دور أمريكا، أسَّس كالعادة لواقعٍ بعيدٍ عن المؤسسات السياسية المحتكمة، والتي يمكن الرهان عليها، ويبقى الإرهاب هو المشكلة الأكبر التي قد تؤجج الصراع في منطقة جنوب آسيا.

 

المصادر:

Subbamov Das, Kashmir: Paradise Lost :The Origin of Kashmir Conflict

Importance of Kashmir for Pakistan and India and Latest Developments”, Nov ١٦th, ٢٠١٠

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق