التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

التداعيات الإقليمية لنتائج الإنتخابات التركية 

“ذاب الثلج وبان المرج” في إنتخابات تعتبر الاهم في تاريخ تركيا منذ العام ٢٠٠٢، إذ إنها تأتي في ظل  استحقاقات داخلية مصيرية تتعلق بالانتقال إلى النظام الرئاسي وتحقيق المصالحة الداخلية مع الكرد، وخارجية لا تقل أهمية عن تلك الداخلية خاصةً أنها تتعلق بالأمن القومي التركي إقتصاديا وأمنياً وعسكريا.

 

أظهرت نتائج الإنتخابات التركية فوزاً مشروطاً لحزب العدالة والتنمية لا يلبي الطموحات الأردوغانية في نظام سياسي جديد، وقد عكست هذه النتائج  مدى تراجع الحزب المتصدّر للإنتخابات رغم حصوله على ٤٣% من نسبة المقترعين، إلا أن النتائج المترتبة على هذه النسبة ستقوّض سياسة أردوغان على الصعيدية الداخلي والخارجي.

لا شك في أن طموح أدوغان في تشكيل حكومة أغلبية برئاسة حزب العدالة والتنمية باتت سرابيةً في ظل النتائج التي أفضت إلى تصدر حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات بـ٤٠.٩، في حين حصد حزب الشعب الجمهورى أكبر أحزاب المعارضة على نسبة ٢٥.٢%، وحصل حزب العمل القومي (يمين) على نسبة .١٦.٥ % من الأصوات، فيما فجر تجاوز حزب “الشعب الديمقراطي” الكردي مفاجأة بحصوله على نسبة تصويت تقارب ١٢.٦%، التى ستخول له الدخول إلى البرلمان،  فماذا يعني حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على نسبة ٤١%؟ وما هي التداعيات الإقليمية لنتائج الإنتخابات التركية؟

فوز مقيّد       

لايزال حزب العدالة والتنمية الذي يمثل قطاعا كبيرا ًمن الشعب التركي يحتلّ المركز الأول في المشهد السياسي، إلا أن حساب حقل السياسة الأردوغانية لم يكن كحساب بيدر النتائج الإنتخابية، فرغم أن ما حققه الحاكم يعتبر فوزا، إلاّ أن نسبة٤٣ بالمئة لم تمكنه من الوصول إلى سقف طموحاته، ولن تؤهله لتشكيل حكومة غالبية وبالتالي لن يستطيع الانطلاق فيما وعد به من صياغة دستور جديد لتركيا.

الحكومة الإئتلافية في تركيا رغم أنها تخدم أمن وإستقرار أنقرة إلا انها ستقف حجر عثرة امام طموحات أردوغان الذي نجح منذ العام ٢٠٠٢ إلى ما قبل ما يمسى بالثورات العربية في كسب ود الناخب التركي، إلا أن هذه النتائج ترسخ مقولة “القيادة المشروطة”. الناخب التركي بات اليوم يطالب أردوغان بمراجعة بعض خياراته وسياساته، وقد أعطى جواباً مسبقاً لمطلب الرئيس بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.

بإختصار، لقد كبّلت النتائج الإنتخابية أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي، وهذا ما ستظهر تداعياته قريباً على الملفات الإقليمية عموماً، والجبهتين السورية والعراقية على وجه الخصوص.

الدور التركي في الآونة الأخيرة

إن الإستقرار السياسي والإقتصادي من أهم العوامل المؤثرة في سطوع أي نظام حاكم على الصعيد الخارجي، لذلك لم يبرز الدور التركي إقليمياً وبوتيرته الحالية في الفترة السابقة لسببين أساسيين أولهما الوضع الإقتصادي الذي نجح أردوغان في معالجته عبر رفع دخل الفرد من ٣٦٠٠ دولار في العام ٢٠٠٢ إلى ١١ ألف دولار في العام٢٠١١ إلأ أن تراجع نسبياً في الآونة الأخيرة، والسبب الآخر يتمثل بالحكومة الإئتلافية التي تحتم على جميع مكوناتها نظراً للإختلاف السياسي والإيديولوجي الإلتفات أكثر للمشهد الداخلي.

رغم إرتفاع السبب الأول حالياً إلا أنه لا يمكن تجاهل عودة السبب الثاني إلى الواجهة بقوّة نظراً لسياسات أردوغان الداخلية والخارجية إبان دورته الوزارية السابقة، والرئاسية حالياً. لذلك يترتّب من خلال إنشغال الحكومة الإئتلافية التركية المقبلة في الوضع الداخلي بسبب الإختلاف بين المكونات السياسية الموجودة داخل الحكومة، يترتّب تداعيات جمّة على المشهدين العراقي والسوري.

التداعيات الإقليمية

تعتبر الحكومة التركية من أبرز الداعمين للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، وقد بنى أردوغان سياسته منذ العام ٢٠١١ على دعم هذه الجماعات لتدمير الدول المجاورة. وقد نجحت السياسة الأردوغانية في تقوية هذه الجماعات(تنظيم داعش الإرهابي، جبهة النصرة الإرهابية وما يسمى بالجيش الحر) التي تحتل حالياً جزءاً كبيراً من سوريا والعراق إلاّ أن هذا المشهد سيكون مختلفاً خلال الفترة المقبلة.

لطالما وجّهت المعارضة التركية وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة(حصد٢٥ في المائة من المقاعد حالياً) الكثير من الإنتقادات لسياسة أردوغان الخارجية، وخاصة تجاه سوريا، لكن الأخير لم يعرها أي إهتمام كونها غير وازنة في الحكومة. وما يزيد في طينة أردوغان بلّة هو العداء الأعمى لهذا الحزب فقد وصفه قبل الإنتخابات بأنه حزب للكفرة والشواذ، كما أنه لم يدن أكثر من ٧٠ هجوما على مرشحي ومسؤولي حزب الشعب الجمهوري.

رغم إختلاف وجهات النظر بين أفرقاء المعارضة إلا أنه سيتّحد جزء كبير منهم للوقوف  في وجه سياسة أردوغان السابقة تجاه سوريا والعراق، فقد أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري  كمال قليجدار انه “سيعمل على إعادة السوريين إلى بلادهم في حال وصوله إلى السلطة عقب تحقيق السلام معها”، كذلك لن يسمح حزب الشعب الديمقراطي التركي باستمرار دعم بلاده للجماعات التكفيرية نظراً لتأذي الاكراد في سوريا والعراق من “داعش” وأخواتها.

قد تساهم التواجهات العلمانية لحزب الشعب الجمهوري، وكذلك القومية لحزب الشعب الديمقراطي الكردي في الوقوف كحجر عثرة أمام التوجهات “الإسلامية” لحزب العدالة والتنمية وهذا ما يحتّم آثاراً مصيرية على دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين، والجماعات التكفيرية إسلامية الظاهر.

يبدو واضحاً أن هذه الإنتخابات لن تكون في صالح حزب العدالة والتنمية إلا أنها قد تعيد العلاقات التركية مع جيرانها إلى جادّة الصواب بدءاً من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى إيران. الحكومة التركية المقبلة مواقفها معرّضة للإختلاف بوتيرة أكبر، وقد تكثر على قراراتها ومواقفها التحفظات، ما يقوّض سياسة أردوغان في سوريا والعراق.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق