العقوبات الغربية على موسكو: بين الضرر على أوروبا وفرصة تزايد النفوذ الروسي
على الرغم من أن القرار القاضي بتمديد العقوبات على روسيا ليس بالأمر الجديد، إلا أن الإصرار الأوروبي المستمر في تأزيم العلاقة مع روسيا، يُعتبر من الأمور التي يجب الوقوف عندها، خاصة أن المراقبين لمجريات الأحداث في الغرب، يتحدثون عن استغرابهم لإستمرار الموقف الأوروبي المؤيد للعقوبات، على الرغم من أن أوروبا تُعتبر المتضرر الأكثر من هذه السياسة. وهنا يجري الحديث عن حالة التماشي الأوروبية مع القرارات والسياسات الأمريكية، ولو على حساب دول الإتحاد والمواطن الأوروبي. لكن المحللين للسياسات الخارجية، وجدوا في العقوبات الأمريكية الأوروبية على روسيا، فرصةً قد تعزز دور القطب الروسي وتزيد من نفوذه. فماذا في قرار الدول السبع والموقف الروسي منه؟ وما هي القراءة التحليلية التي يجب معرفتها حول الدور الأوروبي وفرصة القطب الروسي؟
أولاً: قرار مجموعة الدول السبع، والموقف الروسي:
اتخذ قادة مجموعة الدول السبع (أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا واليابان) موقفاً شبه موحد ضد روسيا في البيان الختامي الصادر عن قمة ألمانيا، ملوحين بزيادة العقوبات عليها، وذلك تحت ذريعة “العدوان الروسي” على أوكرانيا. ومن مقاطعة بافاريا الألمانية، لوّح قادة دول مجموعة السبع بتشديد العقوبات على روسيا، قائلين في البيان الختامي لإجتماعهم إن “مدة العقوبات ترتبط ارتباطاً صريحاً بالتطبيق الكامل لاتفاقات مينسك، وبإحترام روسيا لسيادة أوكرانيا. ويمكن رفع هذه العقوبات عند احترام روسيا التزاماتها.”
من جهتها، رأت روسيا في مواقف جاءت على لسان المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أنه لا جديد في التوجه العدائي الذي يتبناه قادة مجموعة الدول السبع تجاه موسكو، ملمحاً إلى تمايزات في مواقف الدول الأعضاء في المجموعة حول العقوبات. وقال بيسكوف إن “أطروحات (القمة) ليست جديدة”، لافتاً إلى “اختلافات دقيقة في التوجهات بين المشاركين في هذا الإجتماع”. فيما يرجح الكرملين تمديد العقوبات الروسية الجوابية ضد الغرب، وذلك رداً على نتائج قمة مجموعة الدول السبع الكبرى والتي تقضي بالإستمرار في تطبيق نظام العقوبات ضد روسيا.
ثانياً: تماشي أوروبا مع المصلحة الأمريكية، سلبياتٌ على دول الإتحاد وتزايدٌ للنفوذ الروسي:
على خلفية الأزمة الأوكرانية فرضت الدول الغربية في آذار ٢٠١٤، عقوبات ضد بعض المسؤولين الروس تمثلت في تجميد الأصول وحظر السفر. وفي صيف عام ٢٠١٤، قرر الإتحاد الأوروبي تحت ضغوط من واشنطن الإنضمام إلى العقوبات الأمريكية ضد قطاعات محددة في الإقتصاد الروسي، إذ تستهدف تلك العقوبات بالدرجة الأولى القطاع المصرفي وشركات النفط والغار الروسية. وردت روسيا على تلك القيود بحظر توريد البضائع الغذائية من الدول التي انضمت إلى العقوبات ضدها، وهي أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا والنرويج. لكن الحديث اليوم يجري حول مدى فعالية هذه العقوبات، وبالخصوص أنها تضر بشكلٍ كبير وأساسي دول الإتحاد الأوروبي أكثر من غيرها، كما أنها وعلى ما يبدو شكلت لروسيا فرصة لزيادة نفوذها. فكيف يمكن تحليل ذلك؟
– تتعامل روسيا على أنها دولة عظمى، إنطلاقاً من نفوذها ودورها العالمي، فالروس يعتبرون أنفسهم جزءاً من آسيا كما أوروبا. وبالتالي فإن سياسة روسيا تجاه الخارج، تعززت وبالتحديد تجاه آسيا، كرد فعلٍ طبيعيٍ على العقوبات. وهو الأمر الذي يعني على الصعيد الدولي الإستراتيجي، أن السياسة الأمريكية تجاه روسيا، قد تكون سبباً لتزايد النفوذ الروسي في المنطقة، وتحديداً من خلال توجه موسكو لتعزيز مواقع روسيا في دول الإتحاد الإقتصادي الأوراسي ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، والذي بحسب المخطط الروسي، أصبح حاجة ملحة للغاية. وهو الأمر الذي يعني أن موسكو أصبحت تعتبر الإتحاد الأوروبي سوقاً لا يقع من ضمن أولوياتها إقتصادياً، أو خياراتها سياسياً، مما يجعلها تتوجه لتقوية علاقتها مع الدول المركزية في الشرق الأوسط وشرق آسيا. وهو ما تؤكده حركة السياسة الخارجية الروسية تجاه دول شرق آسيا لا سيما الصين، الى جانب العلاقات القوية الروسية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط.
– من جهةٍ أخرى وعلى الرغم من أن نظام العقوبات كان مضراً، فقد أتى أيضاً بفوائد معينة بالنسبة لروسيا، ولذلك يمكنها أن تعيش في ظله لفترة طويلة. ومن خلال مراقبة التعاطي الروسي مع قضية العقوبات، فإن حظر توريد البضائع الغذائية من الدول التي انضمت إلى العقوبات ضد روسيا، أدى إلى توسيع إمكانيات منتجي هذه البضائع في روسيا، وهو ما أشارت اليه الديناميكية الجيدة التي سُجلت في قطاع الزراعة الروسي خلال الأشهر الماضية. وبالتالي فإن روسيا انتقلت من مرحلة التأثر بالعقوبات الى مرحلة التكيُّف معها وتعطيل مفعولها.
– كما أن سياسة الإتحاد الأوروبي والتي ترعى المصلحة الأمريكية دون الإلتفات الى مصالحها كدول، أو الى مصالح شعوبها، تُعتبر أمراً مُستَهجَناً للغاية. فروسيا هي الشريك الثالث للإتحاد الأوروبي إقتصادياً. وعلى الرغم من أن المفوضية الأوروبية قد عوضت على المزارعين ما يساوي١٢٥ مليون يورو، لكن مقاطعة روسيا وإيقاف توريد المنتوجات الغذائية إليها قد يزيدان من تدهور الوضع الاقتصادي للإتحاد الأوروبي بحسب خبراء إقتصاديين. فدولة بولونيا مثلاً تخسر ٠.٦% من ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً. كما أن أهم أزمة تجمع أوروبا، هي أزمة التدفئة إذ أن روسيا هي مورد الغاز الوحيد لدول الإتحاد، وهذا ما عبر عنه فالنتين زيمليانسكي أحد خبراء الغاز في أوكرانيا، من أن المشكلة ليست في حالات انقطاع الغاز، بل المشكلة الأساسية تكمن في أن هذا الغاز لن يُسلم للمخازن في حال قررت روسيا ذلك. مشيراً الى أن أزمة عام ألفين وتسعة تُعتبر صغيرة مقارنة بما قد تواجهه أوروبا مستقبلاً في حالة تأزمت العلاقة مع موسكو فيما يتعلق بالطاقة.
لا شك أن دول الإتحاد الأوروبي ما تزال تسير ضمن السياسة الأمريكية، على الرغم من أن سلبيات ذلك تقع على عاتقها أولاً وتُضر شعوبها بشكل رئيسي. وهو الأمر الذي سيتبين في المستقبل القريب. أما في المقابل فإن قدرة القطب الروسي على بناء علاقات تتخطى جغرافيا الإتحاد الأوروبي، قد تجعله يستغني ولو جزئياً عن أوروبا مستقبلاً. وبالتالي تكون موسكو بالنتيجة، استطاعت العمل على قلب الموازين، لتصنع من الأزمة، فرصةً لزيادة نفوذها.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق