هكذا نجح حزب الله! (الجزء الأول)
عندما نجح حزب الله في دحر الكيان الإسرائيلي من جنوب لبنان في ٢٥آيار ٢٠٠٠، بدأت النظريات تتوالى حول مستقبل الحزب ففي حين أكد البعض إقتصار دوره على العمل السياسي والإجتماعي كباقي الأحزاب اللبنانية بعيد الحرب الأهلية، رجّح آخرون دمج الجناح العسكري للحزب في الجيش اللبناني. لكن الحزب أدرك أن نصر أيارجولة والحرب جولات واضعاً نصب عينيه بناء منظومته العسكرية الجديدة أبعد ما يتصور الكيان الإسرائيلي، وبالفعل نجح الحزب خلال السنوات الست (إلى ما قبل حرب تموز) في بناء منظومة عسكرية متطورة ضارباً عرض الحائط كل طروحات “الحرب الناعمة” التي قادها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لإبعاده عن “العسكر” وإدخاله في مؤسسات الدولة[١].
لعل “إختبار تموز” كان فصل الخطاب في معرفة مدى صوابية الرؤية التي تبنّاها حزب الله في مواجهة التحديات والتي إقتصرت حتى إندلاع ما يمسّى بالربيع العربي على الكيان الإسرائيلي. حزب الله وبعد مرور ٦ سنوات أثبت للجميع صوابية خياره في تطوير قدراته العسكرية، إلا أنه وبعد هذه الحرب الضروس التي رفعت آمال الشعوب العربية وأذلّت الجيش الذي “لا يقهر”، أدرك مجدّداً أن ملامح المرحلة المقبلة مختلفة فلا يجوز التغافل عن أجندة محور “الإعتدال العربي” التي هدفت لضرب حزب الله من الداخل. لذلك بدأ بالتزامن مع تطوير االقدرات العسكرية في بناء منظومة مواجهة قادرة على النيل من كل الحاقدين تكلّلت حينها بالمعادلة الذهبية:
“الجيش-الشعب- المقاومة”
بعد نصر تموز عاد الحزب مجدّداً لبناء منظومة أكثر تطوراً إستعداد لأي جولة مقبلة، إلا أن الخطر هذه المرّة جاء شرقاً وليس جنوباً، أي من الجماعات التكفيرية التي ظهرت بعد فترة وجيزة من إندلاع الأحداث في سوريا. حزب الله كانت له رؤيته الخاصة في المواجهة وبالفعل نجح بعد مرور أربع سنوات على “الحرب الكونية” سورياً بأن يحفظ حبهته اللبنانية من هجمات الجماعات التكفيرية.
بات حزب الله قوّة إقليمية على أدنى تقدير، قوّة ترعب الكيان الإسرائيلي ويستعان بها في سوريا والعراق وإيران أحياناً حسبما أعلن قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زادة “حزب الله يمتلك من القدرة والتقنيات ما يدفع الحرس الثوري الإيراني لطلب المساعدة منه، قدراته الصاروخية تطورت بحيث لم يعد بالإمكان قياسها بقدراته في العام٢٠٠٦ “.[٢]
اذاً، تخطى حزب الله حدوده اللبنانية، وبات ركناً لا يستهان به في العمق العربي، فهو” القوة الأكثر فاعلية على ساحة المعركة في سوريا، حيث قام بدورٍ فعال في الحفاظ على نظام الأسد” حسبما يرى الضابط الكبير السابق في الإستخبارات الأمريكية والخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جيفري وايت[٣]، فما هي الأسباب الكامنة وراء قوّة أو نجاح حزب الله؟
تقف أسباب عدّة وراء النجاحات التي حقّقها حزب الله بدءاً من تأسيسه في العام ١٩٨٢ مروراً بنصري آيار وتموز إنتهاءاً في مواجهة التيارات التكفيرية في سوريا وعلى الحدود اللبنانية، ولعل أبرزها التالي:
العقيدة
تشكّل العقيد الدينية-العسكرية أحد أبرز نقاط القوة لتنظيم حزب الله، وقد نجح من خلال هذين الجناحين (الديني والعسكري) التحليق فوق كافة للعقبات، للوصول إلى شطئان النصر. على الصعيد الديني يعتبر مقاتل حزب الله صاحب عقيدة صلبة بإعتبار أن حركته “إيمانية جهادية” وقد شكّلت بنيته التنظيمية التي تقوم على مبدأ “ولاية الفقيه” حصناً منيعاً في أمام الهجمات العقائدية والسياسية والعسكرية الشرسة التي تعرّض لها لحزب منذ نشأته إلى العام ٢٠٠٠، ويمكن القول أن مبدأ “ولاية الفقيه” على المستوى الداخلي في حزب الله كان السفينة التي نقلته من وسط الأمواج المتلاطمة إلى شاطئ الأمان. أما عسكرياً، نجح الحزب من خلال الربط بين النظريات والتاريخ والتجارب والخبرات العملية، و تعزيز التفكير الإبداعي والإبتكاري داخل مؤسسته العسكرية في إيجاد “مدرسة قتالية جديدة” جمعت ما بين العقيد الجهادية والخبرات العسكرية.
السرّية
ساهمت البنية العقائدية لحزب الله، إضافةً إلى إستقلاله منذ نشأته إلى اليوم عن أي طرف آخر في إخفاء قدرات الحزب طوال سنوات المواجهة مع الكيان الإسرائيلي. لم يسجّل أي إختراق أمني في صفوف حزب الله سوى في الآونة الأخيرة.
لم يستطع الموساد الإسرائيلي تحديد قدرات حزب الله الصاروخية في يوم من الأيام، وقد شكّلت هذه السرية عنصراً حاسماً في المواجهة، فعملية “أنصارية” النوعية في ٥أيلول ١٩٩٧ والتي أودت بحياة ١٢ ضابط وجندي، لم يعلن الحزب عن سرّها الحزب سوى في الفترة الأخيرة عندما أوضح أمينه العام السيد حسن نصرالله أن الوحدات العلمية في الحزب نجحت في إختراق الموجات التي ترسلها طائرات التجسس. فصل آخر من فصول المواجهة السرية التي تكلّلت بالنجاح هي تلك الصواريخ(الكورنت) التي إنتظرت دبابات الميركافا في وادي الحجير، وكانت بالفعل عنوان النصر وفصل الخطاب في تموز ٢٠٠٦. كذلك لم يعلن حزب الله حتى كتابة هذه السطور عن “الشهيد الحسيني” منفذ العملية الإستشهادية “مدرسة الشجرة” في صور جنوب لبنان رغم مرور أكثر من ٣٠ عاماً عليها (٤/١١/١٩٨٣)، لغاية في نفس منظومته الأمنية والعسكرية.
وبذلک يبدو واضحاً أنه رغم بعض الضربات التي تلقّاها الحزب على الصعيد الأمني في الآونة الأخيرة-كأي منظومة أمنية عالمية- نجح في إخفاء قدراته العسكرية واللوجستية..، ولعل هذا الأمر من الأسباب المصيرية في نجاح حزب الله.
سنكمل في الجزء الثاني أسباب آخرى ساهمت في نجاح الحزب، حيث سنتطرق إلى معرفة مقاتلي حزب الله بما يمسى “فلسفة الميدان” وكيف تبدّلت المدرسة القتالية (مجموعة-سرية-كتيبة) مع الكيان الإسرائيلي والجماعات التكفيرية، ومن ثم ننتقل إلى العلاقة التفاعلية بين الحزب وشعبة، وكيف أن الحزب قائم على المعرفة واحذ العبر وانتهاز الفرص وفق العلوم الحالية -تحليل سووت(SWOT analysis) ونظرية الألعاب(GAME THEORY)-. في الختام تستعرض جوهر حزب الله والتحديات المستقبلة التي ستواجهة.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق