حرب الشائعات علي الشعب السوري، وسيناريو قرب سقوط العاصمة السورية
حملة اعلامية شرسة ضد الشعب السوري، وموجة شائعات منسقة ومبرمجة، انطلقت منذ أسابيع، والعنوان الأبرز، قرب بدء معركة دمشق الكبرى، واستعدادات لما يسمى “جيش الفتح” لبدء معركة حلب، وقرب سقوط الساحل السوري. وبدأت وسائل الاعلام المعادية للنظام السوري الحديث عن مواعيد محددة لانهيار متوقع وقريب للدولة السورية عقب تفاهم سعودي- تركي- قطري على تغيير الوقائع الميدانية على الساحة السورية ردا على التفاهم النووي الغربي مع ايران واستباقا لتداعيات هذه التسوية على موازين القوى في المنطقة.
ولم تقف فصول حرب الشائعات عند هذا الحد، بل بدأت تنتشر الأخبار حول محاولات انقلاب تواجه النظام السوري من الداخل، وأن رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك يصارع الموت في مستشفى الشامي في دمشق، وأنه يخضع للإقامة الجبرية، بعد أن رصد له النظام السوري مكالمة هاتفية مع الاستخبارات التركية، الأمر الذي تكشّف زيفه فيما بعد، مع الاطلالة الاعلامية لمملوك أثناء استقبال الرئيس الأسد لرئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علاء الدين بروجردي.
وعلى وقع العدوان السعودي على اليمن، تصاعدت وتيرة الحرب النفسية على الشعب السوري، حيث بدأ الحديث عن نسخة سورية لـ “عاصفة الحزم”، ثم تحدثت تقارير أخرى عن قرب دخول سوريا في مرحلة التقسيم بحكم الأمر الواقع، وأنه أضحى هنالك قناعة روسية أمريكية بمبدأ التقسيم، وأن كل طرف يحاول تحسين ظروفه ووقائعه ليحصل على حصة أكبر، وأن الدولة السورية تعمل على نقل الحكومة المركزية من دمشق الى طرطوس وقد بدأت اتخاذ الاجراءات اللوجستية لذلك.
وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيه سوريا إلى هكذا موجة من الحرب النفسية، بل إن العام ٢٠١٢، شهد ما هو أقسى وأشد، خاصة بعد مقتل الضباط القادة الأربعة في دمشق، والكلام الأمريكي عن عملية دمشق الكبرى، وقرب سقوط العاصمة، كما أن وسائل الاعلام المعادية لمحور المقاومة، تحدثت عدة مرات عن قرب سقوط النظام، وراهنت على سقوطه خلال عدة أيام، لأن النظام يعيش أيامه الأخيرة، وأن الرئيس الأسد يعيش في باخرة في البحر ويستعد للرحيل إلى روسيا، إلا أن النظام صمد حتى الآن لأربع سنوات دون أن يتحقق أي من رهاناتهم.
وتأتي حرب الشائعات هذه، بالتزامن مع الاعلان عن فتح معركة الشمال في إدلب وجسر الشغور، وتراجع الجيش السوري، في ظل الدعم الكبير الذي قدمته تركيا إلى الجماعات الارهابية المسلحة، وتأمين دخول هذه الجماعات إلى مدينة إدلب، في إطار مخطط تركي- سعودي- قطري مشترك. إذ تحولت تركيا إلى عمق استراتيجي للجماعات الارهابية المسلحة. ونقلت عبر مرافئها الكثير من الآليات والمدافع والمدرعات الجديدة إلى الداخل السوري، وتحديداً إلى جبهة النصرة- تنظيم القاعدة في بلاد الشام، وقد كان لصواريخ “تاو” المضادة للدروع التي سلمتها تركيا إلى جبهة النصرة، الدور الأبرز في تقدم الأخيرة في إدلب وريفها، فيما تحدثت تقارير عن إدخال تركيا لـ ١٢ ألف مسلح إلى معركة الشمال، وفقاً لما صرح به الرئيس السابق لدائرة شوؤن الاستخبارات والهيئة العامة للقوات المسلحة التركية “اسماعيل حقين.”
إلا أن المراقبين يقللون من أهمية هذا التراجع للجيش السوري، ويلفتون إلي أن الخطر قائم من خلال الحرب النفسية بالدرجة الأولى، وليس من الوضع الميداني، حيث سبق أن حصل تراجع للجيش السوري في الرقة والقلمون وحمص والقصير، ومن ثم تم استعادة هذه المناطق بكاملها. وأن مسألة التقدم والتراجع في الميدان هي مسألة طبيعية في الحروب. ولفت هؤلاء المراقبون إلى أن عمليات الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في معركة القلمون قد سجلت نجاحات باهرة، في حين يقوم الجيش السوري وحلفاؤه بحشد قوات كبيرة لاستعادة إدلب في منطقة سهل الغاب على تخوم المحافظة في قرية جورين.
من ناحية أخرى مايزال جهاز القيادة والسيطرة السياسي والعسكري في سوريا، يمسك بزمام الأمور، وما يزال الجيش متماسكاً وأجهزة الدولة تقوم بواجبها، وتعمل بكل طاقتها، وهذا من علامات قوة النظام السوري وتماسكه.
ويبدو أن الأيام القادمة، ستشهد تغييرات جديدة على الأوضاع الميدانية في سوريا، حيث تشير التقديرات أن الجانب التركي، لن يتمكن من الاستمرار في سياسة الانفتاح على تنظيم القاعدة، لما ينطلي على هذه الخطوة من تداعيات خطرة، حيث أن محاولة استثمار الارهاب لضرب سوريا، قد يرتد في أي لحظة على الداخل التركي.
كما أن التفاهم التركي- السعودي- القطري مرشح للتراجع، في ظل الاخفاق في تحقيق أهداف “عاصفة الحزم” على اليمن، وبالتالي يصبح الحديث عن بدء نسخة سورية لـ”عاصفة الحزم” بعيد المنال.
من جهة أخرى، فإن الجمهورية الاسلامية الإيرانية لن تقف مكتوفة الأيدي، وستدعم حلفائها بما هو معهود منها، وقد أورد موقع “رأي اليوم” نقلاً عن مصادر دبلوماسية ايرانية، أن “تركيا تخلت عن كل التفاهمات غير المعلنة مع ايران بخصوص ضبط قواعد العمل العسكري في منطقة الشمال. ونتيجة لذلك فإن ايران لن تلتزم الى الابد بما تخلى عنه الجار.” وتضيف المصادر “ان الجانب التركي تنكّر من طرف واحد لتلك التفاهمات، وهو يعتمد الان على تحالفه مع القيادة الجديدة في السعودية.”
إذاً كل الخيارات العسكرية طوال السنوات الأربع الماضية للنيل من الدولة السورية، لم تفلح في تحقيق أهدافها، ولا يبدو أن الأزمة السورية مرشحة للحل عبر حسم عسكري، ويبقى أن ننتظر ما ستحمله الأيام حتى انعقاد مؤتمر جنيف ٣.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق