مؤتمر جينيف بين الإدراك الدولي لحيثية أنصار الله والفشل السعودي
تصدرت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة أخباراً مفادها أن الإدارة الأميركية كلفت نائبة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون، بالتوجه الى عمان ومباشرة اتصالات من أجل حل الأزمة اليمنية بعد أن تم اختيار سلطنة عمان كدولةٍ لإستضافة أي اتصالات بين الأطراف كونها تعتبر الدولة الأفضل والأكثر مقبولية. لكن الإتصالات التي حصلت دارت بأجمعها حول خيارات حركة أنصار الله، فيما استُبعدت السعودية عن كامل المشهد. فماذا في مجريات التحضير لمؤتمر جنيف؟ وكيف يمكن وصف النجاح السياسي لحركة أنصار الله، والفشل السياسي السعودي؟
أولاُ: التحضيرات لجينيف:
حركة دبلوماسية حصلت في العالم هدفت لتحضير الأجواء لمؤتمر جنيف. وبحسب مصادر لجريدة الأخبار اللبنانية، فقد وصل في بادئ الأمر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في زيارة عاجلة، تزامنت مع وصول وفد من أنصار الله الذي أشرفت عمان على نقله الى أراضيها، والذي ضم مسؤولين سياسيين برئاسة المسؤول السياسي محمد عبد السلام لتتبلغ السلطات العمانية من الدبلوماسية الإيرانية، أنهم مستعدون لكل ما يمكن أن يُساهم في الوصول الى نتائج إيجابية، على أن يتولى وفد أنصار الله المفاوضات من دون أي مشاركة إيرانية. ثم أشارت الصحيفة الى أنه وبالتزامن، كان الفريق الأميركي يجري مشاورات مع عواصم غربية أخرى وبالتحديد بريطانيا وألمانيا، لينتقل دبلوماسيون من البلدين إلى المشاركة في المحادثات مع حركة أنصار الله بصفة استشارية.
لكن نتائج الإتصالات وبحسب الصحيفة أفضت الى التالي فيما يتعلق بالحوار:
– توافق مبدئي على إيجاد وسيلة مناسبة لإخراج هادي من المشهد السياسي نهائياً.
– البدء بإنشاء مجلس رئاسي ومرحلة انتقالية جديدة يجري التفاهم عليها خلال مفاوضات جنيف ويصار إلى استبدال مشروع حكومة اتفاق السلم والشراكة بحكومة توافقية.
– يتوافق الجميع على اعتماد “مخرجات الحوار” كمرجعية للمفاوضات اللاحقة، وهي سبق أن أقرت في صنعاء العام الماضي، وتشمل انتخابات رئاسية ونيابية ودستوراً جديداً، وصياغة وضع جديد لإدارة شؤون الجنوب. وكان تنظيم “أنصار الله” قد وافق عليها ما عدا البند الذي يدعو إلى تقسيم اليمن إلى ٦ أقاليم. بالإضافة إلى اتفاق السلم والشراكة والقرارات الأممية ذات الصِّلة، ولا سيما القرار ٢٢١٦، على أن يترك للأمم المتحدة رعاية المفاوضات حول آليات لتطبيق هذا القرار، والعودة إلى جنيف (موعد لم يحدد بعد) مع ما يعنيه ذلك من أنه لا وجود لأي دور سعودي مباشر في المفاوضات اليمنية اليمنية.
وبالنسبة لمخرجات الحوار فقد جرى الإتفاق خلال المحادثات في مسقط على أن تتم الدعوة إلى لقاء جنيف من قبل الأمم المتحدة، وأن تتولى هي رئاسة الجلسات ويجلس الطرفان إلى جانب طاولة بحيث يكون لكل طرف سبعة ممثلين وزعوا على النحو الآتي: ممثلان عن أنصار الله، وممثلان عن حزب المؤتمر الذي يرأسه علي عبد الله صالح وممثل عن حزب الحق وممثل عن حزب البعث وممثلة عن تنظيم المرأة. ومن الجانب الآخر، يحضر ممثلان عن حكومة البحاح، وممثلان عن حزب الإصلاح وممثل عن الحزب الاشتراكي وممثل عن الحزب الناصري وممثل عن حزب الرشاد السلفي. بناءاً لهذه المعطيات، ما هي أبرز الدلالات؟
ثانياً: قراءة في الدلالات
يمكن القول أن هذه الحركة الدبلوماسية تشكل بحد ذاتها أهمية أكثر من المؤتمر، لأن التعويل على الذهاب للمؤتمر ليس من الأمور السهلة بسبب أن الجميع ما زال يراهن على الميدان. لكن تحليل هذه المعطيات يشير لعدد من الأمور المهمة:
– إن الحركة الدبلوماسية الأخيرة تضمنت بشكلٍ أساسي الى جانب الغرب أي أمريكا وأوروبا، أيران وسلطنة عمان المُستضيفة للإتصالات، الى جانب حركة أنصار الله، فيما جرى استبعاد الرياض والدول الخليجية، وهو الأمر الذي يعكس بحد ذاته صورة الأطراف التي أفضت نتائج الميدان في اليمن الى إعطائها دورأ سياسياً.
– أثبتت حركة انصار الله أنها ليست كما يتهمها البعض خاضعة للوصاية الإيرانية، وبالتالي فقد قدمت هذه الحركة الدبلوماسية المشهد اليمني بطريقة تمثل الواقع السياسي الصحيح لجهة حيثية حركة أنصار الله يمنياً.
– عكست الإتصالات حجم إدراك الأطراف بأجمعها لاسيما الأمريكي والأوروبي أن السعودية فشلت في حربها، لدرجة أنها كانت السبب في تحول الوضع الراهن في اليمن الى كارثة إنسانية سيتحمل الجميع مسؤوليتها، وبالتالي فإن الأمريكي أعلن وبمجرد توجهه لعمان لإجراء الإتصالات، بأن الدور السعودي فشل ولا حاجة للرياض بأن تكون راعيةً لحلولٍ كانت السبب في إيجاد مشكلاتها، وهو الأمر الذي يعكس من جهةٍ أخرى حجم الفشل السياسي السعودي وعدم القدرة على تغطيته.
– أثبتت حركة أنصار الله من خلال الإتصالات التي جرت، مشروعها الوطني الى جانب قدرتها على تمثيل اليمن، وذلك لأنها وعلى الرغم من كل ما جرى معها سياسياً وعسكرياً، ما تزال تنادي بالوحدة وضرورة تمثيل الجمي، وهو ما يعكس حجم فهمها للواقع اليمني والإقليمي.
– استبعاد عبد ربه منصور هادي من أي حل الى جانب خروج السعودية من المعادلة اليمنية الداخلية، كانت أحد الأمور التي عكستها الإتصالات، وبالتالي فإن السعودية خسرت الى جانب دورها الإقليمي، مرجعيتها في حل المشكلات، واضطرت للرضوخ لخيار أن تكون مسقط بلد الإتصالات وليس الرياض، وهو الأمر الذي يعتبر تراجعاً من الواضح أن الميدان هو الذي عكسه.
إذان، أثمرت تضحيات الشعب اليمني، عزةً له أمام العدوان الهمجي السعودي، فقد أعطت الوقائع الميدانية وخيارات الشعب اليمني، حركة أنصار الله حيثيتها. فيما تراجعت السعودية من موقع المطالب وواضع الشروط، الى موقع الراضخ لأي حل، ولعل الحديث عن حل سياسيٍ ما يزال رهن التطورات المقبلة، في ظلٍ عالمٍ تحكمه السياسة المبنية على إنجازات الميدان، وهو الأمر الذي أثبتت حركة أنصار الله أنها تتقنه.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق